في السنوات الأخيرة، بدأ العلماء يتحدثون عن ميكروبيوم يسكن أمعاءنا، يضم الملايين من الكائنات الدقيقة التي تعمل كخط دفاعي ومساعد هضمي في الوقت نفسه. هذا العالم، المعروف باسم الميكروبيوم المعوي، يشارك في هضم الطعام، وصناعة الفيتامينات، وتنظيم المناعة، بل والتأثير على المزاج أيضًا. غير أن نمط الحياة الحديث، المليء بالعادات الغذائية المتسرعة والوجبات الجاهزة، جعل هذا النظام الدقيق عرضة للاضطراب.
وفقًا لتقرير نشره موقع Flore Health، فإن الحفاظ على توازن الميكروبيوم لا يتحقق فقط عبر تناول أطعمة "صحية"، بل أيضًا عبر تجنب سلوكيات يومية تضعف هذا التوازن وتؤدي إلى سوء امتصاص العناصر الغذائية، واضطراب حركة الأمعاء، وزيادة الالتهاب الداخلي.
دهون تشبع الأمعاء بالضرر
يعتقد البعض أن الدهون مصدر للطاقة فقط، لكن نوع الدهون هو ما يصنع الفارق بين أمعاء قوية وأخرى مضطربة. الدهون المشبعة — الموجودة في الزبدة، واللحوم الحمراء، وبعض الزيوت مثل زيت النخيل وجوز الهند — تخلق بيئة مثالية لتكاثر أنواع من البكتيريا الضارة التي تُضعف جدار الأمعاء وتزيد نفاذيته.
بينما تساعد الدهون غير المشبعة، كالموجودة في الأسماك الزيتية وزيت الزيتون والمكسرات، على تغذية الميكروبات المفيدة وتعزيز تنوعها. لذا فإن تقليل الدهون الصلبة في درجة حرارة الغرفة يُعد خطوة بسيطة لكنها فعالة للحفاظ على بيئة هضمية سليمة.
حين يطغى البروتين الحيواني
النظام الغذائي الغني باللحوم الحمراء والدواجن على حساب الخضراوات والبقوليات قد يبدو مشبعًا، لكنه يختزل التنوع البكتيري في الأمعاء. تشير الدراسات إلى أن البروتين الحيواني الزائد يُعزز نمو بكتيريا تثير الالتهاب، بينما الألياف النباتية تُغذي الأنواع المفيدة التي تنتج أحماضًا دهنية قصيرة السلسلة تحمي بطانة القولون وتدعم المناعة. التوازن إذن ليس في الكمية فقط، بل في تنويع مصادر البروتين.
الحمية الصارمة سلاح ذو حدين
قد يلجأ البعض إلى أنظمة إقصائية طويلة مثل "الكيتو" أو "الباليو" أو الحميات منخفضة الكربوهيدرات لتخفيف الوزن أو السيطرة على اضطرابات الهضم. غير أن البقاء عليها لفترات طويلة يحرم الميكروبيوم من مصادر غذائية أساسية، أبرزها الألياف المعقدة. هذه الألياف تشكل الغذاء الرئيسي لبكتيريا نافعة مسؤولة عن إنتاج مواد مضادة للالتهاب. وعندما يقل وجودها، يصبح الجهاز الهضمي أكثر عرضة للتهيّج والتقرحات.
المضادات الحيوية: علاج يربك النظام الداخلي
لا شك أن المضادات الحيوية أنقذت البشرية من أمراض قاتلة، لكنها أيضًا تُحدث دمارًا مؤقتًا في الميكروبيوم. فهي لا تفرّق بين البكتيريا الضارة والمفيدة، مما يترك الأمعاء فارغة من حراسها الطبيعيين. التعافي بعد دورة من المضادات قد يحتاج أسابيع أو أشهر، وخلالها ترتفع احتمالية العدوى والالتهابات المتكررة. لذلك، ينصح الخبراء بعدم تناولها دون ضرورة، والاعتماد على اختبارات دقيقة لتقييم حالة الأمعاء قبل التفكير في أي علاج تعويضي.
الوقاية
الاهتمام بالميكروبيوم ليس رفاهية، بل استثمار في الصحة العامة. فكل وجبة نتناولها وكل عادة نكررها تُعيد تشكيل بيئة داخلية دقيقة تُحدد كيف نهضم وكيف نشعر. التوازن بين الغذاء النباتي المتنوع، والنوم الكافي، وتقليل التوتر، والابتعاد عن الأدوية غير الضرورية، هو المفتاح للحفاظ على جهاز هضمي يؤدي وظائفه بكفاءة ويغذي الجسم حقًا بما يحتاج إليه.