لم يعد خطر الإصابات المرتبطة بالجري مرتبطًا فقط بأحذية غير مناسبة أو زيادة مفاجئة في مسافة التدريب؛ فالأبحاث الحديثة تكشف عن عامل أكثر خفاءً قد يضاعف احتمال الإصابة دون أن يلتفت إليه العداؤون: جودة النوم. فبعد تحليل بيانات مئات العدائين، ظهر أن من ينامون ساعات أقل أو يعانون اضطرابًا متكررًا أثناء الليل يواجهون احتمالًا أعلى بكثير للإصابة خلال عام واحد من ممارسة الجري.
وفقًا لتقرير نشره موقع Everyday Health، فقد أظهرت دراسة واسعة امتدت لعام كامل أن العدائين الذين يعانون نومًا قصيرًا أو متقطعًا أو ضعيف الجودة كانوا أكثر عرضة للإصابة بما يقارب الضعف مقارنة بنظرائهم الذين يحصلون على نوم مريح ومنتظم. ويؤكد الباحثون أن النوم ليس مجرد مرحلة استرخاء، بل هو عملية بيولوجية معقدة تدعم بناء الأنسجة وإصلاح الخلايا وتنظيم الهرمونات المرتبطة بقوة العضلات والتحمل.
أربع فئات تحدد مستقبل العداء
اعتمد فريق الدراسة على استبيانات دقيقة شملت ساعات النوم، مستوى الاضطرابات الليلية، الإحساس بالنشاط عند الاستيقاظ، ووجود أعراض أرق أو صعوبة في النوم. وبناءً عليها، تم تقسيم العدائين إلى أربع مجموعات تعكس أنماطًا مختلفة من النوم:
1. النوم المنتظم
يمثلون النسبة الأكبر بين المشاركين. يحصل هؤلاء على سبع ساعات أو أكثر ويملكون جودة نوم جيدة عامة، مما يجعل خطر الإصابة لديهم الأقل.
2. قلة النوم
أكثر من ثلث العينة ينتمون لهذه المجموعة. ينامون عددًا أقل من الساعات ويعانون خللًا واضحًا في جودة النوم. سجل هؤلاء أعلى معدل للإصابات.
3. النوم عالي الكفاءة
مجموعة صغيرة لكنها مميزة، إذ يحصل أفرادها على مدة نوم مشابهة للمجموعة الأولى، لكن جودته أعلى بكثير ويستيقظون بطاقة كبيرة.
4. النوم المتقطع
ينامون مدة مقبولة لكنهم يعانون استيقاظًا متكررًا، وهو ما يقلل الاستفادة الحقيقية من النوم رغم طول مدته.
وقد تبيّن أن الإصابات في العام السابق كانت شائعة بين 60% من المشاركين. لكن الأكثر لفتًا للنظر هو أن فئة “قلة النوم” سجلت احتمالات إصابة بلغت نحو 68%، وهي نسبة تفوق المجموعات الثلاث الأخرى بشكل واضح.
لماذا يرفع السهر خطر الإصابة؟
رغم أن الدراسة لم تعلن علاقة سببية قاطعة، إلا أن تفسير العلماء يشير إلى عدة محاور بيولوجية وسلوكية:
نقص التعافي العضلي
خلال النوم العميق يرتفع إفراز هرمون النمو، وهو عنصر أساسي في إصلاح الأوتار والأنسجة. وعندما لا يحصل الجسم على هذه المرحلة، تتراكم الإصابات الدقيقة إلى أن تتحول إلى إصابة حقيقية.
زيادة الالتهاب
السهر يحفز مواد التهابية داخل الجسم، مما يجعل العضلات أكثر عرضة للإجهاد والتمزق.
انخفاض القدرة الذهنية والتنسيق الحركي
قلة النوم تُبطئ رد الفعل وتُضعف الدقة الحركية، مما يزيد احتمالات الخطوات الخاطئة أو تحميل الوزن بشكل غير صحيح أثناء الجري.
انخفاض عتبة الألم
المتعبون يشعرون بالألم أسرع، وقد يدفعهم ذلك إلى تعديل أسلوب الجري بشكل غير واعٍ، ما يخلق ضغطًا إضافيًا على المفاصل والأوتار.
هل تساعد القيلولة؟
تشير الأدلة إلى أن القيلولة يمكن أن تعيد جزءًا من التعافي الذي فُقد خلال الليل. فقد تكون قيلولة قصيرة لمدة 20 دقيقة مفيدة قبل تمارين تتطلب سرعة اتخاذ القرار، بينما تتيح القيلولة الأطول — حتى 90 دقيقة — المرور بدورة نوم كاملة تعزز إصلاح العضلات لدى العدائين قبل حصص التدريب الشاقة.
هل يُنصح بتجنب الجري بعد ليلة سيئة؟
لا تُعد ليلة واحدة من السهر سببًا كافيًا لإلغاء التدريب. لكن إذا تكرر اضطراب النوم أو انخفضت جودته فجأة، فذلك قد يشير إلى اختلال بين الجهد والتعافي. قد يستلزم الأمر تقليل شدة التمارين، أو تطبيق قواعد نظافة النوم، أو استشارة مختص إذا ظهرت علامات اضطرابات مثل الأرق أو انقطاع النفس النومي.
كيف تعرف أنك تنام بما يكفي؟
يحدد الجسم طبيعياً عدد الساعات التي يحتاجها أغلب الناس، ويتراوح ذلك بين سبع وتسع ساعات. ولاختبار ذلك، يكفي الذهاب للنوم مبكرًا لعدة أيام — فإذا استيقظت تلقائيًا قبل المنبه، فأنت غالبًا تحصل على الكمية المناسبة.