مع اشتداد البرد، يزداد اعتماد الأسر على البقاء داخل منازل دافئة مغلقة بإحكام، وكأن الهواء الخارجي أصبح مصدر إزعاج يجب عزله تمامًا. لكن هذا السلوك الذي يبدو بديهيًا في الشتاء قد يفتح الباب لمجموعة من الأخطار الصحية الصامتة، أهمها تراكم الملوثات داخل البيوت وارتفاع رطوبة الجو لدرجة تسمح بتشكل بيئة خصبة للعفن ومسببات الحساسية. وفقًا لتقرير نشره موقع Purmo، فإن تجاهل تهوية المنازل خلال الطقس البارد قد يحول الأماكن المريحة إلى بيئة ضارة تؤثر مباشرة على صحة الجهاز التنفسي وعلى جودة الهواء الذي نتنفسه.
لماذا يصبح الهواء الداخلي خطرًا في الشتاء؟
يؤدي إغلاق النوافذ لفترات طويلة إلى احتجاز الهواء المستهلك داخل الغرف. هذا الهواء يحمل معه جسيمات دقيقة من الغبار، وملوثات ناتجة عن الطهي، ووبر الحيوانات، فضلًا عن انبعاثات المدافئ وأجهزة التدفئة. ومع غياب تجديد الهواء، تتحول هذه الجسيمات إلى خليط مركز يمكن أن يتسبب في التهابات المسالك التنفسية، ويزيد من تهيج الشعب الهوائية لدى مرضى الربو والحساسية.
كما أن اعتماد المنزل على التدفئة الداخلية طوال اليوم يرفع مستوى الرطوبة الناتجة عن التنفس والاستحمام والطهي، ما يمهد لظهور التكثف على الجدران والأسقف، وهي البيئة المثالية لنمو العفن. العفن لا يسبب فقط روائح مزعجة أو بقعًا سوداء، بل يطلق أيضًا سمومًا فطرية قد تؤدي إلى نوبات ربو شديدة لدى الأطفال والبالغين.
العادات الشتوية التي تهيئ بيئة ملوّثة
يُعد تجفيف الملابس داخل الغرف المغلقة أحد أبرز مصادر الرطوبة. فالملابس الرطبة ترفع كمية بخار الماء في الهواء، وتزيد من احتمالات التكثف على الأسطح الباردة. كما أن الطهي في مطبخ غير مهوّى يضاعف كمية البخار، ما يؤدي إلى انتشار الرطوبة في أنحاء المنزل. وحتى النوم في غرف مغلقة بإحكام أثناء الليل، دون أي فتحات للهواء، يرفع تركيز ثاني أكسيد الكربون إلى مستويات تؤثر في جودة النوم وفي نشاط العقل صباحًا.
التهوية المنتظمة ضرورة وليست خيارًا
لا يحتاج المنزل إلى فتح النوافذ طوال اليوم. يكفي السماح بمرور تيار هواء سريع لمدة دقائق عدة مرتين يوميًا لخفض تركيز الملوثات وإعادة توازن الرطوبة. هذا الأسلوب، الذي يُعرف بالتهوية الاندفاعية، يُعد فعالًا حتى في أيام البرد القارس، لأن الهواء الخارجي الجاف يمتص الرطوبة الداخلية بسرعة.
كما أن تشغيل مراوح الشفط في الحمام والمطبخ يزيل البخار بشكل مباشر ويمنع انتشاره في أنحاء المنزل. ويمكن للأجهزة المخصّصة للتهوية الميكانيكية التي تعمل على سحب الهواء الراكد وإدخال هواء نقي دافئ من الخارج أن تكون حلًا طويل الأمد، خصوصًا في المنازل ذات العزل القوي.
التهوية تحمي المنزل أيضًا
لا تقتصر المخاطر على الصحة فحسب؛ فالرطوبة الزائدة قد تنتشر داخل الجدران وتؤدي مع الوقت إلى تقشر الدهانات وضعف مواد البناء، الأمر الذي يتطلب إصلاحات باهظة الثمن. كثير من التقارير الهندسية أوضحت أن المنازل التي تعتمد على التدفئة دون تهوية كافية تتعرض لخسائر هيكلية تدريجية قد لا يلاحظها السكان إلا بعد تفاقمها.
كيف تضمن بيئة صحية في الشتاء؟
أفضل صيغة للحفاظ على التوازن الداخلي هي الدمج بين التدفئة والتهوية. فتح نافذة لمدة عشر دقائق صباحًا، تشغيل مروحة المطبخ أثناء الطهي، وإبقاء مسافة بين الأثاث والجدران الخارجية، كلها خطوات بسيطة تحدث فارقًا كبيرًا. وفي الحالات التي يصعب فيها إدخال هواء خارجي بارد، يمكن استخدام مزيلات الرطوبة أو أنظمة التهوية المزودة بمرشحات لتنقية الهواء.