تابعنا اعتراف دول عظمى بالدولة الفلسطينية، تلك الدول التي طالما تماطلت وتلاعبت بالألفاظ والكلمات للهروب من تلك اللحظة على مدى سنوات عدة مارس فيها الاحتلال الصهيوني أقصى أدوات التعذيب والتنكيل للشعب الفلسطيني، حتى وصل على خطة الإبادة الجماعية لغزة وممارسة التجويع والقتل العمد والختفاء القسيرى لسكان القطاع؛ وخاصة الأطفال والنساء وكبار السن.
وحدة الموقف الفلسطيني ضرورة وطنية وشرط أساسي لبناء دولة قوية
جاءت لحظة الاعتراف ليشم الشعب الفلسطيني الصعدات بعد أن باتت أنفاسه مكلومة ومخنوقة من الإذلال الذى مارسه عليه الاحتلال الإسرائيلي، ومن المؤكد أن للإعتراف بالدولة الفلسطينية تأثير على المستوى العالمى وليس الاشرق الأوسط فقط؛ حيث قال في ذلك وليد فاروق رئيس الجمعية الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات، لـ"اليوم السابع" أن اعتراف دول كبرى مثل بريطانيا وفرنسا بدولة فلسطين في الأمم المتحدة ليس مجرد قرار رمزي بل تحول سياسي وحقوقي يعيد القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام العالمي ويمنحها شرعية متجددة تعزز حضورها الدولي؛ لكن الأهم أن هذا الاعتراف لم يكن ليأتي لولا صمود الشعب الفلسطيني وموقف مصر الثابت برفض التهجير؛ فالمحاولات الإسرائيلية المستمرة لإفراغ الأرض من مواطنيها تهدف إلى إنهاء القضية من جذورها ولولا تمسك مصر بموقفها التاريخي الرافض لأي تهجير قسري لكانت القضية قد دخلت في مسار التصفية لا الاعتراف.
وأكمل فاروق هذا الاعتراف يمثل مكسبًا حقوقيًا كبيرًا لكنه يفرض في الوقت ذاته مسؤولية مضاعفة على الفلسطينيين أنفسهم إنهاء الانقسام الداخلي، وتوحيد الصف فالتشتت بين الفصائل هو الثغرة الأخطر التي يستغلها الاحتلال لإضعاف أي إنجاز سياسي أو حقوقي وحدة الموقف الفلسطيني ضرورة وطنية وشرط أساسي لبناء دولة قوية قادرة على حماية حقوقها وتوظيف الاعتراف الدولي لصالحها.
وتابع "الحقوقى": إسرائيل سترد كما اعتادت رفض وتصعيد واستيطان متزايد غير أن هذه السياسات لن تغير من الحقيقة الجوهرية الاحتلال جريمة والاستيطان غير شرعي وإنكار الحقوق لن يسقطها؛ اليوم بات على المجتمع الدولي أن يتحرك لتحويل الاعتراف إلى خطوات ملموسة وقف الاستيطان رفع الحصار ومحاسبة إسرائيل على جرائمها وعلى الفلسطينيين أن يستثمروا هذه اللحظة التاريخية بالوحدة والإرادة السياسية إن دور مصر في حماية الأرض ومنع التهجير ودور المجتمع الدولي في الاعتراف يجب أن يكونا معًا نقطة انطلاق نحو الدولة الفلسطينية المستقلة.
الاعتراف بالدولة الفلسطينية تحولاً نوعياً في القانونية للنظام الدولي
ومن جانبه أكد محمد ممدوح عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان ورئيس مجلس الشباب المصرى لحقوق الإنسان أن الإعتراف بدولة فلسطين يُعد لحظة فارقة في التاريخ السياسي والقانوني الدولي، فإجماع هذا العدد غير المسبوق من الدول على الاعتراف بدولة فلسطين لا يقتصر على إعادة التأكيد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، بل يمثل تحولاً نوعياً في البنية الأخلاقية والقانونية للنظام الدولي. ولأول مرة منذ عقود، نرى قضية فلسطين تتحول من ملف إقليمي محصور في صراع الشرق الأوسط إلى قضية عالمية تتصدر جدول أعمال العدالة الدولية، وتفرض نفسها كاختبار حقيقي لمدى التزام الأسرة الدولية بمبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان.
وأوضح "ممدوح" الأبعاد العالمية لهذا الاعتراف؛ حيث لا يمكن إغفالها فهو يوجه رسالة واضحة بأن الشرعية الدولية لم تعد رهينة مصالح القوى الكبرى فقط، بل يمكن لإرادة جماعية من دول متعددة، ومن شعوبها، أن تفرض إعادة صياغة الواقع السياسي، لقد انتقلت فلسطين من أن تكون مجرد قضية تضامن إنساني إلى أن تصبح مرآة تعكس مصداقية النظام الدولي برمته. فإذا كان المجتمع الدولي جاداً في إنفاذ قراراته السابقة من القرار 242 إلى 2334 فإن الاعتراف بدولة فلسطين يشكل الخطوة الأولى نحو تحويل النصوص القانونية إلى واقع ملموس.
وأشار عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان أنه من الشق الحقوقى فالاعتراف يعزز بشكل مباشر إمكانية مساءلة الاحتلال أمام آليات العدالة الدولية، ويفتح الباب أمام فلسطين للانخراط الكامل في المنظومة القانونية العالمية، بما في ذلك التمتع بصفة الدولة أمام المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، هذا التطور يُسقط الحجة القديمة التي كانت تُستخدم للتشكيك في الأهلية القانونية لفلسطين، ويوفر إطاراً جديداً لحماية المدنيين وتعويض الضحايا، كما يعزز حق العودة والتعويض كاستحقاقات قانونية لا سياسية فقط.
وتابع الحقوقى حديثه لـ"اليوم السابع" قائلًا: من المتوقع أن يسعى الاحتلال إلى إفشال هذا الاعتراف عبر أدوات متعددة مثل تصعيد الاستيطان، فرض وقائع أحادية على الأرض، استخدام العقوبات الجماعية، أو محاولة الضغط على بعض الدول للتراجع عن مواقفها. غير أن هذه الاستراتيجية، التي نجحت نسبياً في الماضي، ستواجه بيئة دولية مغايرة تماماً؛ فالعزلة السياسية لإسرائيل باتت أكثر وضوحاً، والغطاء الدبلوماسي الذي طالما وفر لها الحماية أصبح مهدداً بالانحسار. بل إن أي رد فعل مفرط أو عنيف من جانب الاحتلال قد يتحول إلى محفز إضافي لمزيد من الاعترافات الدولية، وربما يقود إلى التفكير في إجراءات أكثر صرامة كالعقوبات الاقتصادية أو حظر الأسلحة، وهو ما قد يغير معادلة الردع بشكل جوهري.
اعتبر رئيس مجلس الشباب المصرى أن هذه اللحظة تفرض مسؤولية مضاعفة على الفاعلين الحقوقيين والمدنيين في العالم العربي وخارجه القضية الفلسطينية لم تعد مجرد مسألة تضامن وجداني، بل أصبحت أولوية في مسار إصلاح النظام الدولي ذاته. وبالتالي، فإن دعم فلسطين اليوم يعني الدفاع عن مصداقية العدالة الدولية، وعن حق كل شعب في تقرير مصيره بحرية وكرامة.
الاعتراف بالدولة الفلسطينية جعل القضية لم تعد محصورة كصراع إقليمي
وفي السياق ذاته أكد أحمد فوقي، رئيس "مصر السلام للتنمية وحقوق الإنسان" أن الاعتراف المتتابع والمتسارع من قبل مجموعة من الدول الغربية والأوروبية بدولة فلسطين، والذي تُوِّج في مؤتمر حل الدولتين في نيويورك أمس، يُشكل تحولًا تاريخيًا يتجاوز حدود الشرق الأوسط ليؤثر على النظام الدولي ككل. فهذا الاعتراف لا يمثل فقط تصحيحًا لمسار تاريخي طال انتظاره، بل يعكس أيضًا تحوّلًا في إرادة المجتمع الدولي نحو محاولة الحفاظ على ما تبقى من معايير العدالة والقانون الدولي، ورفض استمرار سياسة الإفلات من العقاب التي يتمتع بها الاحتلال الإسرائيلي منذ عقود.
وأضاف فوقي، أن ما شهدناه من مواقف دولية بارزة، كاعتراف فرنسا وكندا وبريطانيا وأستراليا والبرتغال وغيرها، يفتح الباب أمام إعادة رسم خارطة الشرعية الدولية، ويؤكد أن قضية فلسطين لم تعد محصورة كصراع إقليمي، بل باتت قضية مركزية في وجدان المجتمع الدولي ومعيارًا لمصداقية منظومة حقوق الإنسان العالمية.
أما بشأن رد فعل الاحتلال الإسرائيلي المتوقع، أشار فوقي إلى أن سلطات الاحتلال ستحاول مواجهة هذه الموجة المتنامية من الاعترافات عبر مضاعفة الضغوط السياسية على العواصم الغربية، وربما تصعيد الانتهاكات على الأرض في الضفة الغربية والقدس أو مواصلة حرب الإبادة في قطاع غزة. لكن مهما كان شكل الرد، فإن دينامية الاعتراف الدولي لن تتوقف، بل ستتوسع لتشمل دولًا أخرى تدرك أن العدالة والاستقرار العالميين لا يمكن أن يتحققا دون إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
ودعا فوقي إلى ترجمة هذه الخطوات الدولية لتكون مدخلًا لآليات عملية لحماية المدنيين الفلسطينيين ووقف جرائم الحرب، والانتقال من مجرد الاعتراف الرمزي إلى فرض المساءلة ووقف شلال الدم المستمر، وإنهاء معاناة الملايين في الأراضي الفلسطينية المحتلة.