أكد الدكتور محمد فيصل، الأستاذ بجامعة الأزهر، أن قوله تعالى: ﴿قال ومن كفر فأمتعه قليلًا﴾ جاء جوابًا من الله سبحانه وتعالى على دعاء سيدنا إبراهيم عليه السلام حين سأل الرزق لأهل البلد الحرام ممن آمن بالله واليوم الآخر، موضحًا أن الله عز وجل بيّن في هذه الآية أن عطائه الدنيوي مبذول للمؤمن والكافر على السواء، لا تعظيمًا لشأن الدنيا ولكن تحقيرًا لها، لأن الله يعطي الدنيا لمن يحب ومن لا يحب، ولو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء.
وأوضح الدكتور محمد فيصل، خلال حلقة برنامج "لغة القرآن"، المذاع على قناة الناس اليوم الجمعة، أن الآية الكريمة تحمل دلالات عميقة من خلال اختلاف القراءات في كلمة «فأمتعه»، حيث جاءت بقراءتين: قراءة بالتشديد «أمتّعه»، وهي تدل على التكثير، أي إعطاؤه متعة بعد متعة من صور متعددة من ملذات الدنيا وعلى مدى زمني ممتد، وقراءة أخرى بدون تشديد «أمتعه»، وهي تحمل معنى التقليل، بما يعكس دقة التعبير القرآني واتساع دلالته.
وأشار إلى أن القراءة الثانية يمكن فهمها أيضًا من زاوية لغوية دقيقة، تتعلق بما يُعرف في العربية بـ«همزة الإزالة»، موضحًا أن دخول الهمزة على الفعل قد يفيد إزالة معناه، كما في قولنا «أعجم الكلام» أي أزال عُجمته، ومن ثم يمكن أن يُفهم «أمتعه» على أنها لا تعني فقط إعطاء المتعة، بل قد تعني نزع كمال المتعة منه، فيكون عند الإنسان رزق ومال، لكن تُسلب منه لذة الاستمتاع الحقيقي.
وبيّن الأستاذ بجامعة الأزهر أن هذا المعنى يتجلى في واقع الناس، حيث قد يملك الإنسان المال الوفير والجاه، لكنه يعيش القلق والاكتئاب وضيق الصدر، وتظهر معدلات الانتحار مرتفعة في بعض المجتمعات الغنية، لأن المتعة قد أُعطيت في الظاهر وسُلبت في الباطن، فيتحول النعيم إلى نغص، دون أن يُحرم الإنسان من أصل الرزق.
وأكد الدكتور محمد فيصل أن وصف المتاع بالقلة في قوله تعالى «قليلًا» لا يقتصر على قلة اللذة أو نقصها، بل يشمل قلة مدتها وانقطاعها، فمهما طالت حياة الإنسان في الدنيا وقورنت بالآخرة، فهي قليلة جدًا، موضحًا أن من نوّر الله قلوبهم بالمعرفة أدركوا حقيقة الدنيا والآخرة، فلم تتعلق قلوبهم بالدنيا وإن عملوا فيها، لأن المتاع منقطع، ثم يعقبه الحساب، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير﴾.