- الأوراق تكشف النقيب أقال ممثلي المجلس الرافضين لقرض بقيمة 110 مليون دولار.. وعين أخر بقرار منفرد..
- النقابة تلغى طعنها على زيادة رأس المال من 160 مليون إلى مليار و440 مليون جنيه.. وتقرير للمفوضين يفضح تناقضات موقفها..
كشفت مستندات رسمية حصل عليها "اليوم السابع"، تفاصيل دقيقة حول الأزمة التي عصفت بأحد أهم الأصول الاستثمارية لنقابة المهندسين، وهي حصتها التاريخية في شركة "يوتن" العالمية للدهانات، بعد شراكة امتدت لسنوات طويلة فوجئ أعضاء الجمعية العمومية للنقابة أنفسهم أمام واقع جديد انخفضت فيه حصة نقابة المهندسين من 30% إلى ما يقدر بنحو 4% فقط، وهو ما يمثل خسارة تقدر بمليارات الجنيهات من أموال صندوق معاشات المهندسين.
تاريخ الأزمة
الأزمة لم تكن حديثة أو مفاجأة بالنسبة للمهتمين بشئون النقابة، حيث بدأت منذ سنوات، وتحديدا في أغسطس 2013 في نهاية فترة مجلس نقابة المهندسين الإخواني وخلال تولي لجنة تسيير أعمال النقابة المؤقتة، في تلك الفترة بدأت الشركة الأم إقراض نظيرتها المصرية مبالغ بلغت نحو 13 مليون دولار على خمس مراحل، إلا أن ماجد خلوصى نقيب المهندسين حينها قال في فيديو مسجل: إنه تلقى عرضا من رئيس الشركة شراء نصيب النقابة بقيمة 100 مليون جنيه، في الوقت الذى تقدر فيه قيمة حصة النقابة بـ18 مليون جنيه، إلا أنه رفض، وأضاف: أقول هذا لتعلموا أنه سيأتى من يحصل على عمولة ويبيع حصة النقابة في الشركة".
المشكلة الحقيقية لم تكن في القروض ذاتها، وإنما تمثلت في صمت مجلس المهندس طارق النبراوي نقيب المهندسين منذ توليه أعماله في مايو 2014 أي خلال دورته النقابية الأولى، عن تحويل قيمة القروض إلى الجنيه المصري، هذا الصمت أدى إلى كارثة مالية حقيقية، حيث قفز سعر الدولار الأمريكي من 6 جنيهات في 2013 إلى 19 جنيها في 31 ديسمبر 2016، وهو التوقيت الذي تمت فيه معادلة القروض من الدولار إلى الجنيه المصري، نتيجة لهذا التأخير ارتفعت حصة النقابة في تلك القروض من 23.50 مليون جنيه إلى 106 ملايين جنيه، أي بزيادة تقارب خمسة أضعاف القيمة الأصلية.
استمر صمت مجلس النبراوي حيال هذا الأمر لمدة ثلاث سنوات كاملة، وفي يناير 2017 تمت الدعوة لعقد جمعية عمومية طارئة للشركة المصرية في 15 مارس من نفس العام، كان الهدف من هذا الاجتماع إجبار النقابة على الاختيار بين أمرين: إما الموافقة على زيادة رأس المال ودفع 106 ملايين جنيه للحفاظ على نسبتها البالغة 30% من رأس مال الشركة، أو الموافقة على زيادة رأس المال دون المشاركة وما يتبع ذلك من تقليل نسبة مساهمة النقابة في رأس المال لتصل إلى 2.25% بدلا من 30%، الخيار الثاني كان يعني تحمل الشركة النرويجية الأم لكامل قيمة القرض، وهو ما قد يؤدي إلى بيع النقابة لكامل حصتها مقابل مبلغ يتم الاتفاق عليه بين الطرفين، خاصة أن الشركة الأم أبدت استعدادها لشراء حصة النقابة إن كانت غير مستعدة للسداد.
استعادة حصة النقابة في الشركة
ظل الوضع على هذا الحال المتأزم حتى مارس 2017 عندما تم انتخاب المهندس هاني ضاحي لتولي منصب النقيب العام للمهندسين، بذل ضاحي جهودا كبيرة مكنت النقابة من استرداد نسبة الـ30% مرة أخرى بعد تفاوضات مضنية مع الشريك الأجنبي، كما نجح في الحصول على توزيعات أرباح نقدية للنقابة ولأول مرة منذ سنوات، إضافة لذلك رفض الحصول على أي بدلات أو مكافآت مجلس إدارة والتي كانت تصرف من قبل.
عودة الأزمة مجددا
لكن الأزمة سرعان ما عادت للظهور من جديد، وبدأت تتجلى بشكل واضح خلال عام 2022 مع عودة مجلس نقابة المهندسين برئاسة المهندس طارق النبراوي، في تلك الفترة حاولت إدارة شركة يوتن تمرير قرارات مالية جوهرية قوبلت باعتراض شديد من ممثلي نقابة المهندسين في مجلس إدارة الشركة آنذاك، وهما: المهندس أحمد صبري والمهندس أحمد البدوي، تركز الخلاف حول محاولة الشركة الحصول على قروض ضخمة بالعملة الصعبة بدأت بطلب قرض بقيمة 50 مليون دولار، ثم تلاه طلب آخر بقيمة 60 مليون دولار.

ممثلو مجلس نقابة المهندسين بشركة يوتن
رفض ممثلا النقابة هذه القروض التي كانت ستحمل النقابة وصندوق معاشاتها خسائر فادحة، بالإضافة إلى اعتراضهما على سعي الشركة لتجديد اتفاقية "الإتاوة" تمنح الشركة الأم في النرويج نسبة 4% من الأرباح سنويا، كانت النقابة قد رفضت تجديد هذه الاتفاقية بالفعل في عام 2018، لكن الشركة عادت لمحاولة تمريرها مجددا، وفي منعطف غريب فوجئ ممثلا النقابة بإرسال النقيب العام المهندس طارق النبراوي خطابا للشركة في 7 مارس 2023 يخطرهم فيه بتغييره لممثلي النقابة في مجلس الإدارة ووقف التعامل معهم، محددا أن يكون المهندس محمد ناصر أمين الصندوق السابق ومستشار النقيب حاليا، هو من يتولى التواصل مع الشركة نيابة عن النقابة.

خطاب نقيب المهندسين بتغيير ممثلين النقابة وتعيين أخر بقرار منفرد
موافقة مرشح النقيب على القرض
بعد هذا القرار المثير للجدل، دعت شركة يوتن إلى عقد اجتماع عاجل في 13 أبريل 2023 وتبعه اجتماع جمعية عامة يوم 22 مايو 2023، وفقا لما أكده ممثلا الشركة المختاران بقرار من مجلس النقابة، فإن الدعوة لحضور هذا الاجتماع لم تصل إليهما، رغم ذلك وبعد علمهم بموعد الاجتماع يوم 22 مايو وحضورهم له، فوجئوا بحضور المهندس محمد ناصر الذي رشحه النقيب بشكل فردي، واكتشف أعضاء مجلس النقابة أن مرشح النقيب وافق على القرض بقيمة 60 مليون دولار وعلى كل القوائم المالية التي سبق أن اعترض عليها ممثلا المجلس وقد تم إلغاؤه فورا عند وصول المهندس أحمد صبري والمهندس أحمد البدوى.

اجتماع يوتن ١٣ ابريل ٢٠٢٣ وقرار الموافقة على القرض بقيمة 60 مليون دولار
في محاولة لاستعادة السيطرة على الموقف، اختار مجلس نقابة المهندسين في أوائل يونيو 2023 المهندس أحمد التوني ممثلا له في مجلس إدارة الشركة، لكن الأحداث تصاعدت بشكل خطير في 17 يوليو 2023، عندما دعت شركة يوتن إلى جمعية عمومية لاتخاذ قرارات مصيرية كان أخطرها على الإطلاق البند الخاص بزيادة رأس مال الشركة من 160 مليون جنيه إلى مليار و440 مليون جنيه، كان هذا القرار بمثابة تهديد مباشر ووجودي لحصة النقابة، إذ أنه في حال عدم قدرتها على المشاركة في الاكتتاب بنفس نسبتها البالغة 30%، فإن حصتها ستتضاءل بشكل تلقائي وكبير، وأكد المهندس التوني رفض المجلس الأعلى للنقابة رفع رأس المال، إلا أن الشركة تمسكت بقرار مجلس الإدارة الذي وقع عليه المهندس ناصر، وبناء عليه أصرت على المضي قدما في القرض وزيادة رأس المال.

اجتماع يوتن ١٣ ابريل 2023 وتوقيع المهندس محمد ناصر بالموافقة على القرض

اجتماع يوتن 13 ابريل 2023
النقابة تتخلى عن طعنها ضد زيادة رأس المال
أمام هذا التطور الخطير، تحرك مجلس النقابة قضائيا لحماية أصوله، ليبدأ فصل جديد من المعركة في ساحات القضاء، في البداية حققت النقابة انتصارا أوليا عندما أصدرت المحكمة الاقتصادية حكما بإبطال قرارات الجمعية العمومية لشركة يوتن بما في ذلك قرار زيادة رأس المال، لكن المستندات كشفت عن منعطف قانوني غير مبرر وغريب في خضم المعركة القضائية، حيث قام الفريق القانوني الممثل للنقابة بتقديم تعديل على طلبات الدعوى تم بموجبه سحب البند رقم 6 الخاص بالطعن على قرار زيادة رأس المال، هذا الإجراء الغامض يعني أن النقابة ولسبب غير معلن تخلت عن اعتراضها القضائي على أخطر قرار يهدد حصتها ومستقبل استثمارها، في المقابل أجرت شركة يوتن طعنا على قرار لجنة التظلمات بالرقابة المالية الذي كان قد أوقف زيادة رأس المال، ونجحت في كسب القضية أمام القضاء الإدارى.

حكم المحكمة الإدارية

حكم المحكمة الاقتصادية
في هذا التوقيت علم أعضاء الجمعية العمومية لنقابة المهندسين بتفاصيل تدخل النقابة لإجراء تعديل لسحب الطعن على قرار زيادة رأس المال، مما أثار غضبهم الشديد على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، تحت ضغط هذا الغضب اضطرت النقابة للتقدم بطعن في المحكمة الإدارية العليا، إلا أنها تقدمت به في آخر يوم على حكم القضاء الإداري، وهو توقيت مثير للشكوك، وفى 26 أغسطس 2023 جاء الحكم النهائي من محكمة الادارية. العليا، حيث خسرت النقابة القضية، والأخطر من ذلك أن تقرير المفوضين أكد أن الطاعن وهو نقابة المهندسين يعلم جيدا أن الجهة المختصة بالنظر في تلك القرارات هي المحكمة الاقتصادية وليست المحكمة الإدارية العليا، وأن النقابة بمحض إرادتها سحبت اعتراضها على زيادة رأس المال في وقت سابق، فكيف تعود اليوم لتطعن عليه أمام جهة غير مختصة أصلا.

محكمة القاهرة الاقتصادية
هذا الحكم منح شركة يوتن الضوء الأخضر للمضي قدما في إجراءات زيادة رأس المال، وبالفعل أعلنت الشركة عن فتح باب الاكتتاب للمساهمين في الفترة من 21 من سبتمبر إلى 23 أكتوبر 2025، وتشير المستندات إلى أن النقابة العامة للمهندسين لم تتخذ أي خطوات فعلية للمشاركة في الاكتتاب، سواء عبر استخدام أرباح النقابة المحتجزة لدى يوتن أو عبر تدبير المبالغ اللازمة للحفاظ على نسبة الـ30%.
انتهاء فترة الاكتتاب
مع انتهاء فترة الاكتتاب دون مشاركة من النقابة تضاءلت حصتها تلقائيا من 30% إلى حوالي 4% فقط، وهي الكارثة التي كان يمكن تفاديها، وفي الختام وجهت شركة يوتن دعوة رسمية للنقابة لحضور اجتماع يوم 25 نوفمبر 2025 لإقرار الهيكل الجديد للملكية بعد انتهاء الاكتتاب، والذي سيؤكد رسميا على تضاؤل حصة النقابة كأمر واقع لا رجعة فيه.

الاكتتاب
نقيب المهندسين
وأصدر المهندس طارق النبراوي، نقيب المهندسين، بيان، جاء به أن النقابة اتخذت جميع الإجراءات القانونية والإدارية لحماية حصتها في شركة «يوتن للدهانات»، موضحا أن النقابة طعنت على قرارات الجمعيات العمومية للشركة المنعقدة في 17 يوليو 2023 و4 سبتمبر 2024 و20 أغسطس 2025، وأن المحكمة قضت ببطلان عقد القرض بقيمة 60 مليون دولار، وبطلان عقد الإتاوة، ما ترتب عليه بطلان القوائم المالية، وأضاف: أن المحكمة لم تنظر بند زيادة رأس المال بسبب اجتهاد غير موفق من مكتب المحاماة السابق، ما دفع النقابة إلى إنهاء التعاقد معه والتعاقد مع مكتب جديد برئاسة أستاذ القانون التجاري ووكيل كلية حقوق القاهرة لمتابعة القضايا الحالية، لافتا إلى أن النقابة قدمت مذكرات اعتراض للهيئة العامة للاستثمار والرقابة المالية حول إجراءات زيادة رأس المال، وشرعت في رفع دعاوى جديدة تتضمن وقف الجمعية العمومية المقرر عقدها في 25 نوفمبر الجاري، ودعوى مسؤولية ضد مجلس إدارة الشركة، وأخرى لحساب مستحقات النقابة في ضوء حكم بطلان عقود الإتاوة ونقل التكنولوجيا.