بيشوى رمزى

الانتخابات الأمريكية.. التحول من ديمقراطية الأحزاب إلى سيطرة الفرد

الأربعاء، 31 يوليو 2024 12:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ربما حظت الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، في المناسبتين الأخيرتين، بحالة استثنائية، في ضوء احتداد المنافسة، بدءً من عام 2016، والذي شهد منافسة، اعتقد البعض أنها غير متكافئة في البداية، بين مرشح مغمور سياسيا، وهو دونالد ترامب، ممثلا عن الحزب الجمهوري، ومنافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، ذات التاريخ العتيد، والذي زخر بالمكوث في البيت الأبيض لـ8 أعوام، في موقع السيدة الأولي، ثم انتقلت بعد ذلك إلى وزارة الخارجية لـ4 سنوات أخرى، خلال حقبة الرئيس الأسبق باراك أوباما، لتتحقق المفاجأة وينتصر الرجل حديث العهد بالسياسة، بينما يفشل بعدها بـ4 سنوات في الحصول على فترة ولاية ثانية، أمام الرئيس الحالي جو بايدن، ليكون القاسم المشترك بين المناسبتين هو تحول الحالة التنافسية إلى ما يشبه الصراع، وهو ما تجلى بوضوح في ظواهر تبدو جديدة على العرس الديمقراطي الأمريكي، منها التلويح بالتزوير تارة، ومحاولات الأنصار اقتحام المؤسسات، تارة أخرى، احتجاجا على ما آلت إليه العملية الانتخابية من نتائج.


ولكن بالرغم من احتداد الصراع الانتخابي، إلى الحد المذكور، الذي يمثل تعارضا مع الصورة الديمقراطية التي طالما سعت واشنطن إلى تصديرها خلال السنوات الماضية، إلا أن ثمة تغييرات جديدة قد تشهدها الانتخابات المقبلة، والمقررة في شهر نوفمبر القادم، ربما تجلت في العديد من المشاهد، أبرزها محاولة اغتيال ترامب، أثناء تجمع انتخابي، بالإضافة إلى الضغط الكبير الذي تعرض له بايدن للانسحاب، من قبل أصدقائه الديمقراطيين، ليستجيب في نهاية المطاف، ويعلن عدم الترشح، ليقدم الحزب نائبته كامالا هاريس كبديل، وهي أحداث من شأنها إضفاء المزيد من الاستثنائية، للحدث المتكرر كل 4 أعوام.


المشاهد الأخيرة، التي سوف تطغى لا محالة على الحالة التنافسية، في الانتخابات المقبلة، تعكس حقيقة مفادها، طغيان الفرد على المؤسسات الحزبية، في الولايات المتحدة، فمحاولة الاغتيال جاءت بهدف منع ترامب من خوض الانتخابات، خاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار العديد من الرؤى التي يتبناها، والتي تتعارض في جزء كبير منها مع الحزب الجمهوري، بينما يتعارض جزء آخر منها مع مبادئ الديمقراطية الأمريكية، والتي تقوم في الأساس على التنوع المجتمعي، في ضوء موقفه المناوئ للهجرة، من جانب، وكذلك رؤيته تجاه العديد من العناصر داخل المجتمع الأمريكي، كأصحاب الأصول العربية والأفريقية، وهو ما يعكس عدم قدرة الحزب على فرض رؤيته على مرشحه، وهو ما يعني تحول كبير في الممارسة الحزبية، في ضوء التفاف الأنصار حول شخص، وليس وراء الحزب.


وعلى الجانب الآخر، ربما يكون الضغط على بايدن للانسحاب، جاء من منطلق المصلحة الحزبية، خاصة بعدما غاب التوفيق عنه في المناظرة الأولى أمام ترامب، بالإضافة إلى عامل السن، والحديث عن التقارير الطبية حول صحته، وما إلى ذلك، إلا أن البديل، والذي يتمثل في كامالا هاريس، يحمل بعدا فرديا، وإن كان بصورة أقل من الحزب الجمهورى، عبر انتهاج ما يمكننا تسميته بـ"سياسة الأوائل"، من خلال اختيار امرأة، للترشح إلى منصب الرئيس، لتكون أول سيدة، حال نجاحها تعتلى عرش البيت الأبيض، وهو ما يمثل تكرارا لمشهد 2016، عندما اختار الحزب هيلارى كلينتون، ولكنها فشلت في نهاية المطاف، إلا أن هاريس تجمع العديد من المزايا الأخرى، التي من شأنها مغازلة قطاع كبير من الأمريكيين، منها على سبيل المثال أنها من أصل هندي، ومن أصحاب البشرة السمراء، وهو ما يمثل محاولة لاستقطاب المهاجرين، وأصحاب الأعراق المختلفة، بالإضافة إلى المرأة في الولايات المتحدة.


سياسة الأوائل التي يتبناها الديمقراطيون تجسد كذلك من قبل في اختيار باراك أوباما، ذو الأصول الأفريقية، إلا أن المرشحة الحالية تحمل شمولا يتجاوز لون البشرة أو الجنس، يمكن النظر إليه في ضوء الظروف الراهنة، حيث تحمل صورتها الشخصية في ذاتها مواجهة صريحة أمام برنامج المنافس (ترامب)، بالإضافة إلى كونها تحمل أبعادا متنوعة، تمثل في شخصها فئات مجتمعية متعددة، منها ما هو ديني، وعرقي، بعيدا عن تأييد رؤى حزبية، أو توجهات مؤسساتية، وهو ما يساهم في حشد تلك الفئات في مواجهة المنافس ذو الشعبية الطاغية.


وهنا يمكننا القول بأن انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة، تمثل مشهدا جديد من مشاهد الخروج عن التقاليد الديمقراطية العتيدة، التي طالما تباهت بها واشنطن، في ظل سطوع حالة الفرد، على حساب الحالة الحزبية، حيث يبدو التنافس قائما على كاريزما المرشحين، وهو الأمر الذي وإن كان حاضرا بالطبع في المناسبات الانتخابية السابقة، إلا أنه كان يتوارى خلف المنافسة الحزبية، وهو ما يمثل تحديا آخر إلى جانب تحديات أخرى تشهدها الديمقراطية في واشنطن، بين إرهاصات عدة، تدعو إلى إعادة النظر في النموذج النمطي، والحاجة إلى إعادة هيكلته.

 







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة