من القيم الإنسانية في الإسلام قيمة "الخــيــر"، وهو اسم جامع لكل ما هو صالح نافع للإنسان والمجتمع في الدنيا والآخرة، و"فعل الخير" قيمة سامية يحبها الله، في عباده، فحـفّـزهم عليه، فقال تعالى: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا}، ثم أمرهم به، فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، ففعل الخير من أسباب الفلاح في الدنيا والآخرة؛ ومن ثم أمر الله بالاستباق إليه، قال تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}، وكان فعل الخير نعمة من الله للأنبياء، قال تعالى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ}، فكان من صفاتهم أنهم {يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ}، وهي صفة المؤمنين، قال تعالى: {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}، و{مِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ}؛ لذا كان من دعاء النبي "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ".
وفعل الخير عمل تعبّدي يتقرب به المؤمن إلى الله، وينفعه في الآخرة، قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ}، أي السابقون إلى فعل الخير للإنسانية هم المقربون من الله و{في جنَّات النَّعِيمِ}، و{الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا}، والإحجام عنه سبب في دخول النار، قال تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ. قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ. وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ}، فإطعام المساكين من الخير وهو كالصلاة، بل إن عدم فعل الخير تكذيب بالآخرة، قال تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ. فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ. وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ}، فافعلوا الخير لعلكم تفلحون.
ولأن فعل الخير أمر عظيم لم يكتف ربنا بالأمر به، بل أمر المؤمنين أن يكونوا دعاة للخير، فقال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ}، وقال النبي: "إن هذا الخير خزائن، ولهذه الخزائن مفاتيح، فطوبى لعبد جعله الله مِفتاحاً للخير مِغْلاقاً للشر، وويل لعبد جعله الله مفتاحاً للشر مغلاقاً للخير"، وفي الحديث "إن الدال على الخير كفاعله"، و"من دل على خير فله مثل أجر فاعله"، فالذي لا يستطيع فعل الخير يدلّ غيره عليه، فيكون بذلك خـيّـرا؛ فيؤجر بأجره، وروي أن "موسى قال: يارب أنت أرحم الراحمين، فكيف جعلت ناراً ستدخل فيها الناس؟ قال يا موسى: كل عبادي يدخلون الجنة إلا من لا خير فيه"، فافعلوا الخير لعلكم تفلحون.
ومظاهر فعل الخير كثيرة، فمدح الله المؤمنين بقوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}، وكان فعل الخير من لوازم النبي، حتى وصفته السيدة خديجة بقولها: "إنك لتصل الرحم، وتصْدُق الحديث، وتحمل الكلّ، وتَقري الضيف، وتُكسِب المعدوم، وتعين على نوائب الحق"، فهذه أفعال خير، إنه واصل لرحمه، وصادق في حديثه، يحمل أثقال الفقراء والضعفاء بالإنفاق عليهم، مضياف للناس، جواد بماله للمحتاج، يُواسي الناس في مصائبهم، وهو أسوة حسنة لمن يرجو الله واليوم الآخر.
ولذا كان يحث صحابته على فعل الخير، فيقول: "أفضل الأعمال أن تُدخِل على أخيك المؤمن سرورًا، أو تقضي عنه دينًا، أو تُطعِمه خبزا"، ويقول: "تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ، وَأَمْرُكَ بِالمَعْرُوفِ وَنَهْيُكَ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَإِرْشَادُكَ الرَّجُلَ فِي أَرْضِ الضَّلَالِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَبَصَرُكَ لِلرَّجُلِ الرَّدِيءِ البَصَرِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَإِمَاطَتُكَ الحَجَرَ وَالشَّوْكَةَ وَالعَظْمَ عَنِ الطَّرِيقِ لَكَ صَدَقَةٌ، وتُعِينُ صانعاً أَوْ تَصْنَعُ لِأَخْرَقَ"، وفاجأهم ذات يوم بسؤال: من أصبحَ منكم اليوم صائمًا؟ فقال أبو بكر: أنا، قال: فمن تَبِع منكم اليوم جنازة؟ فقال أبوبكر: أنا، قال: فَمَنْ أطعم منكم اليومَ مِسْكِينًا؟ فقال أبو بكر: أنا، قال: فمن عاد منكم اليوم مريضًا؟ فقال أبو بكر: أنا، فقال النبي: ما اجْتَمَعْنَ في امرئ إلا دخل الجنة"، ونفهم من الحديث أن أبابكر لم يكن مستعدا للسؤال، لكنه كان معتادًا أن يبادر يومه بفعل الخيرات، وأن فعل الخير عظيم عند الله مهما كان قليلا، ولذا قال النبي: "لَا تَحْقِرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْق" بشوش ضاحك، وأخبر النبي أن رجلا سقى كلبا يلهث فشكر الله فعله فأدخله الجنة، فلا يضيع شيء عند الله وهو أكرم الأكرمين، جاء أعرابي إلي النبي وقال له: "يا رسول الله! عظني ولا تطل، فتلا النبي عليه {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}، فقال الأعرابي: قد كُفِيتُ يا رسول الله، فقال النبي: فَـقُــه الرجل"، أي أدرك العلاقة بينه وبين ربه، فلا يريد كلاما كثيرا.
ولعل أفضل أفعال الخير الإنفاق بالمال، فقد عبر القرآن عن المال بالخير في عدة مواضع، كقوله تعالى: {قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}، و{فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ}، فسارعوا بفعل الخير قبل أن يمنعكم مانع من ذلك، يقول النبي: "بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا: هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا، أَوْ غِنًى مُطْغِيًا، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا، أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا، أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا، أَوْ الدَّجَّالَ؛ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوْ السَّاعَةَ؛ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ؟" أي سارعوا بفعل الخيرات قبل أن يأتي فقر ينسي صاحبه الخير لانشغاله بطعامه، أو غنى يؤدي إلى الطغيان فيبعده عن الخير، أو مرض مفسد للبدن فيمنعه من الخير، أو شيخوخة تؤدي إلى خفة العقل فلا يميز بين الشر والخير، أو موت مفاجئ يحرمه من فعل خير، أو فتنة الدجال فتشغله عن كل خير، أو قيام الساعة فينقطع عن فعل الخير، فافعلوا الخير لعلكم تفلحون.