أحمد إبراهيم الشريف

وحيد حامد.. مؤرخ أحزان الإنسان المصرى وأفراحه

الإثنين، 04 يناير 2021 10:21 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نحزن من أجل رحيل الكاتب الكبير وحيد حامد (1944- 2021)، لأن خسارته لا تعوض بسهولة، فلا يولد كل يوم "مبدع" حقيقى، يعرف معنى "الكلمة" التى تتجسد أمام الناس فيقرأون حياتهم وماضيهم ويستشعرون مستقبلهم فيما يرون.
 
يملك وحيد حامد مشروعا تنويريا، وذات مرة وفى بداية حياته الإبداعية كتب وحيد حامد مجموعة قصصية بعنوان "القمر يقتل عاشقه"، وصدرت المجموعة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ولكن عندما قابل وحيد حامد الكاتب الكبير يوسف إدريس نصحه بأن يكتب للدراما، لأنه عينه مشهدية، ورؤيته درامية، ولقد كانت هذه النصيحة بمثابة نقطة الضوء التى قادت وحيد حامد إلى "شغفه" الحقيقيى فى عالم السينما والدراما.
 
وقد دخل وحيد حامد إلى عالم الدراما، باحثا عن شيء مهم، باحثا عن الإنسانية المفقودة والمهددة، لقد كان عقد السبعينيات من القرن العشرين، يثقل كاهن المواطن المصرى بـثقافة جديدة تقوم على الإعلاء من القيم المادية على حساب الحياة نفسها، فقد كان زمن الانفتاح يهدد كل شيء، يهدد الاستقرار النفسى للإنسان البسيط، ويزعج الطبقة المتوسطة ويشير إلى القضاء عليها.
 
عرف وحيد حامد مبكرا أنه من الضرورى أن ينتصر الإنسان على خوفه، لأن الاستسلام للخوف "خطير" جدا، لذا رأينا مسلسل "أحلام الفتى الطائر" 1979، يتعرض بصورة مباشرة إلى الهشاشة النفسية للإنسان الذى يعانى ضغوطات لا حصر لها.
 
ونحن عادة ما نفكر فى أعمال وحيد حامد، ونسأل أنفسنا: هل يسعى إلى "المثالية" هل يريدنا جميعا أن نصبح مثل الأستاذ "فرجانى" فى فيلم "آخر الرجال المحترمين" 1984؟ وأعتقد أنه لم يرد ذلك، لكنه قصد أن نبحث داخل نفوسنا عن نقطة القوة، أن نعبر عن غضبنا، ولكن قبل ذلك أن نفهم من نحن، كما فى فيلمه "الإنسان يعيش مرة واحدة" 1981، وأن نحاول المقاومة متسلحين بأشياء كثيرة منها الرضا كما فى فيلم "المنسى" 1993، وأعتقد أن هذا المسلك الفنى الكبير وصل إلى قمته فى فيلم "اضحك الصورة تطلع حلوة" 1998، فالإنسان هنا "سيد المصوراتى" يتحدى الجميع ويظل ثابتا على قدميه أطول فترة ممكنة.
 
والخط الثانى الذى سار فيه وحيد حامد هو خط كشف "الخطأ" أراد أن يقول لنا، إن كل ما نعانيه فى حياتنا يحدث لأننا نتجاهل حقيقة مواطن الخطر، يكفى فيلم "الإرهاب والكباب" 1992 على الرغم من الإطار الكوميدى للفيلم، إلا أن كمية المأساة غير محدودة، فالجميع مأزوم، الكل فى داخله "قنبلة" تنتظر فقط أن يقول أحدهم "آه" كى يهتفون خلفه "آه آه آه".
 
أما فيلم "طيور الظلام"1995، فيظل واحدًا من أكثر الأفلام رعبا، من وجهة نظرى، فكل شىء حولنا خطر، الليبراليون، لا يقلون خطورة عن الإسلاميين، الجميع منتفع، الكل يبحث عن نصيبه فى "التورتة" فالسبل تختلف ولكن الهدف واحد هو الحصول على الغنيمة.
 
أما الخط الثالث الذى صنع أسطورة وحيد حامد، فهو تقمص شخصية الآخر، نجد ذلك فى "الراقصة والسياسى" 1990، ومعالى الوزير 2003، فقد منح فرصة لجمهوره كى يفهم النفسية المركبة للشخصيات الانتهازية، واللصوص وشطار الزمن الحديث الذين يسرقون قوتنا ويحمدون الفرص الخاطئة.
 
أما الخط الرابع فتمثل فى قدرة الإنسان البسيط على الفعل، على صناعة الأثر، وظهر ذلك فى فيلم "الغول" 1983 ومن بعده "اللعب مع الكبار" 1991، فالفيلمان يدلان على أن الإنسان مهما كان ضعيفا ولا يشغل مكانة، لكنه قادر على أن يزعج "أهل السلطة" الذين يظنون أنهم يتحكمون فى كل شيء.
 
 ويظل فيلما "سوق المتعة" 1999 و"عمارة يعقوبيان" 2006، فى سياق مختلف، يمكن أن نجعله الخط الخامس، فهما يقولان لنا، إن الحياة قد وصلت مأساتها، إلى الدرجة القصوى، وأن الإنسان، فى مرحلة صعبة، وأن مقاومته فى خطر شديد. 
ومع ذلك نحتفظ بكل المتعة التى يقدمها لنا مسلسل "البشاير" 1987، فهو يقول لك إن ضاقت عليك الدينا اهرب من زحامها واذهب بحلمك خارج الأسوار.
 
وداعًا وحيد حامد، أتمت عملك كاملاً، فقط علينا أن نعيد قراءة ما قدمت، وأن نبتسم ونتعلم منك، ونواصل الحياة.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة