القارئة نورهان حاتم البطريق تكتب: الاكتفاء بعقلك غرور‎

الإثنين، 30 ديسمبر 2019 08:01 ص
القارئة نورهان حاتم البطريق تكتب: الاكتفاء بعقلك غرور‎

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

تفتقر مجتمعاتنا إلى ثقافة سماع الرأي الآخر وتقبل النقد، وكثير ما يختلط علينا الأمر بين الاختلاف والخلاف، ونعاني بشدة من تشدد كل منا إلى رأيه وانحيازه إليه بشراسة، كل منا يعتقد أن رأيه صواب، وجميع من يخالفوه على باطل، وكثير من المناقشات انتهت بخلاف أدي إلى المقاطعة، لمجرد أن كل منا له رأي يخالف الرأي الآخر، أو لأنه يعتنق المذهب المعاكس لمذهبه، أو لأنه اختار الوقوف على الجهة الأخرى، ورفض أن ينضم إلى جهته.

كثير ما نجهل أن الرأي الذي نؤمن به إلى هذا الحد من الاستقتال، ما هو إلا عبارة عن رأي مكتسب يعود إلى البيئة التي ينتمي إليها،  وكذلك تعود أيضا إلى قناعات أصحابها، لأنك في النهاية تنتمي إلى أسرة لها مستوى فكري معين، تشكل آراءها هي الأخرى وفق ميولها وأهوائها الشخصية، وكذلك أيضا دائرة الدراسة، فأنت تنتمي لصحبة بعينها،  لأنها تحمل نفس مبادئك، وتسير وفق عاداتك وتقاليدك فحتى عندما تصل إلى السن الذي يمكنك أن تحكم فيه على الأشياء بنفسك،  ويمكنك أن تأخذ القرار وحدك بشأنها، تجد نفسك تعود إلى الثوابت القديمة التي تقبع في الذاكرة، فتبدأ بنفض الغبار عنها حتى تكون معيار حكمك على الأشياء، ومقياسك الذي تقيس به كافة أمور حياتك، فتجد نفسك تميل إلي رفيق العمل هذا، وتنفر من ذلك،  حتى وإن لم يحدث أي احتكاك يدفع إلى هذا النفور، ولكن يكفي أنه لا يحمل نفس انطباعاتك، ولا يتمتع بميولك ذاتها.

علينا أن نصل إلى النضج الذي يجعلنا نتقبل الآراء التي تخالف أهواءنا دون أن يكون في نفوسنا شيئاً من أصحابها، بل علينا أن نحرص على التحاور معهم،  ونستمع لآرائهم، وننحي ميولنا الذاتية جانباً، ونتناقش معهم بموضوعية دون انحياز لرأي أو هوى، لأن هذه النوعية من المناقشات تعمل على توسيع مداركنا، فهي تثري الحوار بالمعلومات التي كانت غائبة عن عقولنا، وتبصر أعيننا على رؤى مختلفة ومتنوعة تدور حول موضوع واحد كنا نغفلها في كثير من الأحيان ولا نلتفت إليها إلا من زاويتنا الأحادية فحسب، وكذلك تطرق بنا إلى موضوعات لم نتعهد التفكير بها، وأحيانا كثيرة كنا نتجنب الحديث عنها، لأننا نفقه فيها شيئا، فنخلص من هذه الجلسات النقاشية على بحر من الأفكار المتنوعة والمعلومات الغزيرة التي يمكن أن نوظفها في شؤون حياتنا و أن نستعين بها في حل مشاكلنا.

لا تقرأ كتب كثيرة في مجال واحد، ولكن اقرأ كتابا واحدا في كل مجال على حدة، لا تقدم على الاختيار الذي تألفه، ولكن اقبل على الاختيارات التي لم تجربها من قبل، علها تكون أكثر إفادة لك من خيارك المعتاد،  عود نفسك على تقبل الرأي الآخر بصدر رحب، اسمع من حولك أولا  قبل أن تحارب وجهة نظره، فنحن نملك أذنين ولسان واحد فلنصغ كثيراً لما يقال، ولا ننطق إلا بالقدر اليسير، فكثرة الجدال يجلب الخطأ، كما أنه يكشف سريعاً مواطن جهلك وضعفك، لا تقبل الأفكار كما هي،  ولا تتوارث معتقدات آباءك و أجدادك، ولكن اجتهد، وناقش، وحلل، وفكر  حتى تصل في النهاية إلى المذهب الخاص بك الذي نتج عن بحث وتمحيص،  ولا ينتمي بأي صلة إلى مذاهب الأسلاف.  خالف إذا كان السائد لا يناسب عقلك ولا يريح قلبك، فكل الذين خالفوا تميزوا، واستطاعوا أن يصنعوا الهوية الخاصة بهم .










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة