ننشر كلمة الفلسطينى إبراهيم نصر الله بعد فوزه بجائزة البوكر 2018

الأربعاء، 25 أبريل 2018 01:49 م
ننشر كلمة الفلسطينى إبراهيم نصر الله بعد فوزه بجائزة البوكر 2018 الكاتب إبراهيم نصر الله
كتب بلال رمضان

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ألقى الكاتب إبراهيم نصر الله كلمة عقب فوزه بالجائزة العالمية للرواية العربية البوكر 2018 عن رواية "حرب الكلب الثانية"، مساء أمس، خلال الحفل الذى أقيم فى العاصمة الإماراتية أبو ظبى.

 

وكانت لجنة جائزة البوكر للوراية قد طلبت من المرشحين الستة فى القائمة القصيرة قبل إعلان الرواية الفائزة، كتابة كلمة لإلقائها حال فوزهم، وقال إبراهيم نصر الله، فى تصريحات لـ"اليوم السابع"، إنه يسعدنى أن أقدم هذه الكلمة للنشر بعد إعلان فوز روايتى "حرب الكلب الثانية".

 

إبراهيم نصر الله الفائز بـ جائزة البوكر للرواية 2018 عن رواية حرب الكلب الثانية
 

وفيما يلى النص الكامل لكلمة إبراهيم نصر الله:

أحبُّ فى البدايةِ أن أتقدَّمَ بالشكر للجائزةِ العالمية للرواية العربية.. لرعاةِ الجائزة وللجنةِ التحكيم الموقرةِ التى اختارت روايتى، وإلى كلِّ كتابِ اللائحة القصيرة ورواياتهم الجميلةِ التى سعدتُ بها قارئا.. وأوخشيتُها منافسًا.

 

لا أعرف من أين أبدأ، لكننى سأقولُ إنّ كلَّ روايةٍ كتبتُها قبل هذه الروايةِ كانت جزءا أساسًا من هذه الرواية، وكلَّ تجربةٍ عشتُها كانت جزءًا من هذه الرواية، فلا شيءَ يأتى من فراغ؛ مثلَ كتابةِ (حرب الكلب الثانية) نفسِها التى لم تأتِ من فراغ، بل من معاناةٍ كبرى عشناها فى هذا المنطقةِ الممتدَّةِ بين ماءين وأكثرَ من دم، وزمنٍ مهما ادَّعينا فيه أننا أحرار، اكتشفنا أننا واقعونَ تحت احتلالاتٍ لا حصر لها؛ احتلالُ العدوِّ المباشر، والعدوِّ المُستتر، والعدوِّ السَّاكن فينا. ويضاعفُ من وقْعِ هذا إصابةُ كثير من دول هذا العالم، من كبيرها إلى صغيرها، بانتصاراتِ الغطرسة والعدوان والتمييز والجشع الذى يلتهمُ هذا الكوكبَ الجميلَ، ومَنْ وما، عليه من كائنات.

 

تذهبُ هذه الرواية إلى منطقة أبعدَ من واقعنا العربي، مع أنها تنطلقُ منه. وتقلّبُ تاريخَنا وهذا الزمنَ الذى عشنا فيه نارَ التعصُّبِ والإقصاء، وتحاولُ الإجابةَ على سؤال: ما الذى سيحدثُ لنا، ولهذا الكوكبِ الصغيرِ الذى نعيشُ عليه، إذا تواصلَ الأمرُ على النحو ذاتِه؟

 

إنها واحدةٌ من الرواياتِ المختلفةِ داخل تجربتي، فهى الأولى التى أذهبُ فيها، لتأمُّلِ المستقبل فى ضَوْء السنوات السوداءِ الماضيةِ التى عاشها العالمُ العربى، ولم يزل يعيشها كثيرٌ من دول العالم. فى ضَوءِ ما عاناه الإنسان من إطلاق وحش التطرّف والقتل الأعمى؛ وهذا التطرف بالمناسبة، ليس مقتصرا على التنظيمات الظلامية، بل يمتدُّ إلى كثير من الأفراد والتنظيمات التى تدَّعى التسامحَ والقبولَ بحريَّة الرأى والمعتقد، وقبلَ هذا وبعدَه يمتدُّ هذا التطرّفُ إلى القوى الظالمةِ الكبرى، وكثير من الأنظمة العربية التى مارستْه بدمويةٍ وبعنفٍ شديدين، ضد مواطنيها، وأصّلتْهُ فى حياتنا الاجتماعية والسياسية قبلَ أن تمارسَه التنظيماتُ المتشدِّدة.

 

أيتها العزيزات.. أيها الأعزاء

نحن نكتب للتخلُّص من ثقل يُطبقُ علينا، لكن ما يحدثُ أنكَ ككاتبٍ تكتشفُ حين تخرج من عمل كهذا أنكَ أضفتَ ثقلا جديدًا على جسدك وروحك، لأنك أدركتَ المعضلةَ، أو الكارثةَ أكثر. هذا النمطُ من الكتابة لا يُشفى كاتبَه، إنه يصيبُه بما يمكن أن أدعوه لعنةَ الوصول إلى الحقيقة؛ حقيقةِ ما يحيطُ بنا، ونعانى منه اليوم، لا كعربٍ فقط، بل ما يعانى منه الإنسانُ فى أماكن كثيرة.

 

لكنَّ ما أعرفهُ أيضا أننا نكتبُ لنهُز العالمَ لا لنُرَبِّتَ عليه، فعالمنا اليوم ليس قطا أنيسا، بل حقلا واسعا للقتل، وجراحُهُ أكبرُ من أن يواريها أحدٌ بطبَقةٍ من مكياجٍ خفيف أو ثقيلٍ.

 

هذه الروايةُ ولِدتْ فكرةً قبل هذا الخراب الرهيب الذى ملأ حياتَنا بالموت فى السنوات الأخيرة، ولِدَتْ من مظاهر العنفِ اليومية التى تحوّل فيها البشر إلى قنابلَ موقوتةٍ، لا تعرف متى ينفجرُ الواحد منهم فى وجهكَ لأوهى الأسباب، ولكنها تفتَّحت كفكرةٍ حين غدا الموتُ هو المشهد الواسع لحياتنا، وقد وصلنا إلى النقطةِ التى هُزِم فيها خيالُنا؛ ولذا، كان من الصعبِ التعبيرُ عن هذا الواقع وأنتَ متمسِّكٌ بعقلكِ وبأدواتِكَ الفنيةِ التى استخدمْتَها بدرجةٍ أو بأخرى فى أعمال أخرى؛ كان لا بدَّ من الحدود القصوى: صحيحٌ أننا حين نكتبُ عن الجنون نكتبُ بعقولِنا، لكنْ على عقولِنا أن تصِلَ بنا ونصِلَ بها إلى حدودِ الجنون حتى نُعبِّرَ عنه بطريقة مقنعة.

 

هذا ما حدثَ معى أثناء كتابة حرب الكلب الثانية، ولذا أتمنى أن لا أعود إلى كتابةٍ من هذا النوع، فقد أرهقتنى أكثر مما أحتمل.

 

لا أخيفُ القارئ هنا، ولكننى أدعوه إلى تأمُّل نفسه من خلالها، كما تأمَّلتُ نفسي، وكما تأمَّل كثير من القراءِ الرائعين أنفسَهم من خلالها وكتبوا لى عن ذلك فى رسائلهم.

 

لذا اسمحوا لى أن أحيى كلَّ القراءِ النوعيين، والنقادِ النوعيين الذين كتبوا عنها، وأحيى لجنةَ التحكيم الموقرة مرة أخرى، فهؤلاء يجعلوننا نحسُّ بأهمية أن نتجدَّدَ دائمًا، وينتظرون تجدُّدَنا بسعةِ بصيرتهم وحيويةِ أرواحِهم ورهافةِ ذائقتِهم. أحييهم حينما يغامرونَ معنا ككتاب، هؤلاء الذين يقولون لنا بانفتاحِهم الجمالى أننا لم نُغامر سدىً، ويؤكِّدون ذلك القولَ الذى طالما تشبثتُ به: لا تخفْ من القارئ، بل من محاولتكِ لإرضائه.

 

وبعد:

بينما كنا نتشرّبُ حكاياتِ الأمهاتِ والجدّاتِ

التى كنَّ يقُدْننا  فيها، وبها، نحوَ النوم 

نستعيدُ هذه الحكاياتِ فى الكتابة، 

فى محاولةٍ منا لإيقاظِ العالم!.

 

وتتنافس فى دورة جائزة البوكر للرواية لعام 2018 ست روايات فى القائمة القصيرة هم: رواية "زهور تأكلها النار" للكاتب السودانى أمير تاج السر، الصادرة عن دار الساقى، ورواية "الحالة الحرجة للمدعو ك" للكاتب السعودى عزيز محمد السعودية، رواية "ساعة بغداد" للكاتبة العراقية شهد الراوى الصادرة عن دار الحكمة – لندن، رواية "حرب الكلب الثانية" للكاتب الفلسطينى إبراهيم نصر الله، والصادرة عن الدار العربية للعلوم ناشرون، رواية "الخائفون" للكاتبة السورية ديمة ونّوس، رواية "وارث الشواهد" للكاتب الفلسطينى وليد الشرفا.

 

جدير بالذكر أن روايات القائمة الطويلة للدورة الحادية عشرة صدرت بين يوليو 2016 ويونيو 2017، وتم اختيارها من بين 124 رواية ينتمى كتابها إلى 14 دولة عربية، من قبل لجنة تحكيم مكونة من خمسة أعضاء، برئاسة الأكاديمى والناقد والشاعر والروائى والمسرحى الأردنى إبراهيم السعافين.

 

ويحصل كل من المرشحين الستة فى القائمة القصيرة على 10.000 دولار أمريكى، كما يحصل الفائز بالجائزة على 50 ألف دولار أمريكى إضافية.







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة