عبد الرحمن مقلد يكتب: "اتجاه المرج" الأدب للملايين

الخميس، 10 نوفمبر 2016 05:00 م
عبد الرحمن مقلد  يكتب: "اتجاه المرج" الأدب للملايين غلاف الرواية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

  تمنيت لو أن رواية على سيد على "اتجاه المرج" الصادرة مؤخرًا عن دار روافد، تمتد مئات الصفحات، لكى لا تنتهى المتعة التى حققتها لى، رغم أن هذه هى المرة الثانية التى أقرأها فيها.

فى المرة الأولى، وأنا الذى لا أتمكن من قراءة أى شىء، وأنفر حتى من قراءة القصائد على الكومبيوتر، قرأت مخطوطة "اتجاه المرج" فى ما يقارب الساعة، وكانت فى وقتها تقارب الـ 23 ألف كلمة، قبل أن يصر "على سيد" على تقليصها إلى 18 ألف كلمة، بناءً على "بوست" كتبته عن الإحكام اللغوى فى الكتابة عند "على سيد" وهو أحد رجال الديسك المشهورين بالكفاءة فى العمل الصحفى.

حذف "على سيد" ما يقارب الـ6 آلاف كلمة من روايته، ليزيد من قوة البناء وإحكامه، ضحى بحذف بعض الحكايات المدهشة والرائعة، لكى لا يوجد أى ترهل، وبالأخص لأن "اتجاه المرج" تقوم على التداعى الحر "غير المحكوم أمام القارئ"، ولكنه محكوم ومسيطر عليه لدى الكاتب. فالرواية وإن كانت تسجل يومًا واحدًا لشاب ثلاثينى يعمل فى الصحافة، ويسكن فى ضاحية عين شمس، ويركب مترو الأنفاق "اتجاه المرج"، إلا أنها تمتلئ بالمناطق والأزمنة والقضايا والتطورات الواجدانية والشعورية، وترصد كل هذا بتداعٍ حرٍ دون إقحام.

يتنقل "على سيد" بين القاهرة وإسطنبول.. يتحدث على الإخوان هناك وهنا.. يرصد المسرح المفتوح الذى يتكرر يوميا فى المترو.. يتابع حركات وسكنات العابرين.. ينتبه لمذياع المقهى.. يتذكر ميادين المدينة التركية.. حى العاهرات.. يروى حكايا فنانى الشارع.. يزور متحف الكاتب التركى عزيز نيسين.. يرصد ساعات من العمل فى جريدة خاصة.. ينقلنا لأجواء جلسة بين أصدقاء يحاول فيها "كاتبٌ" تجربة تدخين سجارة ملفوفة لأنه سيكتب "رواية فيها حشيش".. حينما يوجه رئيس قسم الرياضة إهانة لسائقى الميكروباص، يتذكر بفخر والده وتجاربه العميقة والإنسانية وعمله كسائق ميكروباص بعد تجربة فى العمل الحكومى ونجاته من الموت وسفره للسعودية والعراق.. وغير ذلك يرويه "على سيد" بالتداعى الحر، يتحرك كالفراشة بخفة من حكاية لحكاية، يتحرك بوعى كامل ومرتب يظهر بجلاء فى الإحكام التام لروايته التى تبدأ من نقطة "التحرك من البيت" لتنتهى عند ذات النقطة

المهم أن للزمن والوقت فى رواية على سيد قيمةٌ وأهميةٌ، بل وسحر، فى الـ 20 دقيقة التى يستغرقها بطل "اتجاه المرج" فى المترو هى ذات الـ 20 دقيقة التى يستغرقها قارئ الرواية فى قراءة الجزء الخاص بالمترو، ونفس الأمر ينطبق على جلسة المقهى، حيث يتطابق الزمنان، الزمن داخل النص مع الزمن المستهلك فى قراءة النص، دون أن يشعر القارئ بأى فجوات زمنية أو استغراب. كثيرًا ما يقابلنى شخصيًا سؤال "يعنى السارد أو بطل الرواية عمل كل ده وافتكر كل ده فى الوقت ده؟"، وهو ما يمثل لى "امتعاض" أو "مطبات" توقف قلبى، وهو ما لم أقابلها فى أى وقت وأنا أقرأ "اتجاه المرج".

أُرجع خاصية "الجذب" التى تمتلكها "اتجاه المرج" أو "إغرائية القراءة.. والإمساك بالرواية وقراءتها من أول صفحة إلى آخرها" أو قل عنها "تحقيق التلسية التى تفقدته الكثير من الأعمال الأدبية" لأسباب عدة، على رأسها "امتلاك كاتبها الموهبة الحقيقية فى السرد، وقدرته على الكتابة والسيطرة على اللغة التى صحيح أنها تخلو من اى تزويق وغير محملة بأى مزينات "شعورية أو مجازية"، إلا أنها مليئة بالبلاغة،  بتعريفها البسيط والواضح "مطابقة الكلام لمقتضى الحال"، وبالفعل يطابق على سيد الكلام بمقتضى الحال، فالشاب الثلاثينى العمر.. الألفينى العواطف.. ابن الطبقة المتوسطة التى تتعرض لهزات عنيفة.. ابن الحى الشعبى الذى يتحول للعشوائية.. ابن الأحلام المجهضة فى الثورة..المثقف الشوارعى كما يطلق على نفسه.. الجيل الذى عاصر فى سنى عمره التطور السريع للتنكولوجيا.. عاصر نهاية عصر الراديو وصولا إلى الفيس بوك والهاتف المتصل بالإنترنت.. "عالم عصر السرعة" كل هذا يظهر بجلاء فى لغة على سيد فى "اتجاه المرج"، وهى اللغة التى يمكن أن يغيرها بالطبع إذا "اقتضى الحال" كما تقول البلاغة العربية.

أمدحُ روايةَ على سيد بأنها "رواية مسلية"، وذلك بعد أن أجلو كل ما علق بكلمة "التسلية" من سوء سمعة ورواسب سنوات من الكتابة التافهة، أنقى كلمة التسلية مما شانها طويلًا من الارتباط بالأدب غير الجاد أو الكتابة الغارفة المحتوى.. أو المعتمدة فقط على كسر التابوهات وإيراد الجنس غير المبرر أو أدب التشويه لجذب القارئ.. كل هذا تخلو منه "اتجاه المرج" ولكنها تحتفظ بفضيلة أنها رواية للجميع، رواية يقرأها الشباب الذين يقبلون على كتابات أحمد مراد وجيل "هيبتا"، ويعرفون كيف يختلف الأدب الحقيقى كما كانوا يقرأون.. ورواية يقرأها الكاتب المحترف أو المهنى وتمنحه المتع المرغوبة.. وهذا ما فهمته من بوست كتبه "على سيد"، منذ أيام وأنقله فى الختام كما هو: "من سنة قاعد مع كاتب كان بيتحسر على مبيعات كتابه وبيقارنها بمبيعات أحمد مراد (١٨٠ ألف نسخة) ماعرفتش أرد عليه بإيه، لأن الرقم اللى بالنسبة له ضخم، كان بالنسبة لى هزيل، ساعتها كنت لسة مخلص "اتجاه المرج"، كنت باكتبها عشان ملايين يقروها، ولا حاطط مراد أو غيره قصادي. من حقى أحلم، ومن واجبى أكتب على أد حلمي".







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة