"أعلن التزامى بحكم المحكمة الدستورية العليا لأننا دولة قانون يحكمها سيادة القانون واحترام المؤسسات وسيتم التشاور مع القوى والمؤسسات والمجلس الأعلى للهيئات القانونية لوضع الطريق الأمثل للخروج من هذا المشهد من أجل أن نتجاوز معا هذه المرحلة التى تمر بها البلاد ونعالج كل القضايا المطروحة وما قد يستجد خلال المرحلة المقبلة ولحين الانتهاء من إقرار الدستور الجديد".. الكلمات السابقة أطلقها الدكتور مرسى عند إعلانه التراجع عن قراره بعودة مجلس الشعب، والآن وفى مشهد ربما يذكرنا، بالتطور الدراماتيكى ذلك، أعلن المستشار الدكتور عبد المجيد محمود النائب العام أنه مستاء من قرار الرئيس محمد مرسى بإقالته مؤكدا أنه لم يتقدم باستقالته، وأنه باق فى منصبه طبقا لقانون السلطة القضائية ليعود بالقضية إلى المربع صفر من جديد.
القرار يكشف صراع القوى داخل مؤسسات الدولة، فالمشهد الآن يؤكد أن هناك طرفين متصارعين، الجبهة الأولى الرئاسة ويقودها الرئيس مدعوما بمجموعة من النشطاء والمحامين والقانونيين وجماعة الإخوان المسلمين التى دعت لمظاهرات خرجت لتطالب بإقالة عبد المجيد محمود، فى مقابل الجبهة الثانية القضاء بقيادة النائب العام نفسه ومعاونيه وجميع أفراد النيابات العامة والهيئات القضائية على رأسها المستشار أحمد الزند، بدعوى أن المنصب محصن وغير قابل للعزل، وفق قانون السلطة القضائية، وأن دولة المؤسسات واحترام القانون تقتضى عدم توغل وتدخل السلطة التنفيذية على القضائية بأى حال.
يشار إلى أن الرئيس محمد مرسى كان قد أصدر فى وقت سابق من اليوم قراراً جمهورياً بتعيين المستشار عبد المجيد محمود سفيراً لمصر فى الفاتيكان، على أن يتم تعيين أحد مساعديه للقيام بمهام عمله.
وقال النائب السابق محمد أبو حامد - رئيس مجلس أمناء مؤسسة تنمية حياة المصريين أنه ليس من صلاحية رئيس الجمهورية عزل النائب العام أو قيامه بإصدار قانون يعطيه هذا الحق، مشيرا إلى أن هذا القرار يعد بمثابة تدخل فى السلطة القضائية غير مقبول ويتعارض مع مبدأ الفصل بين السلطات.
وطالب أبو حامد بضرورة أن يتم الفصل بين السلطة التنفيذية ممثلة فى الرئيس والسلطة التشريعية حتى لا يتم تطويع القوانين وإصدارها بما يخدم رؤية الرئيس بعيدا عن إرادة الشعب.
وأوضح أبو حامد فى بيان أصدره أن عزل النائب العام يأتى فى إطار إرضاء الرأى العام بعيدا عن الحلول الموضوعية لقضية الشهداء والمصابين ويجب إعادة التحقيق فى هذه القضايا حتى نصل إلى الجناة الحقيقين.
وعلى جبهة أخرى احتشد عشرات القضاة وأعضاء النيابة العامة مساء، الخميس، بمقر النادى النهرى للقضاة بالعجوزة، احتجاجا على قرار الرئيس محمد مرسى، بإقالة النائب العام، المستشار عبد المجيد محمود، وطالبوا بعقد اجتماع طارئ مع مجلس إدارة النادى مساء اليوم، لاتخاذ موقف.
وقال المستشار علاء قنديل، عضو مجلس إدارة النادى، إن المجلس سيعقد اجتماعا طارئا فى العاشرة من مساء اليوم، مع القضاة وأعضاء النيابة العامة المتواجدين بمقر النادى النهرى، لاتخاذ موقف مبدئى من قرار إقالة النائب العام.
وأضاف "قنديل": أن النادى قرر عقد اجتماع طارئ مع رؤساء أندية القضاة بالأقاليم مساء غد، الجمعة، لمناقشة القرار واتخاذ موقف بشأنه.
ووصف "قنديل" قرار إقالة النائب العام وتعيينه سفيرا للفاتيكان، بالقرار الخاطئ والمخالف لقانون السلطة القضائية، ويتعارض مع كافة الأعراف القضائية، لأن باب تعيين النائب العام فى قانون السلطة القضائية ينص على عدم جواز إقالته أو عزله.
وتابع قائلا: "بهذا القرار وبهذه الطريقة يبقى إحنا بنودع دولة القانون للأبد"، مشددا على ضرورة احترام القانون والتأسيس لدولة القانون.
وطالب عدد من القضاة وأعضاء النيابة العامة الذين تواجدوا بمقر النادى مجلس إدارة نادى القضاة برئاسة المستشار أحمد الزند، بالدعوة لجمعية عمومية طارئة لاتخاذ موقف والرد على القرار.
ومن جهة أخرى، أكد المستشار خالد محجوب، رئيس محكمة مستأنف الإسماعيلية، أن مجلس إدارة نادى القضاة النهرى بالعجوزة، دعا قضاة مصر إلى اجتماع طارئ بالنادى، تحت عنوان "يوم أسود فى تاريخ القضاء المصرى"، لدراسة الموقف بشأن التعدى على القضاء المصرى.
وأكد مصدر قضائى مطلع، أن المستشار عبد المجيد محمود رفض منصب سفير مصر بالفاتيكان، وأن هناك مباحثات لدراسة الأزمة، وكيفية التصدى لتعدى رئاسة الجمهورية على القضاء المصرى.
وقالت المصادر إن النصوص الحالية لقانون السلطة القضائية تعطى رئيس الجمهورية الحق فى تعيين النائب العام من بين رؤساء الاستئناف أو نواب رئيس محكمة النقض، لكنها لا تسمح له بعزله من منصبه، وبالتالى فإن الطريقة الوحيدة التى يمكن بها تغيير النائب العام هى إجراء تعديلات على قانون السلطة القضائية تحدد الفترة التى سيظل بها النائب الحالى فى منصبه، وبعدها يتم اختيار نائب جديد وفقا للضوابط المحددة فى القانون، ولم تستبعد المصادر اللجوء إلى هذا النص الانتقالى لتغيير النائب العام.
وأكدت المصادر أن القانون الحالى يعطى الرئيس حق تعيينه من بين رؤساء الاستئناف أو نواب النقض بشرط ألا يكونوا أعضاء بالمجلس الأعلى للقضاء.
وأصافت المصادر أن التعديلات التى تم وضعها فى مشروع قانون السلطة القضائية المعروف بـ«مشروع مكى» نصت على أن يكون اختيار النائب العام من بين أقدم رؤساء محكمتى الاستئناف والنقض وترشحهم الجمعيات العمومية للمحكمتين لمجلس القضاء الأعلى ليختار أحدهم بالاقتراع السرى المباشر ويكون دور رئيس الجمهورية هو التصديق فقط على قرار مجلس القضاء الأعلى.
واشترط القانون أن يكون النائب العام جلس على المنصة كقاض مدة لا تقل عن 4 سنوات لأن ذلك سيؤثر فى تقديره للأدلة والتصرف فى الدعاوى، وألا يظل فى منصبه أكثر من 4 سنوات أيضاً.
من جانبه قال الدكتور أحمد الجنزروى أستاذ القانون بجامعة عين شمس، إن النائب العام القادم لا بد أن تتوافر فيه صفات القوة والجرأة لكى يضرب بيد من حديد على أيدى الفاسدين، وفتح كافة البلاغات المقدمة إليه والتحقيق فيها على وجه السرعة.
وأضاف: يفضل أن يكون النائب العام من بين القضاة الذين عملوا فى النيابة لفترة طويلة سواء نيابة الاستئناف أو النقض، لما سيمكنه ذلك من فهم القضايا واستيعابها وقدرته على الحصول على الأدلة وتفادى الثغرات القانونية التى يلجأ إليها محامو المتهمين، إضافة إلى المواصفات الأخرى التى يشترط أن تكون موجودة فى أى قاض وهى الحيدة والاستقلال والنزاهة، والدراية بالقانون الداخلى والدولى.
قرار إقالة النائب العام يفجر صراع مؤسسات بين "الرئاسة" و"القضاة".. "مرسى" يقود الجبهة الأولى مدعوما بالنشطاء وجماعة الإخوان.. والنائب العام والزند والقضاة يتصدون للهجوم بـ"اجتماعات واتصالات مغلقة".
الخميس، 11 أكتوبر 2012 11:59 م