الانتخابات هذه المرة ليست إلا معارك دعائية يختلط فيها الحابل بالنابل، لدرجة يصعب فيها على المواطن البسيط أن يفاضل بين تيار وآخر. الدعاية تشبه إلى حد كبير معركة الإعلان عن أنواع الشيبس، فالذين حذرونا من خطر الشيبس أصبحوا أصحاب مصانع . السلفيون الذين كانوا يرون أن الانتخابات بدعة تبنوا شعار" معا على طريق الجنة ".. وجنة البرلمان بلا حور عين ولا فاكهة غير مقطوعة .
حزب الوفد بيت الليبرالية المصرية تجاهل أنه كان حتى الأمس يتحالف مع الإخوان، فاستخدم فى حملته الدعائية صورا تاريخية توقظ فى الناس أحاسيس وطنية جارفة . الحملة الإعلانية المركزة بالتأكيد تحاول بصورة ماكرة وذكية أن تغطى الصورة الذهنية لدى الجماهير التى تخشى من تحولات الوفد بعد الانتخابات، حيث لم يعد هناك ما يمنع من أن نرى البدوى مبايعا للمرشد.
الناصريون الذين اكتفوا برفع صور ناصر لدغدغة مشاعر البسطاء ولإخفاء الواقع الذى يؤكد أن الحزب الناصرى نفسه عبارة عن خمسة أفراد، من بينهم أربعة يتصارعون على رئاسة الحزب. حملات الإعلان على لافتات الطرق والمكلفة للغاية كانت العنوان الأعرض لحزب المصريين الأحرار .. معظم المرشحين يرتدون البدل والكرافتات مثل إعلانات البنوك التى يتم فيها تصوير طالب القرض لا ينقصه إلا السيجار. ومعارك تغيير الصورة الذهنية قديمة ومن خلالها تتغير مفاهيم الناس وبالتالى سلوكياتهم.
الأمثلة كثيرة على تأثير الحملات الإعلانية المنظمة فى قلب الحقائق، فهاهم خصوم ونستون تشرشل الزعيم الإنجليزى يفاجأون بأنهم فى مأزق حقيقى أمام شعبيته الجارفة فى الانتخابات التى أعقبت انتصاره للحلفاء فى الحرب العالمية الثانية . تدارسوا الأمر فيما بينهم حتى نجحوا فى حيلة دعائية عندما خاضوا المعركة الانتخابية تحت شعار " لاتنتخبوا صاحب النصر حتى لا يطالبكم بثمن النصر ". هزموه بالاعتماد على التخويف من مناطق قوته ولم يرفع الرجل يده مشيرا بعلامة النصر، رغم أنه مخترعها واستخدمها خصومه بإسراف حتى أصبح رفع السبابة والوسطى رمزا للانتصار حتى بين خصومه السياسيين.
فى مصر عشقوا المفكر الليبرالى أو أبو الليبرالية العربية أحمد لطفى السيد وعندما خاض الرجل معركته الانتخابية واستشعر خصومه أنهم أمام قوة ساحقة ستقضى عليهم تدبروا أمرهم بينهم، فكان القرار الجهنمى، اتهمه خصومه بأغرب تهمة فى التاريخ … قالوا عنه إنه ديمقراطى يطالب بالمساواة بين الرجل والمرأة وهذا يعنى أنه يرى أن من حق المرأة أن تتزوج أربعة رجال .. أسقطوه من حيث كان الرجل يظن أنه قوى.
فى معتقل أبو زعبل الذى حبس فيه عبد الناصر مفكرين شيوعيين كبارا لم يجد المعتقلون تفسيرا لزيادة توجيه الضرب بالشوم ضد ضعاف النظر وكبار السن إلا بعد فترة من التعذيب حتى فارق بعضهم الحياة . بعد شهور من التعذيب نشأت علاقة بين السجين والسجان عرف منها المعتقلون أن قائد المعتقل نشر بين المخبرين وعساكر الأمن أن هؤلاء يهود وأن قادتهم يرتدون نظارات طبية من كثرة القراءة، وبالتالى كان العنف الأكبر من نصيب من يرتدى نظارة طبية .
عقب نكسة ٦٧ سئل أحد جنودنا :لماذا لم تقاتلوا اليهود ؟ رد بهدوء لأننا لم نقابل يهودا فكل من واجهناهم كانوا خواجات بعيون خضر وبشرة بيضاء . باختصار جنودنا لم يقابلوا أبناء القردة الخاسئين . مثل صورة الذبح فى عيد الأضحى تفسره عيون غربية بأنه دموية ضد الحيوان .. نفس العيون ترى ذبح الفلسطينيين بأنه سقوط لإرهابيين . القضية أعم من الاعتقاد بأنها إعلان عن منظف صناعى أو سيارة صينى لأن الإعلان التجارى نفسه تحكمه قواعد مهنية غائبة عن قواعد اللعبة السياسية . وإذا كان من حق المواطن إنشاء مؤسسات حماية المستهلك للحيلولة دون خداعه فإن من حقه أن يبحث عن آليات وجمعيات لحمايته من الغش السياسى .
عدد الردود 0
بواسطة:
يحي رسلان
هو لسه فيه شيوعية
عدد الردود 0
بواسطة:
د عاطف
تحليل رائع يغطي على المر اللي بنقرأه