إسلام عزام

عليك بقراءة الفاتحة بعد مشاهدة فيلم أولاد العم

الأحد، 20 ديسمبر 2009 07:50 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يبدو مدهشا لأقصى مدى اختيار السيناريست عمرو سمير عاطف لاسم أولاد العم كعنوان لفيلمه الذى تدور أحداثه عن اختراق مخابراتى إسرائيلى للمجتمع المصرى وقيام المخابرات المصرية بصد هذا الاختراق.

لقد استخدم الإسرائيليون والصهاينة تعبير أولاد العم بما يحمله من دلالات تاريخية فى الإشارة للعرب، لأسباب واضحة ومحددة تتعلق بترسيخ الوجود الإسرائيلى فى المنطقة قبل أكثر من ستين عاما عندما تم إعلان قيام دولة إسرائيل على الأراضى الفلسطينية، فمن ناحية يشير التعبير إلى حق تاريخى ما للإسرائيليين فى أرض فلسطين باعتبارهم أحفاد سام، ومن ناحية أخرى قد يساهم ذلك فى تقبل العربى للإسرائيلى حيث تمتد جذورنا جميعا لنفس الأصل أبناء نوح عليه السلام.
وبصرف النظر عن التأصيل التاريخى للمسألة والذى يخضع للكثير من الجدل ووجهات النظر المتباينة حول من هم أبناء سام ومن أبناء حام، فإن الأمر برمته اختراع صهيونى خبيث، لأنه وبنفس المنطق يمكننا الحديث عن إخوة العالم بانتمائه لنوح ومن قبله آدم وحواء.

ولا أعرف كيف لم ينتبه السيناريست والمخرج لخطورة استخدام طرح إسرائيلى مثل أولاد العم فى تقديمهم للفيلم، لأننا بهذا الشكل نضع أنفسنا فى مأزق قيمى حاد فنحن نرفض وجود أبناء عمومتنا إلى جوارنا بل ونتقاتل معهم، أو على أقل تقدير نبدو متضررين من هذا الوجود.

هذا المفهوم وإلى جواره عدد لا بأس به من التفاصيل التى استعرضت مميزات إسرائيل كالنظافة والنظام، واحترام الحريات الفردية، والديمقراطية، وسلمية تداول السلطة فى إسرائيل، والتقدم العلمى فى العديد من المجالات، بل واحترام حرية العقيدةأيضا وغيرها، كل ذلك يدفعنا للتساؤل حول المحصلة النهائية التى يمكن أن يخرج بها المشاهد بعد متابعته للفيلم.

وأغلب الظن أن هذه المحصلة ستتناقض وهدف صانعه الحقيقى الذى أرادوا تحقيقه.

لقد أفرد الفيلم مساحات واسعة لعرض مميزات إسرائيل ليس فقط على لسان بطله الجاسوس الإسرائيلى دانيال قدم الشخصية بحرفية استثنائية شريف منير- وإنما أيضا على لسان شخوص ثانوية كالمهندس المصرى الذى اختار طواعية العيش والعمل فى إسرائيل.
لقد ظهرت إسرائيل من الداخل مجتمعا شديد التسامح، يتقبل الآخر ببساطة، وهو ما ينفى كون إسرائيل بالأساس كيانا عنصريا.

ليس هذا وحده بل لقد صاغ الفيلم دون أن يتعمد صناعه ذلك مبررات قوية لسياسات إسرائيل الهمجية تجاه الفلسطينيين، عبر إشاراته للعمليات الانتحارية التى يذهب ضحيتها المدنيون.
وفى المقابل اكتفى الفيلم بالرد على كل ذلك بعبارات إنشائية للضابط المصرى– كريم عبد العزيز- حول الدين والوطن يحاول بها إقناع الزوجة المخطوفة- منى زكى- بزيف ما تراه حولها، كى تستجيب لمساعدته فى الإيقاع بالجاسوس الهارب.

والمفارقة أن كلا الضابطين الإسرائيلى والمصرى كان يقدم الشعارات الدينية على أولوياته الوطنية، فدانيال يخاطر بحياته من أجل أهداف تخدم يهوديته فى المقام الأول لأنه من وجهة نظره إسرائيل هى وطن اليهود فى كل دول العالم.
والضابط المصرى يؤكد للزوجة أن عملها معه خدمة لدينها أولا ثم وطنها ثانية.. فماذا لو لم تكن سلوى أو منى زكى مسلمة وكانت مسيحية، أو حتى يهودية مصرية من القليلين الذين لم يغادروا مصر، فهل كانت وطنيتها وإحساسها بأنها تعيش فى أرض الأعداء سيختلف؟!

أجزم بأن صناع الفيلم كانت نيتهم حسنة، لكن حسن النوايا لا يصنع وحده الأعمال الفنية المحكمة، كذلك لا يمكنك أن تعتمد على بريق الفكرة وحده كى تصنع فيلما جيدا، الصراع المخابراتى بين مصر وإسرائيل واستعراض البطولة المصرية والتأكيد على أنه ورغم كل شىء مازلنا نمتلك مقومات التفوق، فكرة قد تكون لامعة وتحمل أهدافا نبيلة، لكنها ليست بالجديدة على السينما المصرية، لقد قدمت نادية الجندى قبل سنوات طويلة فيلمها مهمة فى تل أبيب واستطاعت فى هذا الفيلم الدخول إلى مبنى الموساد وتصوير مستندات سرية وخطيرة وأرسلتها لمصر تماما كما فعل بطلنا كريم عبد العزيز فى أولاد العم، وكلاهما تم كشفه والقبض عليه فى اللحظة التى تسبق هروبه مباشرة، بعد إتمامه لعمليته بنجاح، وكلاهما تعرض لأبشع أنواع التعذيب على يد أفراد الموساد، وفى النهاية كلاهما استطاع الهرب والعودة سالما لأرض الوطن، مقدما روحا بطولية شديدة الجبروت والصلابة فى مواجهة الأعداء حتى إن كلا من نادية الجندى وكريم عبد العزيز بصق فى وجه معذبه الإسرائيلى، لكن بينما حاولت نادية الجندى تقديم شخصيتها بجدية بالغة تتناسب وتصوراتها الشخصية حول العميلة المخابراتية؟ استلهم كريم عبد العزيز روح شخصية أدهم صبرى بطل سلسلة رجل المستحيل فى روايات مصرية للجيب التى كتبها دكتور نبيل فاروق. على كل حال فقد شكل أدهم صبرى نموذجا لرجل المخابرات لدى جيلى بأكمله والذى ينتمى إليه كريم عبد العزيز، لكن أدهم صبرى كان شخصية مكتوبة قد يتسع الخيال الذهنى للامعقوليتها، أما مصطفى فهو أمامى على الشاشة وعليه إقناعى بواقعية ما يفعل، وهذا مالم ينتبه له كريم عبد العزيز ولا المخرج المخضرم شريف عرفة، فبدت مشاهد الضابط المصرى فى إسرائيل لا معقولة للحد الذى حول الفيلم إلى فيلم هزلى يقترب من الفانتازيا الركيكة.

الفارق الوحيد بين الفيلميين أن مهمة فى تل أبيب كانت أحداثه تدور فى فترة ما قبل حرب أكتوبر المجيدة، أما فيلمنا أولاد العم فتدور أحداثه فى عصرنا الحالى. والحقيقة أن هذا الفارق لم يشكل أى خصوصية لدى أولاد العم، اللهم إلا التأكيد على رفاهية العيش فى إسرائيل. لاحظ الفارق بين تواضع بيت البطلة فى مصر وفخامة البيت الذى تعيش فيه فى إسرائيل، وحتى ملابسها وطريقة تصفيفها لشعرها فى مصر والصورة التى صارت عليها فى إسرائيل.

وهو أيضا أمر محير فكيف لم ينتبه مخرج بحجم شريف عرفة لمثل هذه التفاصيل فى فيلمه، ربما كان مشغولا بشكل أكبر فى إيجاد حلول بصرية للتصوير الخارجى للمشاهد التى تدور أحداثها فى إسرائيل، وهو ما نجح فيه بذكاء فقد اختار للمشاهد البانورامية التصوير من الأعلى كى يتحايل على عدم قدرته التصوير فى الأماكن الفعلية للأحداث، كما استخدم اللقطات المتوسطة لممثليه فى المشاهد الخارجية، وهكذا لم يراود المشاهد شك فى أن هذه هى إسرائيل بالفعل.

نقطة أخرى قد تحسب للفيلم ولمخرجه وهى المتعلقة بشكل الحياة اليومية فى المجتمع الإسرائيلى، أولاد العم هو أول فيلم يتعرض لها فكيف يعيش الإسرائيلى وكيف يحتفل وكيف يشترى احتياجاته، كلها مناطق مجهولة بالنسبة للمشاهد المصرى الذى تنحصر أفكاره حول المجتمع الإسرائيلى فى أنه مجتمع مذعور دائما وغير مستقر فى الأغلب ويسيطر عليه الحس الأمنى بالكامل وهو ما ليس صحيحا على إطلاقه.

مشاهدة فيلم أولاد العم، دفعتنى لقراءة الفاتحة ترحما على الراحل العظيم صالح مرسى، الذى كتب دموع فى عيون وقحة ورأفت الهجان، فعبقرية مرسى لم تكن فى براعته فى عرض بطولات المخابرات المصرية فى مواجهة الموساد، بل كانت فى قدرته على دمج هذه البطولات مع ما قرأه فى كتب التاريخ وما عاصره من وقائع، ليخرج فى النهاية عملا إنسانيا متكاملا قبل أن يتحول لمسلسل درامى، وهذا فى تقديرى الفارق الأساسى بين السيناريست الذى لا يكتفى بموهبته ومعرفته بتقنيات حرفة الكتابة ويصقلهما بقراءات تشكل وعيا ثقافيا فيتحول لمبدع. وبين آخر يكتفى بأن يكتب فقط.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة