فى دولة غير التى نموت فيها، وزمن غير الذى نمزق فيه، وفى عصر غير الذى نكتوى فيه بحكام ابتلانا الله بهم والبلاء قدر يجب أن نصبر عليه كما يقول لنا أئمة المساجد ويؤكدون أن عدم الصبر اعتراض على قدر محتوم لا مفر منه. فى هذا العصر وذاك الزمن وتلك الدولة تقلد عم بطاطا لصاحبه المطرب العبقرى على الحجار مقاليد الحكم، وأصبح بقدرة قادر أول حاكم شعبى يحمل بين جوانحه تراثاً خالداً عدده الحجار فى ملحمته الرائعة "عم بطاطا" .
أصر بطاطا ألا ينادى إلا بلقبه الشهير بعيداً عن ألفاظ أكبر من قدرات أصحابها من الفخامة والجلالة والرئاسة التى يبغضها عم نطاطا، وأصر أن يمضى فى الشوارع بلا حراسة أو حماية مصطحباً معه رئيس حملته الانتخابية المطرب على الحجار الذى ترك الساحة لبوم ينعب وغربان تنعق و تكحل سماء الطرب بلونها الأسود المخيف، فإذا ما واجه موقفاً صعباً خرج الحجار عن صمته وقص من حكايات عم بطاطا ما يشجى به الآذان .
وعم بطاطا غير منشغل بأحداث غزة، فقد نادى منذ زمن بعيد بالصبر على الجار "السو" ولا مانع من الصبر خمسين عاماً أخرى، خاصة أن الأيام تثبت حسن الرؤية التى قدمها عم بطاطا قديماً، حيث ستخلو المنطقة من البترول وتصبح بلا قيمة وبالتالى لن يكون منطقياً بقاء إسرائيل كذراع للغرب وأمريكا فى منطقة لا مصالح فيها. وساعتها - والرؤية هنا لبطاطا - سيفر اليهود إلى حيث جاءوا بعيداً عن منطقة سيصبح الجوع أكبر ساكنيها ونعود إلى وطننا بعد غياب قد يدوم قرناً أو أكثر .
والحاكم الشعبى بطاطا لا يعبأ بما يدور على أرض لبنان، فالقصة كما يراها تختزل فى مصالح ناس من الشرق وناس من الغرب تقاطعت وتباينت، ولا يجب علينا نحن التورط فيها ،حيث لا ناقة لنا ولا جمل خاصة أننا نرفض أن تكون لنا أجندة فى دولة لكل العالم بها مصالح .
والحاج بطاطا منصرف تماماً عما يحدث فى العراق، فالدم هو الخيار الطبيعى لتك البلاد منذ قديم الزمان والوقوف وللتاريخ عجلة يخطىء من يتصور أنه قادر على إيقافها أو تغيير اتجاه حركتها، وعلى شعبنا أن يدرك حقائق التاريخ بدلاً من الجرى وراء شعارات براقة لن تغير من المواقف، والحل كما يراه بطاطا الحكيم أن نستسلم، بل ونطالب ببقاء العدو فى بلادنا لنورطه أكثر فى إطعام الجماهير الجائعة والتخلص من هؤلاء الذين يواجهون بحمق شديد حركة التاريخ.
أما أزمات الخبز التى أخذت من سياسيينا الجزء الأكبر من النقاش والوقت والجهد، فهى كما يراها عم بطاطا واحدة من ضرورات الحياة الإنسانية، لأنها تؤدى حتماً إلى التآزر بين أبناء الطبقات المتباينة شعبياً، إذ لا يمكن أن نتصور كيف نتيح للأغنياء العطف على الفقراء إذا كان فى بيت كل مواطن ما يكفيه من خبز .. أليس الأولى بنا كدولة أن نمنح الأغنياء تلك الفرصة لكى يدخلوا الجنة على حساب الفقراء، أما الفقراء فإنهم بلا شك سيكرهون الحكومة ويحبون الأغنياء وتختفى من الساحة مفردات البغض والحقد والكراهية.
نأتى إلى مربط الفرس وروشتة مواجهة الأسعار التى وضعها حكيمنا بطاطا اللذيذ، حيث يرى الرجل أن التجارة شطارة وأن ما تكسب به لابد وأن تلعب به ولا مبرر على الإطلاق لتلك الحملة التى يشنها أعداء الوطن الذين يدعون إلى المقاطعة، خاصة أن السلع التى ترتفع أسعارها مثل الأرز والسكر والزيت لا يمكن للبشر مقاطعتها، كما أن ظاهرة جنون الأسعار ظاهرة صحية ستدفع المواطنين إلى إخراج ما لديهم من أموال يفضلون وضعها تحت البلاطة، أما هؤلاء الذين لا يملكون قوت يومهم فنحن لسنا بحاجة إليهم، وتلك هى الطريقة المثلى لخلق مجتمع بلا فقراء .
وعادة ما يختتم رئيس الحملة الانتخابية لعم بطاطا جولاته بين المواطنين ببث البشرى والأمل فى نفوس الجماهير على موسيقى عربية أصيلة، قائلاً " عم بطاطا يزك الزكة يعبر سينا ويفتح عكا ".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة