استحوذ ميناء شرق بورسعيد على المركز الثالث عالميًا في مؤشر كفاءة الموانئ عالمياً وفق تقرير صادر عن البنك الدولى، وفى تعليقه على هذا الإنجاز قال المهندس مدحت القاضي رئيس شعبة النقل الدولى، إن صدور التقرير السنوي للبنك الدولي لم يكن مجاملة سياسية، ولا بيانًا دعائيًا، ولكنه مبني على أرقام صلبة.
وأضاف أن الأرقام تتضمن زمن دوران السفن، كفاءة مناولة الحاويات، جودة البنية التحتية، الرقمنة، والارتباط بشبكات النقل العالمية، وفي هذه الأرقام، قفز ميناء شرق بورسعيد من المرتبة العاشرة إلى الثالثة في غضون أربع سنوات فقط (2020–2024).
وأكد أن صعود ميناء شرق بورسعيد إلى المركز الثالث عالميًا في مؤشر كفاءة الموانئ مجرد سطر في نشرة اقتصادية أو تقرير صادر عن مؤسسة دولية.
وأضاف أنه في جوهره، شهادة على تحوّل استراتيجي عميق يعيشه الاقتصاد المصري، ودليلًا على أن قناة السويس لم تعد ممرًا مائيًا وحسب، وإنما صارت مركزًا لوجستيًا يفرض حضوره على خرائط التجارة العالمية.
وأشار إلى أن مصر اعتادت عبر تاريخها أن تكون نقطة التقاء طرق التجارة، منذ دروب القوافل في العصور القديمة حتى ممر قناة السويس الذي فتح صفحة جديدة في التاريخ البحري عام 1869.
وذكر أن ما حدث في شرق بورسعيد اليوم، ولأول مرة في تاريخ الموانئ المصرية، هو أن مصر لم تكتفِ بكونها معبرًا، بل صارت محورًا للتنافس العالمي، يُقاس أداؤه ويُصنّف بين عمالقة الموانئ في آسيا وأوروبا.
وشدد أن هذه القفزة ليست مصادفة، بل ثمرة استثمارات وتوسعات، ونظام رقمي متكامل، وجدولة دقيقة للسفن قلّصت فترات الانتظار وأعطت ثقة للشركات العالمية، إنها لغة الأرقام التي لا تعرف المجاملة، والتي وضعت ميناءً مصريًا لأول مرة في موقع القيادة العالمية.
ولفت إلى إن وراء هذه الطفرة يقف عامل لا يقل أهمية: الإرادة السياسية، فمنذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مسؤولية الدولة، صار الميناء مشروعًا وطنيًا واستراتيجيًا، يترجم رؤية أوسع لتحويل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس إلى مركز استثماري ولوجستي عالمي.
وأشار إلى الأمر لم يكن سهلًا، وكان لا بد من إزالة عقبات البيروقراطية، وتبسيط الإجراءات الجمركية، وخلق مناخ أعمال يجذب الاستثمارات بدلًا من أن ينفّرها، واليوم، حين نرى خطوط الملاحة الكبرى تختار شرق بورسعيد، فإن ذلك انعكاس لثقة لم تأتِ بالصدفة، بل جاءت بعد سنوات من الإصلاحات والتضحيات.
وأكد أن هذا يظهرالدور الحاسم لخطط شركة ميرسك ومحطة حاويات قناة السويس هذه الشراكة بين الدولة المصرية ورأسمال عالمي وخبرة تشغيلية دولية صنعت الفارق. ميرسك لم تجلب الأموال فقط، بل جلبت معها خبرة القرن الحادي والعشرين: نظم تشغيل حديثة، إدارة متطورة، ورؤية للتوسع المستقبلي، وهو ما انعكس في مشروع التوسعة الجاري حاليًا لزيادة الطاقة الاستيعابية إلى 6.6 مليون حاوية مكافئة سنويًا.
وأشار إلى أنه لا يمكن قراءة هذا الإنجاز بمعزل عن المنافسة داخل مصر نفسها. فهناك موانئ مثل الإسكندرية (TMT)، والسخنة (موانئ دبي العالمية)، ودمياط (يوروغيت). جميعها محطات لها تاريخ وقدرات. لكن الاعتراف الدولي بشرق بورسعيد يرفع سقف التوقعات، ويضع معيارًا جديدًا أمام الجميع.
وذكر إن المنافسة لا تقف عند حدود مصر. فشرق المتوسط ساحة مزدحمة: من بيرايوس في اليونان إلى حيفا وأشدود في إسرائيل، ومن طنجة المتوسط في المغرب إلى جيوا في تركيا. والآن، في قلب هذه الخريطة، يقف ميناء مصري على منصة التتويج، ينافس الكبار بل ويتفوّق على بعضهم.
ولفت إلى أن هذا الاعتراف العالمي لا يعني فقط زيادة في أعداد السفن أو الحاويات، بل إنه اعتراف بدور مصر الإقليمي، وإشارة إلى أن الاقتصاد المصري قادر على التحول من اقتصاد تابع إلى اقتصاد قادر على المنافسة.
أكد أنه حين يقرأ المستثمرون هذا التقرير، فإنهم يرون بيئة أعمال واعدة. وحين تراه شركات الملاحة العالمية، فإنها ترى ميناءً يمكن الاعتماد عليه في ربط آسيا بأوروبا. وحين تقرأه القوى الإقليمية، فإنها تدرك أن مصر عادت لتلعب دورًا مركزيًا في البحر المتوسط، ليس بالسياسة فقط بل بالاقتصاد أيضًا.
وأشار إلى أن قصة ميناء شرق بورسعيد ليست قصة ميناء وحسب، بل قصة دولة قررت أن تخرج من أسر الماضي لتنافس في المستقبل. إنها رسالة تقول إن مصر قادرة على أن تتحول من ممر إلى محور، ومن متفرج إلى لاعب أساسي على مسرح التجارة العالمية.
وذكر أنه كان يقال دائمًا إن الجغرافيا تصنع التاريخ. واليوم نرى الجغرافيا المصرية –بموقعها عند قلب العالم– تصنع فصلًا جديدًا من التاريخ، عنوانه: شرق بورسعيد.. الميناء الذي غيّر قواعد اللعبة في البحر المتوسط.