الكلمة الطيبة صدقة، هكذا علمتنا الحكمة منذ الأزل، لكنها ليست مجرد صدقة عابرة بل حياة تُمنَح أو روح تُسلب، فالكلمات كالسيوف، قد تفتح جرحاً أعمق من حدّ النصال، وقد تكون في الوقت نفسه يداً حانية ترفع قلباً واهناً من قاع الألم.
قبل أن نفلت الحروف من أسر أفواهنا، علينا أن نزنها بميزان العقل والقلب معاً، لأن كلمة واحدة قد تُسقط إنساناً في هاوية اليأس، وأخرى قد تضيء ليله الطويل بشمعة أمل.
كم من روح أرهقتها عبارات قاسية خرجت بلا تفكير، وكم من قلب توقف نبضه وهو يحمل صدى كلمة موجعة ظلت تلاحقه.
هناك من مات ولم تقتله رصاصة، بل أنهكه حرف جارح لم يجد له دواء، وعلى النقيض، هناك من وُلد من جديد بفضل كلمة طيبة جاءت في لحظة انكسار، كلمة جبرت خاطره وأعادت إليه الإيمان بالحياة.
إن انتقاء الكلمات ليس ترفاً لغوياً، بل مهارة بقاء، علينا أن نتعلم فن الصمت بقدر ما نتعلم فن الحديث، وأن ندرك أن لكل كلمة توقيتاً، فالكلام في غير أوانه كالمطر في غير موسمه، لا يثمر سوى الخراب.
فكروا جيداً قبل أن تطلقوا ألسنتكم، تريثوا قبل أن تضعوا حروفكم على قلوب الآخرين، فربما تكونون أنتم سبب الألم، وربما أنتم طوق النجاة.
علموا أنفسكم فن اختيار المفردات كما يعلّم الرسام أصابعه كيف تمسك بالفرشاة، ضعوا نواياكم الطيبة في حروفكم، ليبقى صداها حياة لا موت، دواء لا داء.
فالكلمة قد تقتل وقد تحيي، لكن الخيار في النهاية يظل بأيدينا، نحن من نقرر إن كانت كلماتنا سهاماً تُصيب أو نسائمَ تُعانق الأرواح.