لم يعد مقبولاً في عصر التحول الرقمي أن يبقى المواطن المصري رهينة لخط أرضي لا يستخدمه لكنه مُجبر على دفع اشتراكه الشهري فقط ليحصل على خدمة الإنترنت، مشهد يثير التساؤل: لماذا نظل أسرى لقيود الماضي بينما العالم تجاوزها منذ سنوات ؟
اليوم في دول كثيرة يكفي أن تقتني جهازاً صغيراً يركب في الكهرباء ليمنحك إنترنت مباشر بلا تعقيدات ولا أسلاك ولا انتظار بينما عندنا يظل المشترك يتنقل بين طلبات تركيب الخط الأرضى والانتظار الطويل والفواتير المزدوجة وفي النهاية يجد نفسه أمام باقة محدودة تنفد خلال أيام
الإنترنت أصبح ضرورة أساسية فهو عصب التعليم والعمل والصحة والتواصل وكل ما يرتبط بالحياة اليومية. كيف يمكن أن نُحدث نقلة حقيقية نحو "الجمهورية الرقمية" ونحن نربط خدمة بهذا القدر من الحيوية بخط هاتف أرضي لم يعد له وجود فعلي في حياة أغلب الناس؟
المعادلة بسيطة: المشترك لا يستفيد من خدمة الهاتف الأرضي ومع ذلك يتحمل أعباءها. وهنا تكمن المفارقة بل واللاعدل فإذا كان الهدف هو تمويل البنية التحتية فإن العدالة تقتضي أن تُمول الخدمة من داخل منظومة الإنترنت نفسها لا من فرض اشتراكات إجبارية لا قيمة لها
ولا يمكن أن نغفل أن ربط الإنترنت بخط أرضي يُكرّس فجوة رقمية بين طبقات المجتمع. فهناك شريحة كبيرة من الشباب والطلاب وأصحاب الأعمال الحرة لا يستطيعون تحمّل تكلفة الاشتراك المزدوج فيُحرمون من خدمة أصبحت شرطاً أساسياً للعلم والمعرفة والعمل. وهكذا تتحول التكنولوجيا من وسيلة للعدالة والتمكين إلى عبء يثقل كاهل المواطن البسيط
المطلوب الآن مبادرة جريئة: إلغاء شرط التليفون الأرضي وربط الإنترنت مباشرة بالمشترك. الأمر لا يتطلب أكثر من قرار واضح يستند إلى رؤية مستقبلية تدرك أن مواكبة العالم تتحقق بالأفعال لا بالشعارات وبخطوات عملية تخفف عن الناس أعباءهم وتمنحهم سهولة في حياتهم
إن مصر التي تبني عاصمة إدارية ذكية وتعلن كل يوم عن مشروعات للتحول الرقمي لا يليق بها أن تظل خدمات الإنترنت فيها معلقة بخط أرضي تجاوزه الزمن. فإذا كان شعار المرحلة هو "الجمهورية الجديدة" فإن البداية الحقيقية تكون بتوفير إنترنت يصل إلى المواطن بلا قيود ولا اشتراطات باعتباره حقاً أصيلاً مثل الماء والكهرباء
وعلى المستوى الشخصي لا أذكر آخر مرة رن فيها هاتفي الأرضي وكأن صمته الطويل شهادة دامغة على أن زمنه قد انتهى ومع ذلك ما زلنا ندفع ثمنه شهراً بعد شهر