محمود عبدالراضى

أصوات من نور

الثلاثاء، 19 أغسطس 2025 01:23 م


في مصر، لا يُولد الموهوبون بل يُبعثون، كل جيلٍ فيها يحمل وديعة من السماء، صوتًا من الجنة، وترًا من وتر داوود، وعِشقًا لا يشيخ لكتاب الله، من أرضها خرج المنشاوي بصوته الباكي، وعبد الباسط بمدده العلوي، ومصطفى إسماعيل بتلويناته الذهبية، والنقشبندي بوصله الصوفي إلى الأعالي، والطبلاوي بعذوبة النهر الصافي، أصواتٌ لم تكن تُتلى فقط، بل كانت تُحلق، تُبكي، وتُصلي.

لكن المجد لا يقف على بابٍ قديم، بل يفتحه كل من حمل الأمانة بصدق، فمنذ أيام حضرت مناسبة دينية في قريتي شطورة بمحافظة سوهاج، تلك الأرض التي تنبت القمح والبشر والقرآن، فوجدت نفسي بين أصواتٍ لا تقل نورًا ولا أثرًا، استمعت للقراء عبد الناصر صقر، وإبراهيم التمساح، وأشرف جاد الكريم، شعرت فيهم بعظمة عبد الباسط، وخشوع المنشاوي، وقوة أنفاس النقشبندي.

تذكرت أن مصر لا تُفرغ، ولا تنضب، ما دامت تتنفس قرآنًا، كل حيّ فيها فيه نبع تلاوة ينتظر من يكتشفه، من يضعه في الضوء، من يمنحه الميكروفون لا الميكروفيلم، فهل تسمع إذاعة القرآن الكريم هذا النداء؟ هل تمرّ آذانهم على الجنوب، على القرى، على المساجد التي تبكي حين يقرأ فيها شابٌ بصوتٍ كأنه ظلٌّ من ظلّ المنشاوي؟

الموهوبون كُثر، لكنهم في الظل، في الانتظار، في الصبر، آن الأوان أن تُفتح لهم الأبواب كما فُتحت للكبار، آن الأوان أن نمدّ إليهم يد التقدير لا التصفيق فقط، لا نريد فقط أن نُعيد زمن الرواد، بل أن نواصل نبضه، ونكتبه بأصوات جديدة من ذات الجذور.

هذه ليست دعوة، بل شهادة، وهذه ليست أصواتًا فقط، بل أرواحٌ تتلو.


 




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب