أخبار الزمان .. ما يقوله المسعودي عن صراع أبناء نوح وهلال قوم عاد

الثلاثاء، 15 يوليو 2025 07:00 ص
أخبار الزمان .. ما يقوله المسعودي عن صراع أبناء نوح وهلال قوم عاد أخبار الزمان

أحمد إبراهيم الشريف

المعرفة ليست ضارّة، وليس من الضروري أن نُصدّق كل ما نعرفه، لكنها، بصورةٍ ما، تُفيدنا في فهم طرق التفكير عند القدماء، لذا أحب العودة إلى كتب التراث والتأمل فيما تحمله من رؤى، خاصة كتب التاريخ، التي تُسلّط الضوء على بدايات الحياة على الأرض، ومن هذا المنطلق، نقرأ معًا ما أورده المسعودي في كتابه الشهير "أخبار الزمان":

ذكر عاد

أرسل الله هودًا إلى عاد وهم بأحقاف الرمل وملكهم الخلجان بن الوهم، وكاونوا يعبدون ثلاثة أصنام وكذبوه، فدعا عليهم فأمسك الله عنهم المطر ثلاث سنين فأجهدهم ذلك فوجهوا إلى مكة رجالا يستسقون لهم في الحرم.

تعظيم العرب لموضع البيت

ولم تزل العرب تعظم موضع البيت، وكان موضعه بعد الطوفان ربوة حمراء، وأهله العماليق وسيدهم معاوية بن بكر، فقدم عليه وفد عاد للاستسقاء وفيهم قيل بن عمرو ويزيد بن ربيعة، ونعيم بن هذال، ولقمان بن عاد، فقدموا ونزلوا على معاوية بن بكر وأقاموا عنده شهراً يأكلون ويشربون وتغنيهم الجرداتان وهما قينتان كانتا لمعاوية بن بكر.

معاوية ينبه وفد عاد بالشعر

فلما طال أمرهم أشفق عليهم معاوية بن بكر لأنهم أخواله وخاف عليهم، فصنع شعراً ينبههم به ويحثهم على ما قدموا له، وأمر الجاريتين فغنتاه:

ألا يا قيل ويحك قم فهينم * لعل الله يمطرنا غماما
فيسقي أرض عاد إن عاداً * قد أمسوا لا يبينون الكلاما
وأنتم هاهنا فيما اشتهيتم * نهاركم وليلكم التماما
فقبح وفدكم من وفد قوم * ولا لقوا التحية والسلاما

نشوء السحب الثلاث واختيار قيل

فانتبه القوم لما سمعوا الشعر ونهضوا يستسقون، فلما استسقوا نشأت لهم ثلاث سحائب بيضاء وسوداء وحمراء، ونودي قيل منها اختر لقومك قال البيضاء جهام قد فرغت ماءها، والحمراء ريح والسوداء غيث فاختارها فقيل
قد اخترت رماداً رمدداً لا يبقي من عاد أحداً، لا والداً ولا ولداً.

هلاك قوم عاد بالريح

فدخلت الريح على عاد من واديهم، فأقامت سبع ليال وثمانية أيام حسوماً، والحسوم الدائمة حتى هلكوا عن آخرهم، وتهدمت ديارهم ولم يمنعهم جدار ولا جبل حتى هلكوا عن آخرهم، ولم يبق إلا رسمهم.

مصير وفد عاد بعد الاستسقاء

و [روي أنه] لما استسقى وفدهم بمكة، ساروا في طريقهم فنودوا في طريقهم: إن عاداً قد هلكوا عن آخرهم، فاختاروا لأنفسكم، فاختار قيل أن يلحق بقومه، فسار نحوهم فلقيته الريح فأهلكته، واختار مزيد براً وصدقاً وكان مؤمناً بهود عليه السلام، فأعطى ما سأل.

نعيم ولقمان وخيارات الخلود

واختار نعيم حياة ألف سنة لا يمرض ولا يهرم، ولا تصيبه حاجة فأعطي ما اختار، واختار لقمان عمر سبعة أنسر فأعطي ما اختار، وكان يأخذ النسر فرخاً يربيه حتى يهلك، ثم يأخذ عند هلاك ذلك فرخاً آخر، فيفعل به كذلك، حتى بلغ سبعة أنسر، وكان آخرها لبد، وقد ضربت العرب به الأمثال في أشعارهم قال الأعشى:

ألم تر لقمان أهلكه * ما مر من سنة ومن شهر
وبقي نسر كلما انقرضت * أيامه عادت إلى نسر
ما مر من أمد على لبد * وعلى جميع نسوره السمر
قد ابلت الأيام نضرته * وأودعت لقمان في القبر

وقال النابغة الذبياني:

أمست خلاء وأمسى أهلها انقرضوا * أخنى عليها الذي أخنى على لبد

تقسيم الأرض بين أبناء نوح

ولما قسم نوح عليه السلام الأرض بين بنيه جعل لسام وسط الأرض، والحرم وما حوله واليمن إلى حضرموت إلى عمان والبحرين إلى عالج إلى طرف بلاد الهند، وكان هذا كله مدناً وقرى وحصوناً وقصوراً ومصانع وبساتين يتصل بعضها ببعض، إلى أن سخط الله على قوم هود فأفسد كثيراً منها.

وجعل الله في ولد سام النبوة والبركة، وجعل لحام بعض الشام ومصر إلى أعالي النيل وبلاد النوبة والبجة، وأصناف السودان مع البحر الأحمر إلى بلد الحبشة والهند والقوط والسند.

وقسم ليافث بلاد الترك والصين، ويأجوج ومأجوج، والصقالبة والروم وإفرنجة والأعبورة والأندلس إلى البحر المظلم، وسواحله.

وجعل ليحطون صين الصين إلى بلاد الشحر إلى ناحية اليمن، فكثروا من كل جانب وانبسطوا الى جهة بابل، وبورك فيهم فصاروا نيفاً من سبعين ألف بيت على خلق عظيم إلى أن ضرب بينهم إبليس، وكانت البلبلة فافترقوا.

ظهور النمرود الأسود بن كوش بن حام

وكان أول ملك منهم النمرود الأول بن كوش بن حام، وكان أسود أحمر العينين مشوها في جبهته كالقرن، وكان أول أسود يرى بعد الطوفان، فكان من ولده لدعاء نوح عليه السلام على ابنه حام، وذلك إن نوحا عليه السلام نام فانكشفت عورته، فرآها حام فضحك ولم يغطه، وسكت يافث، ولم ينكر عليه فصاح سام عليهما، وعلم ذلك نوح فدعا على حام أن يكون ولده سوداً مشوهين عبيداً لولد سام، ودعا على يافث أن يكون ولده عبيداً لبني سام، وأن يكونوا أشرار الناس.

قصة حام وابنه كوش

وكان حام من أجمل البرية وأتمهم كمالا وأطيبهم ريحاً، فاجتنب امرأته أن يطأها خوفاً من دعوة أبيه، فلما مات أبوه غلبه ذلك على اعتقاده، فقرب منها فحملت بكوش بن حام وأخته، فلما رآهما حام فزع منهما، وأتى اخوته فأخبرهما وقال لهما قلت لامرأتي هل شيطان أو أحد غيري أتاك؟ فقال اخوته هذه دعوة ابيك فاغتم لذلك وترك امرأته دهراً، ثم غشيها فولدت قوطا وتوأمته، فلما رأى ذلك هرب في البلاد وغاب فلم يدر أين يذهب، ولم يكن أشد تجبرا وتكبرا وعتوا من النمرود الأسود.

عهد النمرود وتحالفه مع إبليس

وكان له بعض كهان فأتاه إبليس فقال له أنا كاهن من الكهان، ولم أر أحداً يعادلك في الكهانة وأنا معينك ومتمم أمرك، وجاعلك ملك الملوك، على أن تذبح لي ولدك قرباناً، وتصلي لي ثلاث صلوات فأقلدك وأكون معك، وأجعلك كاهناً كاملاً تاماً وأقيمك مقامي ففعل ما أمر به فأمر إبليس الشياطين بطاعته، وليكون معه، ثم أتوه بولد سام فحاربهم وعاونه إبليس فقهرهم واستعبدهم، فانقادوا له وأطاعوه...

بناء الصرح وتقديس النمرود

...فبنى له إبليس قصراً وصفحه بالذهب المكللة بالجوهر تضئ ما حوله ودفع اليه سيفاً يتألق نوراً في رأسه ثعبان يمتد إلى من يومئ اليه فيقتله، فلما رأى الناس ذلك أذعنوا له بالطاعة، ثم دعاهم إلى عبادته فأمر أن يبنى له صرح من الحجارة ومن الكلس فلم يبق أحد إلا عمل فيه وقال يكون حصناً لكم.

وعاونته الأبالسة فبنى صرحاً عظيماً فبلغ ارتفاعه في الجو تسعمائة ذراع، ثم هندم أعلاه بأغرب بنيان وبنى فيه مجالس على أساطين غريبة، وكان عرض كل حائط من حيطانه الأربع ألف ذراع وما بين ذلك من الطبقات جعلها كلها مخازن وملأ جميعها من المال والطعام والشراب وجميع الآلات وكل ما يخاف أن يحتاج إليه يوماً من الدهر بما يقوم به هو وأهله مدة من الدهر طويلة، وجعل مجلسه أعلاه وأمر الناس أن يعبدوه.

عقوبة الممتنعين عن عبادته

واتخذ صاحب خبره جنياً بينه وبين الناس، فإذا رفع إليه أن أحداً امتنع عن عبادته أمر به فطرح من أعلى الصرح إلى أسفله.

وزعم قوم أنه يكون على السحاب ويصعد إلى الفلك، وكان يركب عجلة منصوبة على ظهور الشياطين وينحدر منها إلى الأرض ففرق الناس منه وافتتنوا به وعبده كثير منهم، وعظم أمره.

دعاء سام وهلاك النمرود

واتصل بسام أنه يريد قتله، وقد عزم عليه فأخرج سام الأسماء التي علمه نوح عليه السلام إياها، وقال له لا تدع بها إلا في مهم عظيم ففيها اسم الله الأعظم، وقال: اللهم أنت الداعي لعبادك وبعينك ما هم فيه وما خرجوا من الفتنة اليه بغلبة هذا الجبار الذي قد استهوته الشياطين وانقيادهم له، وإن لم تغثهم ضلوا وهلكوا، وأنت أعلم بما يصلحهم، فاحقن دماءهم وامنع هذا الجبار منهم، وخذه بجريرته واكفنا أمره.

فأمر الله عز وجل الرياح الأربع فأقبلت على ذلك الصرح من جوانبه فجعلته دكا واتبع ذلك ظلمة شديدة ورجفة عظيمة تزعزعت لها الجبال.

تبلبل الألسنة وتشعب الأمم

فنهض العالم على وجوههم لا يرى بعضهم بعضاً، ولا يدرون أين يتوجهون وضعفت ألسنتهم عن الكلام.

وهلك اللعين عدو الله النمروذ، وهلك من كان يعبده، ومشى الناس في الظلمة هاربين ثلاثة أيام ثم لاحت لهم شعوب فيها نور يسير، فتشعب كل شعب فرقة هربت نحوه طلباً للنجاة، وتبع كل فرقة قوم يحثونهم، وهذا بلغة غير لغة الفرقة الأخرى، حتى خرجت كل فرقة إلى ناحية من الأرض وقد تبلبلت ألسنتهم وكثرت لغاتهم، فإذا وصلت فرقة منهم إلى موضع ناداهم مناد " هذا موضعكم الذي تكونون فيه فاعتمروا فيه وأثمروا ".

استقرار الأمم وتكوّن الشعوب

فخرج بنو سام لناحية اليمن إلى الشحر وحضرموت إلى آخر خط الاستواء، فمنهم العرب العاربة.
وخرج بنو حام إلى السند والهند وبلاد أسوان.
وخرج بنو يافث إلى الشمال، فمنهم الروم والخزر والترك والصقالبة والإفرنج، ويأجوج ومأجوج.
وخرج بنو يحطون إلى الصين الأقصى وأقاصي الشرق، فنزل كل قوم في موضعهم وعمروه وتوالدوا فيه إلى اليوم.

 




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة