في تلك اللحظة الفارقة، حين تضع يدك على مقود حياتك، مدركاً أنك ربان سفينة حياتك التي تبحر في محيط الوجود الشاسع، وقبل أن ترفع شراع العزيمة لتقتنص فرص الحياة الذهبية، وتتجنب عواصف الخوف ومتاهات الأختيار ، قبل أن يلوح في الأفق شاطئ الأمان، وتدرك أن كل ما تحلم به من نجاح، ورزق، وسعادة هو ملك يمينك إذا أحسنت الاختيار والسعي، في تلك اللحظة بالذات، ستنادي عليك كل الطرق. طرقٌ تبدو سالكة، وأخرى وعرة، بعضها يغريك بالسرعة والاختصار، وبعضها الآخر يدعوك إلى التأمل والتأنّي. هنا يكمن مفترق الطرق الحقيقي، حيث تتجلى حكمة الاختيار. لا تدع زيف الطرق المختصرة يخدعك، فغالباً ما تكون تلك هي الممرات التي غرق فيها الطامعون، وسقط فيها المتكبرون، أولئك الذين ظنوا أنهم يملكون مفتاح العالم، وأن السيطرة هي غايتهم العليا.
إن الطرق المختصرة، وإن بدت جذابة في البداية، تنتهي غالباً بخراب، وتترك في الروح ندوباً لا تُشفى إلا بصعوبة. ستكلفك ضريبة باهظة، تتمثل في إهدار الوقت والجهد، والعودة المتكررة إلى نقطة الصفر، مع تراكم الشعور بالندم والتعب الذي يثقل كاهلك. كم من سفن غرقت لأن ربانها اختار الدرب الأسهل، مبتعداً عن شريعة الإبحار الحقيقية؟ وكم من أرواح ضلت طريقها لأنها ظنت أن الغاية تبرر الوسيلة، وأن التسرع هو الطريق إلى النجاح؟ بينما ترى سفن غيرك قد رست على شواطئ الأمان، بعد رحلة طويلة من الصبر والكفاح، محملة بكنوز الرضا والسلام.
إن هذه الرحلة، رحلة الحياة، ليست نتاج صدفة، وليست عقاباً، بل هي هبة إلهية، واختيار منك وحدك. لم تُخلق لتعيدك إلى الوراء، أو لتعذبك، بل لتكون عوناً لك، وسنداً في طريقك نحو الكمال. في أحلك الظروف، حين تشتد الرياح وتتلاطم الأمواج من كل جانب، وحين يغطى الضباب وجهتك، يبقى الشرط الأوحد للخلاص هو أن توجه بوصلتك نحو من أوجد هذه الرحلة، ووضع قوانينها الكونية التي تحكمها. عليك أن تدرك أن لكل رحلة ضوابط وقواعد، وأن تجاهل هذه الضوابط يؤدي حتماً إلى الضياع. تعلم جيداً دروبها، تفاصيلها الدقيقة، فكل منعطف وكل ممر يحمل في طياته دروساً وعبر.
تذكر أن هذه الحياة ليست سوى رحلة قصيرة، أشبه بامتحان كبير، يراقبك فيه رقيب عليم، يسمع ويعلم كل ما توسوس به نفسك، كل فكرة تخطر ببالك، وكل نية تضمرها في قلبك. هو من ييسر لك رحلتك إن أحسنت التوجه، وهو من يضع في طريقك من يعينك ويساندك إذا كانت نيتك صادقة. هو من يمنحك الفرص، ويفتح لك الأبواب، ويضع بين يديك ما تظن أنه سيسعدك. وهنا تكمن المفارقة العظمى، فغالباً ما يكون ما نظنه مصدر سعادتنا هو في حقيقته سبب شقائنا وتعاستنا. لأن السعادة الحقيقية ليست في امتلاك الماديات أو تحقيق الأهداف الدنيوية فقط، بل في السكينة التي تنبع من الرضا والتسليم لمشيئة الخالق، وفي العطاء والحب غير المشروط.
لذا، استمتع برحلتك هذه بكل تفاصيلها. عشها وفقاً لقوانين الله وسننه، دون محاولات للتحايل أو الالتفاف أو التلاعب. كن صادقاً مع نفسك ومع ربك. لا تتعجل النتائج، ولا تستسلم لليأس. كن واثقاً أن العسر لا يدوم، وأن اليسر قادم لا محالة. فمع كل عاصفة تمر بها، تذكر أن بعدها تشرق شمس الأمل. قريباً جداً، بعد أن تكون قد أوفيت بحق الرحلة، وامتثلت لقوانينها، وتطهرت روحك من شوائب الدنيا، سنرسو جميعاً على شواطئ الأمان، شواطئ السكينة والرضا، حيث تتلاشى كل العواصف خلفنا، وتغرب عن الأنظار كل الهموم والأحزان. وحينها فقط، ستشرق شمس السعادة الدائمة بأنوارها الدافئة التي تملأ القلب بالسلام والرضا، وستدرك أن كل ما مررت به كان جزءاً من الخطة الإلهية لتهيئة روحك لاستقبال النعيم الأبدي. هذه هي جوهر الرحلة، وهذا هو طريق السعادة الحقيقية.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة