بوابة كأس العالم للأندية

أسماء نصار

كوارث النقل الثقيل.. القتيل يدفع للقاتل

الأحد، 29 يونيو 2025 07:45 م


كوارث النقل التقيل أو النقل الثقيل، لا تتوقف ولا ينكرها أحد، إلا أن الوضع تفاقم وتزايد وأصبحنا أمام اقتصاد أفراد على حساب مجتمع، فالسيارة التى يحركها شخص بترخيص فردى بمقدم قد لا يتجاوز 500 ألف جنيه، وعوائد شهرية ضخمة، فى منظومة ادفع واعمل اللي انت عايزه، فتتلف الطرق بالحمولات الزائدة والمضاعفة، وعدم مساءلة أصحاب التريلات التى باتت نعوشا طائرة تهاجم الناس وتطاردهم على الطرق دون مسؤولية تضامنية بين المالك والسائق، فالدولة تدفع التعويضات، ومع الشعب تدفع ثمن الطرق، والأرباح "للى مشغل دماغه على الكل" – صاحب التريلا، حتى صار الوضع أشبه بقتيل يدفع للقاتل، فبعض من المقدرات المالية تضيع على الدولة، بسبب عدم التقنين الكافي لأوضاع النقل الثقيل، وعدم الاستفادة الملائمة من منظومة ربح القطاع، ومن الزاوية التأمينية ضمان حقوق الضحايا، حال وقوع الحوادث، وقبل كل ذلك مزيد من الضبط يساهم في عدم تكرار تفاصيل الاستهتار بأرواح الناس كما يحدث منذ زمن بعيد حتى هذه اللحظة.

وفي حادث الطريق الإقليمى بالمنوفية، رأينا دهس المجتمع كله من قبل متعاطى مخدرات مخالف للطريق بسرعة زائدة ورخصة قيادة غير متوفرة، ما يضع حياة الشعب رهن بيزنس واقتصاد خاص على حساب الشعب، ما يتطلب حياله وضع تشريعات خاصة بالنقل الثقيل، من حيث تأمين تحركها وتغطية تعويضاتها بودائع ومحاسبة المالك مع السائق، والنظر فى رخص تسيير التريلات، وتخصيص وكالات للنقل الثقيل ووقف تراخيص ومليكيات الأفراد لهذا النشاط، والعمل من خلال وكالات ووقف الترخيص الحر للأفراد.

الحادث كشف عن خلل في التوازن بين مصالح المجتمع وأصحاب اقتصاد خاص، فأصحاب التريلات الآن يحققون أرباحا ضخمة، بينما الطرق والأرواح وخزينة الدولة تدفع الثمن، ليقف الجميع أمام عجلة قيادة متهورة بيد متعاطي لا يحمل رخصة قيادة، فراح 19 فتاة منهن المهندسة والجامعيات وجميعهن ذهبن للحصول على ما يقارب أجر سائق التريلا وحده.. نحن إذا أمام خلل القيمة والمصالح والحقوق والواجبات، ما يفرض تقنين نشاط النقل الثقيل بيد وكالات ذات رأس مال تأميني وملكية مؤسسية للتريلات.

ففى فجرٍ لم يشرق فيه الأمل على أهل المنوفية، تحول الطريق الإقليمى، إلى مسرح لمأساةٍ لا تنسى، لم تكن الساعة قد تجاوزت السادسة والنصف صباحًا، حين دوى صوت ارتطامٍ عنيف، مزق سكون القرية، ليعلن عن كارثةٍ خطفت 19 روحًا بريئة، تسع عشرة زهرة من قرية كفر السنابسة، كن قد غادرن بيوتهن يحملن أحلامًا صغيرة، لكن القدر قادهن إلى نهايةٍ مروعة، حين اصطدمت شاحنة نقل ثقيل بمركبتهن الصغيرة، لتتحول الأجساد إلى شتاتٍ على الأسفلت، والقلوب إلى حطام لا يجبر.

في قلب هذه الفاجعة، يتردد اسم شيماء عبد الحميد طالبة كلية الهندسة بجامعة المنوفية كصدى لألم لا يمحوه الزمن، كانت طالبة متفوقة تسعى لدعم أسرتها وتوفير نفقات تعليمها، فكانت تقضي إجازتها الصيفية فى العمل بمزرعة عنب تحت وهج الشمس، تجنى مقابلًا زهيدًا لأحلامها الكبيرة، يتذكرها زملاؤها بتفوقها وعطائها، حلمها الذى كان ينتظر أن يزهر فى الجامعة، انتهى فجأة على أسفلت طريقٍ كان من المفترض أن يكون آمنًا، لم تكن شيماء وحدها؛ فخلف كل اسم الضحايا، تكمن قصة لم تكتمل، وضحكة خطفت، ومستقبل اغتالته قسوة الحادث، كن زهراتٍ فى ريعان الشباب، خرجن فى سبيل الرزق، لكن القدر حال دون عودتهن، ليتحول كفر السنابسة إلى نحيب لا ينقطع، ودموعٍ لا تجف، وقرية تلبس ثوب الحداد.

تحولت ساحة القرية إلى نقطة انطلاق جنازة جماعية مهيبة، 19 نعشًا على التوالى، مشهد وداعٍ لقرية كاملة تشيّع زهراتها، وبعد المغرب، تبددت الأجساد فى باطن الأرض، لكن الحزن لم يتبدد من البيوت التى أُقيمت أمامها سرادقات العزاء.

الشاهد في الأمر أننا أمام حادث يدفعنا جميعًا إلى الخروج منه بمجموعة إجراءات تحافظ على أموال الدولة، وترفع كفاءة الطرق فيها، وقبل كل هذا تحفظ أرواح الناس من الضياع بكل هذه السهولة.

 



أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب





الرجوع الى أعلى الصفحة