من يثق فى أمريكا/ترامب حاليا ومستقبلا؟ الإدارة الأمريكية الحالية ومنذ اليوم الأول لتسليم مقاليد الحكم، وهى تمارس نهجا يتقاطع كلية مع الأعراف والتقاليد الدبلوماسية، واحترام القوانين الدولية، وترفع شعار الابتزاز الوقح، وكأن العالم صار غنيمة لها يجب الحصول عليها، بالتهديد والوعيد، فى عودة شرهة لسيناريو طرد وقتل الهنود الحمر واغتصاب أراضيهم، وتشريد الملايين.
من يثق فى أمريكا/ترامب حاليا ومستقبلا، وهو يرى وعود البيت الأبيض المغلفة بورق السوليفان الشيك، والمبطنة بكل أدوات الخداع والغش والكذب، فبينما يسدى فى العلن وعودا بأن الجلوس على طاولة المفاوضات هو نهج أمريكا، وفقه الضرورة لحل القضايا الشائكة، فى عملية تنويم مغناطيسى للأطراف المتفاوض معها، فإنه فى الخفاء يضع الخطط والتدابير الانتقامية!
لقد فتح البيت الأبيض، أبواب التفاوض مع الإيرانيين، ومنحهم ما يشبه «كبسولات» منومة، وعندما تسرب للمفاوض الإيرانى الطمأنينة بأن الولايات المتحدة الأمريكية تجنح نحو الحلول السلمية، استيقظ فجر الجمعة 13 يونيو الجارى، على ضربة إسرائيلية جوية مؤلمة نالت البشر والحجر، وهزت هيبة العسكرية الإيرانية بعنف!
أمريكا/ترامب وخلال الساعات القليلة الماضية، منحت إيران أسبوعين إما العودة والجلوس على طاولة المفاوضات أو تلقيها ضربة قاتلة بأم القنابل لتدمير مشروعها ومفاعلاتها النووية، وأوعزت للأوروبيين التفاوض، وما إن بدأ يلوح فى الأفق أمل طفيف بإمكانية إيقاف عجلة الحرب المدمرة، ذات التأثيرات الخطيرة على المنطقة، وتأثيرها العالمى، فوجئ العالم بتوجيه أمريكا ضربتها فجر الأحد 22 يونيو الجارى، بأم القنابل لتعلن رسميا انضمامها لإسرائيل فى الحرب على إيران، فى عملية خداع وكذب أشر، تدفع العالم إلى عدم تصديق الإدارة الأمريكية، وأن وعودها زائفة، ومصداقيتها اندثرت اندثار الديناصورات!
أمريكا/ترامب وجهت ضرباتها بأم القنابل وصواريخ توماهوك، لإذلال دولة كبيرة ذات سيادة، وتعيد تكرار سيناريو ما حدث فى العراق وأفغانستان، وأن ضرب إيران هو رسالة عنيفة تقول إذا لم تخضع لابتزازى، فإن مصيرك الخراب والدمار وتمزيق الأوطان، والتأكيد على أن أمريكا سيدة هذا الكون، وأكبر قوة على سطح الأرض.
لا يهم أمريكا/ ترامب، أن تضع فى حساباتها خطورة العواقب البيئية، الإشعاعية الناجمة عن إلقاء قنبلة تزن 30 ألف رطل على منشأة تخصيب اليورانيوم! ولا يهمها التسريب الإشعاعى من مفاعل فوردو، الذى يبتعد 30 ميلا من مدينة «قم» المقدسة، والتى يطلق عليها «الفاتيكان الشيعى» فى إيران، لما تمثله من قدسية عند المسلمين الشيعة، وإنما ما يعنيها انتهاز الفرصة فى الدمار والخراب وزعزعة استقرار المنطقة!
القصف الأمريكى للمنشآت النووية الإيرانية حدث غير مسبوق وتحول دراماتيكى لإيران، والشرق الأوسط، وإذا اعتقدت أمريكا/ترامب، أنه بعد الضربة قد حان الوقت لإقرار السلام، فهو الوهم ذاته، لأنه من غير الواضح أن يرى الإيرانيون الأمر ذاته؛ وقد تفتح مشاركة أمريكا رسميا فى الحرب، فصلا جديدا للصراع فى المنطقة بشكل عام، وبين أمريكا وإسرائيل من ناحية، وإيران من ناحية ثانية، على وجه الخصوص!
واهم من يعتقد أن أمريكا/ ترامب، وإسرائيل/نتنياهو، سيعيدون رسم خريطة منطقة الشرق الأوسط، بأقلام مدادها دماء البشر، أو هندسة المنطقة على أطلال المدن، وباستخدام الوعود البراقة، والمصطلحات الخادعة، ودفقة رومانسية واحتواء قاتل؛ فالبديل فوضى عارمة، ومخاطر جسيمة تهدد مصالح أمريكا وأوروبا، وثأر ونار كراهية تشتعل ضد كل ما هو إسرائيلى وأمريكى وغربى.
السيناريوهات فى المنطقة، أكثر سوداوية، وصارت الجراح مفتوحة ومتسعة، فى العراق وسوريا ولبنان واليمن وأفغانستان وإيران وغزة، ولا يمكن توقع حجم اشتعال نار الغضب، وإلى أى مدى ستصل إليه، ومن وسط هذه الجراح ستخرج ميليشيات كالأشباح، لا عدد لها ولا آخر، ومن المستحيل السيطرة عليها، وسيرتفع منسوب الانتقام، وإثارة القلاقل وتهديد المصالح الحيوية للدول الكبرى!
الذين يعتقدون أن الضربات الإسرائيلية الأمريكية على إيران فحسب، لا يدركون أنها ضربة لأمن وأمان المنطقة، وأن النتائج كارثية، بجانب أن مصداقية أمريكا/ترامب سقطت فى الوحل، ولن يتمكن البيت الأبيض من أن يكون وسيطا موثوق فيه، ولن تجد وعوده آذانا صاغية، وأن التمرد فى المرحلة المقبلة سيكون سيد الموقف!