كنا نحكي أمام فريد شوقي الحكايات المتداولة عنه فلم يكن ينكرها أو يؤيدها.. كان يضحك معنا وكأننا نتحدث عن كائن آخر.. لم أره أبدًا أو أسمعه يتحدث عن آخرين بشر أو سخرية، ولكنه لم يكن يمنعنا من السخرية التي (يوافق) ضمنيًا عليها فيقول ضاحكًا: (يا راجل).. مش معقول الكلام ده..؟! يحب أن يبدو ساذجًا وأن يكتفي بمعرفة (الحقيقة) لنفسه ومع نفسه.
الحكاية المتداولة عن كيفية جر (أصدقائه) له في لحظة استرخاء إلى البوح (بأسرار) طفولته معروفة بين الكثير من الشلل التي كانت بالقرب من فريد.
كان فاروق الفيشاوي وصلاح السعدني وعمر عبد العزيز وأحيانًا عادل إمام هم دائرته القريبة رغم فارق السن، وكان يحلو لهم (حين يسترخي الملك) أن يدفعوه إلى (الاعتراف) حتى لو أدلوا هم أنفسهم باعترافات تشجعه على ذلك.
كانت الضحكة وتناسي الهموم هي منتهى هذه اللقاءات التي كان يحس معها الملك بأنه ما زال شابًا قادرًا على التواصل مع الشباب، وكانوا يرون فيه مزيج من الأب والأخ والصديق، تجمعهم به علاقة نادرة من الحب والاحترام الذي لا يمنع من التعامل معه كواحد منهم لا يخجلون من البوح بكل ما يشغلهم في (قعدته) التي يحرصون عليها كواجب ليلي مقدس.
وكانت بعض نجمات الجيل أيضًا من أصدقائه المقربين.. حكت لي مديحة كامل (التي اقتربت منها كثيرًا حين كنت مساعدًا لمحمد خان في مشوار عمر)..- وهي نجمة مثقفة شديدة الرقة وخفيفة الظل، وهذا أمر لم يعرفه الكثيرون- حكت أنها كانت تصور مع الملك أحد الأفلام لمخرج شاب يعملون معه لأول مرة وكانت مرتبطة بموعد بعد التصوير الذي امتد لأكثر مما توقعت.. ولما كانت لا تستطيع أن (تضرب) الأوردر أو تعتذر لتغادر موقع التصوير، فقد ظنت أنها يمكن أن (تدفع) الملك إلى إنهاء التصوير، وبالتالي تغادر الموقع بسلام وترمي بكل شيء في حجر الملك الذي لا ترد له كلمة:
- معقولة يا ملك بقالنا ساعة قاعدين وما اشتغلناه؟!
- آه حاجة غريبة فعلاً.. ليه كده؟
- ما هو عشان أنت طيب.. سايبينك وقاعدين يشتغلوا مع شوية عيال كومبارس
- آه.. فعلاً.. دي قلة أدب صحيح.
- طب كانوا عبرونا.. كنا رحنا أي حتة نشرب حاجة ونرجع لهم.
- آه.. فعلاً.. ولا حد بيقول لنا أي حاجة.. ده جيل جديد.. عيال مش متربية صحيح.
- ما هو أنت لو قمت وشخطت فيهم هايحترموا نفسهم أو نمشي كلنا.. ونكمل بكرة.. إحنا بقالنا 10 ساعات هنا.
- هما عشر ساعات؟ لا يا شيخة ماكملناش تمانية لسه بلاش افترا.
- وهما مش 8 ساعات كفاية.. هو إحنا عبيد؟
- آه صح كفاية جدًا.. كمان عشان السن.. مفيش تقدير.
- طيب هاتعمل إيه؟
- هاأقوم حالاً.. دي قلة أدب فعلاً وزادت عن حدها.
- طيب.. أنا مستنية..
ويتظاهر فريد بالانشغال بأي شيء.. بالأكل أو القراءة.. أو حتى الشراب حتى تمضي ساعتان إضافيتان دون أن يستدعيهما المخرج للتصوير.. وتعاود مديحة الحوار السابق الذي يتكرر بحذافيره مع وعد أكيد من الملك أنه سيتحرك لوقف هذه (المهزلة).
وبعد ساعات اللؤم واللؤم المضاد يسمع فريد شوقي صوت المخرج الشاب زاعقًا:
- اتفضل يا أستاذ فريد.. اتفضل يا ملك إحنا جاهزين..
ينتفض فريد شوقي دون تفكير واقفًا ومنتصبًا بحماس مذهل:
- تحت أمرك يا أستاذ.. أنا جاهز..
ومن ثم ينظر إلى مديحة المذهولة التي كانت تظن أن خطتها على وشك النجاح والتي تنظر إليه غير فاهمة ولا مدركة.
- قومي شوفي شغلك وأكل عيشك بلاش كلام فارغ قومي يا بت.
تنهض مديحة وهي تمصمص شفتيها وقد تلقت درسًا في احترام العمل والمهنة.. والأهم أنها تعلمت ألا تثق في ردود فريد شوقي الموافقة دائمًا لكل الناس.. بيريحهم.. أما هو فيظل فريد شوقي.