أحيا الفنان فريد الأطرش آخر حفلاته فى بيروت مساء السبت 31 أغسطس 1974، وليلتها غنى أغنيتيه «زمان يا حب» و «حبايبى يا غاليين» حتى فجر الأحد، وأمطرت السماء فأصيب بالتهاب رئوى، وتحرجت حالة قلبه أكثر فسافر إلى لندن للعلاج، ثم عاد إلى لبنان ودخل مستشفى «حياك» بضاحية «سن الفيل» ببيروت، وفيها لقى وجه ربه يوم الخميس 26 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1974، أثناء العرض الأول لفيلمه الحادى والثلاثين «نغم فى حياتى» فى دور السينما اللبنانية، حسبما يذكر الدكتور نبيل حنفى محمود فى كتابه «فريد الأطرش ومجد الفيلم الغنائى».
أوصى فريد بدفنه فى القاهرة بجوار شقيقته أسمهان فتقرر نقل جثمانه من بيروت، ويذكر نبيل سيف فى مجلة «الأهرام العربى 7 سبتمبر 2016»، أن طائفة الدروز فى لبنان اعترضت على دفنه بمصر، وحضر منهم 400 شخص بالمدافع الرشاشة، فأقنعهم شقيقه فؤاد الأطرش بأنها وصية فريد نفسه، وتم تحنيط جسده فى المستشفى بلبنان طبقا لطقوس الدروز، وودعه حشد هائل بمطار بيروت، ووصل الجثمان إلى مطار القاهرة يوم 28 ديسمبر، وحملته عربة إلى مستشفى المعادى ليظل بها حتى ظهر اليوم التالى «29 ديسمبر» لينتقل إلى مسجد عمر مكرم وتبدأ الجنازة فى الساعة الواحدة ظهرا.
وتذكر «الأهرام» فى عدد 30 ديسمبر، أن ميدان التحرير والشوارع المؤدية منه لجامع عمر مكرم تحول إلى أمواج من البشر منذ الساعة الحادية عشرة والنصف صباح يوم 29 ديسمبر، ولم يستطع الفنانون والفنانات ويوسف السباعى وزير الثقافة الذى أوفده الرئيس السادات لحضور الجنازة الوصول إلى السرادق ولا إلى الجامع لحصاره من كل جانب، وأمام ذلك خرج الجثمان من باب البدروم الخلفى فى الساعة الثانية والربع، وحملته العربة رأسا إلى المدفن بالبساتين، وهناك احتشد مئات من المواطنين لوداعه.
كانت وصية فريد بدفنه فى القاهرة تتويجا لتاريخ عاشه بآلامه وآماله، فحين توفى كان عمره نحو 63 عاما قضى منها أكثر من 50 عاما فى مصر، ومنحه الرئيس جمال عبدالناصر وسام الاستحقاق سنة 1970، وفقا لنبيل حنفى محمود، مضيفا: «قبل أن ينصرم عام 1923 بأيام قليلة، وصلت إلى القاهرة السيدة علياء حسين المنذر، درزية لبنانية تحمل الجنسية السورية، تسحب أطفالها، فؤاد، فريد، أمل «أسمهان»، أبناء فهد بن فرحان إسماعيل الأطرش، ابن عم سلطان باشا الأطرش، قائد ثورة جبل العرب «1922 - 1925»، التى اندلعت قبل ذلك بعام واحد، وجاءت علياء بأبنائها هربا من ملاحقة قوات الاحتلال الفرنسى، التى استهدفت اعتقالهم لكسر شوكة آل الأطرش، الذين كانوا يقودون حربا شرسة ضد الاحتلال الفرنسى»
وفى مساء السبت 19 يوليو 1930 قدم فريد حفله الأولى فى تياترو «برنتانيا بشارع عماد الدين ويذكر «حنفى محمود»، أنه فى مارس 1936 استمع جمهور الإذاعة فى مصر لأغنيته الأولى «باحب من غير أمل»، ثم قدم خلال شهور أبريل ومايو ويونيو من نفس العام أغنيات منها «ياريت تدوق اللى فى قلبى»، و«الشريد»، و«يا نسمة تسرى»، ثم جاءت الشهرة إليه بعد أغنيته الخالدة «ياريتنى طير لأطير حواليك» تلحين وتأليف «يحى اللبابيدى» مساء الأربعاء 29 يوليو 1936.
بعد وفاته بادر محبوه بتشكيل لجنة من أصدقائه ومحبيه لتكريمه، واختارت الموسيقار محمد عبدالوهاب رئيسا لها، وأصدرت كتابا نادرا بعنوان «فريد الأطرش بين الفن والحياة»، ويشمل مقالات مهمة لأسماء فنية وصحفية كبيرة، أبرزها، محمد عبدالوهاب، بليغ حمدى، محمود الشريف، محمد الموجى، وأحمد فؤاد حسن، والصحفى اللبنانى محمد بديع سربيه، وآخرين.
قال «عبدالوهاب» فى مقاله: «أثبت فريد فى أغنيته «يا زهرة فى خيالى» مدى تفتحه على الموسيقى الغربية، ومدى قدرته على التطوير فى الحدود التى لا تخرج موسيقانا عن طابعها الأصلى وإطارها الشرقى، إن هذا الطابع نستطيع أن نجده فى كثير من الأعمال الموسيقية التى تركها، ومعظمها أعمال تستطيع أن تجد فيها الجملة الموسيقية التى تتمتع بالأصالة والجمال والتمييز، وفى الوقت نفسه يمكن الانتفاع بها فى إطار عالمى، وامتدت مساهمته إلى جبهة واسعة جدا شملت كل الألوان من الأغنية القصيرة إلى الطويلة إلى الاستعراضية إلى الشعبية إلى الأوبريتات، ولو أن فريد كان يمتلك موهبة الاستمرار فى المحاولة والإصرار عليها لقدم لنا أعمالا خطيرة فى المسرح الغنائى».
وكتب بليغ حمدى: «كان أسلوب فريد يتميز بالبساطة الشديدة والشعبية التى تحس معها أنك أليف معه ومع ما يغنيه كما لوكنت عشت معه طول عمرك، فريد أعطى الموسيقى الشرقية أفكارا جديدة ومتطورة وممتازة وجريئة لم يعطها أى ملحن آخر معاصر له، ربما من أجل هذا كان مرشحا أكثر من غيره للخروج بالموسيقى الشرقية من المحلية إلى العالمية».
وكتب محمد الموجى: «أثر فريد بموسيقاه فى كثير من الذين عاصروه بشكل أكبر جدا من تأثره هو بالذين عاصروه، كان واحدا من أبرز الذين أحبوا الموسيقى الشرقية وحافظوا عليها».