فتنة الظل والنور.. مشاهد متقطعة من رحلة الفن السابع فى مصر.. حكايات مثيرة فى أرشيف الفن من المقاهى إلى بلاط الملوك.. اشتباك حول أول عرض سينمائى وأغرب الآراء الفنية.. وروائع وصفها أصحابها بـ«الزفت»

الأحد، 06 أبريل 2025 06:38 م
فتنة الظل والنور.. مشاهد متقطعة من رحلة الفن السابع فى مصر.. حكايات مثيرة فى أرشيف الفن من المقاهى إلى بلاط الملوك.. اشتباك حول أول عرض سينمائى وأغرب الآراء الفنية.. وروائع وصفها أصحابها بـ«الزفت» حكايات مثيرة فى أرشيف الفن من المقاهى إلى بلاط الملوك
محمد سالمان - أمنية الموجى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

بالأرقام «المحن والحروب لم تزِد المبدعين إلا إصرارا والإبداع إلا ازدهارا»

متى ظهرت الرقابة على الأفلام؟ ورؤية نجيب محفوظ «مدير الرقابة الأشهر»

القصة العجيبة لميلاد أول فيلم مصرى طويل وعلاقته بالنصب والخداع


تحذير بسيط.. ما سنكتبه مقدمة تقليدية عن بزوغ نجم السينما فى مصر، ربما تكون قد قرأتها على مدار عقودٍ من الزمن فى مجلات وجرائد باختلاف أشكالها وأنواعها.. ومع ذلك سنسردها وليست لأنها "شر" لكن لأنها لابد منها.

فى 28 ديسمبر 1895، وتحديدًا فى مقهى "جران كافيه" شارع كابوسين فى العاصمة الفرنسية باريس، كان العالم على موعد سيغير حياة الملايين بعدما شهد المكان أول عرض تجارى سينمائى أقامه الأخوان "لومير".. هذا السحر الذى خرج من عدسات الكاميرات ولم يتوقف عن أسر القلوب وخطف العقول منذ ذلك الحين.

وصل سحر العروض السينمائية سريعًا إلى شواطئ الإسكندرية فى مصر، إذ كانت تلك المدينة المقر المفضل لمعظم الأجانب على مختلف جنسياتهم، وكان شائعا أن رواية مقهى "زوانى" بشارع رشيد فى الأيام الأولى من شهر يناير 1896 شهدت العرض السينمائى الأول فى مصر أى أنه بعد أقل من أسبوع واحد من عرض الأخوان "لومير" فى باريس، وذلك وفقًا لما ورد فى كتاب "قصة السينما فى مصر"، من تأليف سعد الدين توفيق.

«إسكندرية/هوليوود» جمال من رحم المعاناة

قصة العرض السينمائى الأول فى مصر كانت محل خلاف دائم، حاول أحمد الحضرى، شيخ نقاد السينما فى مصر، تفنيدها فى موسوعته «تاريخ السينما فى مصر»، موضحًا أن المقهى اسمها «زارانى» وليس «زوانى» كما أوردتها عدة صحف حينها، وأنه لا يوجد دليل على كونها محل العرض الأول، بل إن الأدلة تؤكد عكس ذلك وأبرزها أنه لا يفصل تاريخين بين عرض باريس ومصر سوى أيام قليلة، وهذا غير معقول.


وحسب «الحضرى» فإن أول عرض سينمائى فى مصر تم فى يوم الخميس 5 نوفمبر 1896 فى بورصة طوسون بالإسكندرية، عبر مجموعة من الأجانب المقيمين، وفى صالة حمام شنيدر فى القاهرة بتاريخ 28 نوفمبر 1896.

اختلف النقاد والمؤرخون حول موعد العرض السينمائى الأول فى مصر، لكنهم اتفقوا على أن «السينما المصرية» قد قطعت تذكرة الذهاب من محطة الإسكندرية ولم تتوقف حتى صارت «هوليوود الشرق»، ومن هنا رصدنا محطات فى رحلة «السينما المصرية» من بدايتها حتى وقتنا الراهن، لنكتشف المفارقة أن الازدهار كان قرينًا لأوقات الأزمات والمحن على البلاد.

كما وجدنا العديد من الحكايات الغريبة والنودار من أرشيف الفن السابع، الذى سحر الجميع بداية من مرتادى المقاهى وصولا إلى بلاط الملوك، وذلك اعتمادًا على عدة وثائق بعضها ورد فى مشروع ذاكرة مصر المعاصرة، التابع لمكتبة الإسكندرية، وإحصائيات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.

بداية الرحلة والانتشار السريع!

انطلقت رحلة العروض السينمائية من الإسكندرية إلى القاهرة، وما لبثت أن وصلت إلى بورسعيد فى عام 1898 وبعدها المنصورة، حتى ظهرت فى صعيد مصر أخيرا فى 3 يونيو 1908 مثلما ذكر خبر نشرته جريدة مصر عن إقامة عرض سينمائى فى البلينا بمحافظة سوهاج.

وحسب موسوعة «تاريخ السينما فى مصر»، فإن عروض السينما توغرافات- كما كان يُطلق عليها قديما- ظل عددها يزداد عاما بعد عام، وتكونت برامجها من شرائط قصيرة، إخبارية أو روائية أو تسجيلية، وسميت آنذاك بـ«مناظر طبيعية» أو «مناظر فى الهواء الطلق»، وأغلب الشرائط مستوردة من الخارج.

الحدث اللافت أن هناك شرائط تم تصويرها فى مصر، مثل ملعب قصر النيل بالجزيرة، وجنازة مصطفى باشا كامل، الذى رحل عن عالمنا فى 10 فبراير من عام 1908.

مع مرور السنوات الأولى من القرن الماضى، بدأت العروض السينمائية تتبلور بشكل أفضل، وانتقلت من مرحلة العرض بشكل تكميلى فى المسارح إلى وجود دور عرض مخصصة لها، وبدأت بالانتشار بالفعل.

جاء عام 1918 ليحمل خبرًا مهمًا للإنتاج السينمائى فى مصر، بعدما أصبح محمد كريم أول ممثل سينمائى مصرى، إذ ظهر فى أحد الأدوار فى كل من الفيلمين القصيرين «شرف البدوى» و«الأزهار المميتة» اللذين قدمتهما شركة سينمائية إيطالية.

مع عام 1919، ظهرت محاولات عدة لتكوين المواطنين المصريين جمعيات وشركات للوصول إلى إنتاج سينمائى برؤوس أموال مصرية، لكن أغلبها لم يستمر طويلا وكانت تختفى أخباره، إذ اعتمد الإنتاج السينمائى خلال هذه الفترة على الأجانب بشكل رئيسى حتى لو كان هناك محاولات لإنتاج أفلام قصيرة مصرية لكن صناعها أجانب أيضًا.

يُحدد أحمد الحضرى 11 يوليو من عام 1923 لميلاد أول فيلم مصرى روائى طويل، وهو فيلم «فى بلاد توت عنخ أمون»، من إنتاج وإخراج المخرج الإيطالى المقيم فى مصر فيكتور روسيتو، ومن تصوير محمد بيومى الذى يعتبر رائدا للسينما المصرية، فهو أول مصرى يقف وراء آلة التصوير كمصور ومخرج.


المؤرخ السينمائى أحمد الحضرى

وبعد عرض «فى بلاد توت عنخ أمون» وغيره من الإرهاصات والمحاولات، بدأت فكرة وجود إنتاج سينمائى مصرى تتبلور أكثر، فيأتى عام 1925 معلنًا عن تأسيس بنك مصر لشركة جديدة تتبعه «شركة مصر للتمثيل والسينما»، حينها بدأت المحاولات المصرية للإنتاج السينمائى تتبلور بشكل أكثر جدية فى عام، مع العلم أن هذه الشركة لم تبدأ مستقلة فى عملها، بل كانت مجرد قسم للسينما تابع لشركة إعلانات مصر إلا أنها خطوة للأمام على أى حال.

مقامر تركى.. وأجمل خدعة فى تاريخ السينما

يأتى عام 1927 ليشهد العرض الثانى للأفلام الروائية الطويلة، وسيحدث خلاف آخر بين مؤرخى السينما المصرية، هل كان هذا الفيلم «ليلى» أم أنه فيلم «قبلة الصحراء»، وعلى كل حال هناك قصة لطيفة تستحق أن تروى بخصوص فيلم «ليلى»، وأن ننحى مسألة ترتيبه التاريخى حاليًا.

القصة كما وردت فى موضوع نشرته مجلة الهلال فى 1 أكتوبر من عام 1956، أن وداد عرفى مقامر تركى وصل إلى القاهرة عام 1935، وأضفى على نفسه حالة من الدعاية، وقال: إنه مخرج من كبار مخرجى السينما، والحقيقة أنه كان قد قضى مدة من الزمن فى ألمانيا زار فيها الاستوديوهات وشاهد الكاميرا وهى تدور، وهذه كل معلوماته عن السينما، والدليل على ذلك فشله المتعدد. ويشير التحقيق إلى أن فضل «وداد عرفى» يبقى على السينما العربية حقيقة واضحة، فإن نشاطه ومحاولاته الفاشلة أدت إلى أول الأفلام المصرية الطويلة.

تتمثل قصة وداد عرفى فى لقائه راقصة تركية جميلة اسمها إيفانز، وكانت على صلة بشاب ثرى، واتفق معها على إخراج فيلم وأخذ يصوره بضعة أشهر، ويبتز منها نقود صديقها وطال ابتزازه حتى كاد صديق الراقصة يُفلس، وتدخلت عائلته وكانت لها نفوذ واسع، واستصدرت قرارا بمغادرة الراقصة أرض مصر فى مدة لا تتجاوز الثلاث ساعات، وسافرت الراقصة ولم تعد، وظل الفيلم دون أن يتم.

يوضح التحقيق أن عزيزة أمير، الممثلة الأولى للمسرح أيضًا، وقعت فى فخ وداد عرفى، بعدما اتفقت على أن يُخرج لها فيلما عن مسرحية «نداء الله» على أن يتقاضى ثلث الأرباح، وأنفق ستة أشهر فى التصوير، وعند عرض الفيلم ظهر أنه لا يمت للفن بصلة وبعد أن دفعت فيه عزيزة أمير الكثير من أموالها وأموال زوجها أحمد الشريعى عمدة سمالوط، واختلفت مع وداد عرفى وأووقفت العمل، وبعد بضعة أسابيع اتفقت مع الممثل الشهير استيفان روستى، وكان قد درس السينما فى باريس، واتفقا على إعادة إخراج الفيلم وتصويره من جديد، وتم عرض الفيلم فى 16 نوفمبر 1927 بدار سينما متربول تحت اسم «ليلى» وسجل نجاحا كبيرًا.

وقبل أن نغلق صفحة وداد عرفى، علينا الإشارة إلى أنه تسبب فى أزمة أخرى شهيرة فى تاريخ السينما المصرية، وتحديدًا فى عام 1926 بعدما اتفق مع الممثل الكبير يوسف وهبى على تجسيد دور النبى فى فيلم من إنتاج شركة ماركوس الفرنسية، ورغم حالة الشد والجذب وما نشرته الجرائد حينها، لكن الخلاصة أن المشروع لم يتم بسبب اعتراض رجال الأزهر الشريف على الفكرة من الأساس، لكن زاد الجدل بعدما نشرت جريدة الأهرام أن «وداد» ليس مسلمًا، إنما يهوديًا، وهو ما لم يكن معروفا حينها، رغم إقامته فى مصر قبل هذا التاريخ بثلاث سنوات.

من المقاهى إلى بلاط الملوك

مع عام 1930، يمكن القول إن السينما بدأت تغزو المجتمع المصرى بشكل أكبر، وتم إنتاج عدة أفلام أشهرها فيلم «زينب»، وقد وصلت العروض السينمائية إلى البلاط الملكى، بعدما كانت تعرض فى المقاهى، وباتت من الأشياء المحببة لملك البلاد بذات نفسه.

غرام الملوك والرؤساء بالسينما
غرام الملوك والرؤساء بالسينما

وفقًا لما نشرته مجلة الهلال، بتاريخ 1 أغسطس 1930، بعنوان: «غرام الملوك والعظماء بالسينما»، يتحدث عن ولع ملك مصر المعظم أحمد فؤاد الأول بفن السينما، مدللا بأن البلاط الملكى فى كل القصور الملكية أعد قاعة خاصة لعرض أشرطة السينما الفاخرة التى تستحضر من كبريات شركات الإخراج فى العالم، وجلالته يعنى برؤية هذه الأشرطة ونقدها نقد الخبير العارف لأصول فن السينما وقواعده، وقد لا تمر ليلة دون أن يشاهد فيها جلالة الملك شريطًا من الأشرطة، فإن حاز رضاه استمر جلالته فى متابعة مشاهدته وإلا ترك قاعة العرض قبل النهاية.

السينما تزلزل عرش المسرح

دارت عجلة الإنتاج السينمائى فى مصر بشكل جيد حتى بدأت المخاوف من إزاحة السينما للمسرح من عرشه، وفى تقرير نشرته مجلة كل شئ والدنيا فى 4 سبتمبر عام 1935، تحدث يوسف وهبى عن الفارق بين السينما والمسرح، ويقول: إن جمهور اليوم جمهور مضطرب سريع الحركة قلق المزاج، خاصة بعد الحرب العالمية، فهو ينزع بلا ريب إلى المسليات السريع والحركة القوية والحبكة، فإذا ما رغب فى تمضية ليلة سارة مفعمة بالبهجة والتنوع والانشراح، فالسينما تفضل على المسرح.

السينما تزلزل عرش المسرح
السينما تزلزل عرش المسرح


يضيف يوسف وهبى: «وما دام هدفنا نشر الثقافة بطريقة جذابة يقبل عليها الجمهور بشغف وحب، فعلينا أن نلجأ إلى السينما، فهى محط أنظار الجماهير».
جدل السينما أم المسرح سيظل مستمرًا لسنوات أخرى قبل الاعتراف بأفضلية السينما على الصعيد الجماهيرى، وبحسب ما نشره فى مجلة الهلال فى 1 مارس 1948 على لسان المنتجة والممثلة الشهيرة مارى كوينى: «منذ سنين قلائل لم يكن فى مصر إلا دار واحدة فى السينما، بينما كانت هناك دور كثيرة للمسرح، ولكن المشاهد الآن أن الآية قد انعكست فكثرت دور السينما، وانتشرت فى كل مكان، بينما قلت المسارح إلى حد كبير لافت للنظر».
 

رحلة «هوليوود الشرق» بالبيانات

الآن استقرت السينما على عرش الفن فى مصر، وأزاحت كل من حولها على الصعيد الجماهيرى، لذا حان وقت التخطيط أو الحلم بمستقبل أفضل، وهذا ما عثرنا عليه فى مقال لافت للنظر نشر فى مجلة الهلال فى 1 يناير 1950 بعنوان «السينما بعد خمسين عامًا» لكاتبه أنور أحمد.

فى المقال يغمض الأستاذ أنور أحمد عينيه، وينطلق إلى المستقبل، ينظر إلى المنشآت الكثيرة المتشابهة التى تتناثر على جانبى الطريق المؤدى إلى الأهرامات. إنها استديوهات السينما، وبجوارها منازل النجوم والنجمات. وتصير تلك المنطقة كما يصفها بـ«مدينة السينما» أو هوليوود الجديد أو هوليوود الشرق.
السينما بعد خمسين سنة

السينما بعد خمسين سنة


فى المقال أيضًا يرسم الكاتب صورة للمستقبل فى مخيلته على صعيد تطور الإنتاج المصرى من كل المناحى، سواء تقنيات الإخراج أو المكياج أو الديكورات، ووجود قدرات أكبر على إنتاج أفلام مثل الرسوم المتحركة، ويكون أبطالها من الشخصيات المصرية الخالصة، وتقديم أعمال تاريخية من العصر الفرعونى، وغيرها من الأمور ذات التكاليف الإنتاجية الضخمة.

الآن.. بعد مرور 75 عامًا على كتابة هذا المقال، هل يمكن القول إن أحلام الأستاذ أنور أحمد المنشورة على صفحات مجلة الهلال قد تحققت؟ أم أنها تعثرت فى طريقها مع مرور البلاد منذ ذلك الحين وقبله بعواصف وحروب واضطرابات كبرى؟

الإبداع من رحم المعاناة

وفقًا للتقارير الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، فإن العمل السينمائى فى مصر ولد من رحم معاناة المصريين، الذى انطلق عام 1927، وخلال الـ7 سنوات الأولى وحتى عام 1933 لم يتم عمل سوى 7 أفلام عرضت فى 188 دار عرض فى مصر أى بنسبة فيلم واحد عن كل عام.

البدايات وخطوات الطفل 

العقد الثانى من نشأة السينما، يمكن وصفه بـ«خطوات الطفل» متعثرة لكنها للأمام، وقد تم تشييد استوديو مصر عام 1934 مما جعله نقطة تحول، وازداد إنتاج العمل السينمائى ليصل إلى 99 فيلمًا خلال العشرة أعوام من 1933 إلى 1943 وازدادت دور العرض فى مصر لتصبح 244 دار عرض.

وفى الثلاثينيات، بدأت السينما تعرف طريقها إلى المجتمع المصرى بصورة أكثر جدية، وتكتسب أهمية المسارح والحفلات الموسيقية خاصة مع اتجاه نجوم المسرح الكبار، مثل نجيب الريحانى وعلى الكسار إلى السينما، وتقديم أفلام كوميديا لها طابع جماهيرى، وكذلك اتجاه نجوم الغناء والطرب إلى التميل، مثل المطرب الشاب آنذاك محمد عبدالوهاب، والوجه الجديد ليلى مراد.

وفى العقد الثالث للسينما المصرية، الذى جاء من 1943 إلى 1953، بدأت الأمور تأخذ منحنى تصاعديًا، رغم أن هذه الفترة شهدت حرب 1948 وثورة 23 يوليو 1952، ليتم إنتاج 322 فيلمًا سينمائيًا ما بين التراجيدى والكوميدى، يتم عرضها فى 360 دار عرض بنسبة تزيد عن العقد السابق بما يزيد عن 300%.



 

كل أفلامى زفت.. وارتفاع معدل الإنتاج

وفى الأربعينيات ارتفع معدل الإنتاج السينمائى من 9 أفلام فى العام لتصل إلى 16 فيلما فى 1945، وذلك بالرغم من إلقاء الحرب العالمية بظلالها خلال الفترة من سبتمبر 1939 إلى سبتمبر 1945، وتأثيراتها من صعوبة استيراد المواد اللازمة فى عملية إنتاج الأفلام.

سيتألق خلال المرحلة نجوم، أمثال ليلى مراد ويوسف وهبى وتحية كاريوكا وحسين صدقى وأنور وجدى، وسيظهر تأثير مخرجين أمثال نيازى مصطفى وهنرى بركات، ومؤلفين مثل أبوالسعودى الإبيارى.

كما سيبرز دور «توجو مزراحى»، وهو مخرج ومنتج وسيناريست مصرى من أصل إيطالى، ويعتبر من أعمدة صناعة السينما فى مصر ومكتشف أبرز نجومها.

ومن نوادر الأرشيف تصريح لـ«مزراحى» فى 2 نوفمبر من عام 1942 نشرته مجلة «الاثنين والدنيا» يقول فيه: «أقول لجميع أصحاب السينما والتجار، وكل من له اهتمام بالأفلام، إنى من سنة 1930، وهى السنة التى بدأت فيها بإنتاج الأفلام حتى اليوم، لم أنتج فى نظرى فيلمًا عظيما أو متوسطًا، بل إن جميع الأفلام التى أنتجتها كلها زفت، فى رأيى أنا». وقد كان هذا التصريح ضمن بيان لـ«مزراحى» يسرد فيه أسباب تجعله غير راض عن أعماله الفنية، رغم توافر كل الإمكانيات فى مصر آنذاك من وجهة نظره.
بيان توجو مزراحى

بيان توجو مزراحى

 

غزارة إنتاج تتحدى العدوان!

 

أمّا العقد الرابع للسينما فقد واكب أحداث عدة، أبرزها العدوان الثلاثى على مصر عام 195، ورغم ذلك ارتفع رصيد الأعمال إلى 529 فيلمًا خلال الـ10 سنوات من 1953 إلى 1963 أى بما يزيد عن العقد الأول للسينما بـ430 فيلمًا، وبعدد ما يقرب من 53 فيلمًا فى العام الواحد، يتم عرضها فى 260 دار عرض مصرية.

شهدت فترة الخمسينيات غزارة إنتاجية غير المسبوق، وأفلاما متنوعة ما بين أعمال غنائية بطولة نجوم أمثال محمد فوزى وفريد الأطرش، وظهور المغنى الشاب عبدالحليم حافظ فى الصورة مع عرض فيلمه الأول «لحن الوفاء» عام 1955.

بالنسبة للعدوان الثلاثى على مصر، فقد كان تأثيره واضحًا فى إنتاج أفلام كوميديا لها طابع سياسى إلى حد كبير، وكان من أهم نجومها إسماعيل ياسين، وأعماله الترويجية للمؤسسة العسكرية.

أول خبر للرقابة

كما شهد عام 1955 حدثا لافتًا بعد ظهور قانون جديد للرقابة على السينما يتكون من مادة واحدة تقضى بمراعاة الآداب العامة والنظام العام، وهذا يجعلنا نعود للأرشيف الذى يشير إلى أن أول خبر عن الرقابة على السينما كان فى 5 مايو من عام 1911.

وفقا لما نشرته جريدة لايفورم، فإن محافظة القاهرة، بقيادة هارفى باشا، أصدرت منشورًا دوريًا إلى مأمورى الأقسام بضرورة الإشراف بكل دقة على ما تعرضه صالات السينماتوغراف، وإبلاغ المحافظة فورًا عن كل عرض يتنافى مع الأخلاق أو النظام العام، وذلك بحسب ما ورد فى موسوعة «تاريخ السينما فى مصر».
 

الرقيب نجيب محفوظ

بالتأكيد «التنافى مع الأخلاق والنظام العام» هو مصطلح فضفاض لا يزال يستخدم حتى عصرنا الحالى.. فما هى الحدود الواجب اتباعها من وجهة نظر المبدعين؟

المثير أن أحد ممن أجابوا عن هذا التساؤل هو الأديب الكبير نجيب محفوظ، الذى شغل منصب مدير الرقابة على السينما فى وقت من الأوقات، وفى حديث نشرته له مجلة الهلال فى 1 يناير 1957 يقول: «إنى أعتقد أن الأصل فى الفن هو الإباحة لا التحريم، ولا بد أن يكون الفن بناءً لا هدامًا، ومن ثم كنت ألجأ إلى التسامح فى حدود أغراض الدولة الثقافية».



ويضيف: «أحب أن تعرف أن دستور العمل لدينا هو خطبة السيد ثروت عكاشة فى افتتاح أول مجلس إدارة لمؤسسة دعم السينما، وأن يد الإدارة لا تمتد  للتعديل أو القطع أو المصادرة وإلا أنا كاره، لكننا نعمل دائمًا على رعاية الآداب، وحماية أمن الدولة، وصيانة مصالح الدولة العليا»، مضيفًا: «إذا توخى المنتجون السينمائيون الحذر مما سبق أن أشرت إليه فى هذا الحديث، أمكن لنا الحصول على فيلم جيد نظيف».

إسهامات لا تُنسى.. أديب نوبل ويوسف شاهين

استمرت السينما فى الازدهار خلال العقد الخامس فى الفترة من عام 1963 إلى 1973، وتم إنتاج 422 فيلمًا رغم عدم توافر الأدوات اللازمة للتصوير والإنتاج الفنى بسبب نكسة 1967 وبعدها حرب الاستنزاف، وتم عرض هذه الأفلام فى 105 دور عرض.

كان من أعلام تلك الحقبة الأعمال المأخوذة عن كتاب وروائيين بارزين، على رأسهم بكل تأكيد أديب نوبل نجيب محفوظ، ويوسف إدريس، ووجود مخرجين لهم بصمتهم، وصلت أعمالهم للعالمية مثل يوسف شاهين ورائعته فيلم الناصر صلاح الدين.

سنجد أفلاما خالدة فى هذه الفترة، مثل «باب الحديد» هو أول فيلم مصرى يرشح للأوسكار عام 1958 فى نسخته الـ1، و«الحرام»، و«القاهرة 30»، و«الزوجة الثانية»، و«شىء من الخوف»، وذلك من إبداع مخرجين كبار مثل هنرى بركات، وصلاح أبوسيف، وحسين كمال، وكمال الشيخ. 



أمّا بالنسبة لفترة ما بعد النكسة يونيو 1967 على وجه الخصوص فقد ظهرت أفلام ذات طابع كوميدى، وصفها مؤرخو السينما بأنها كانت محاولة إلى تقديم التسلية والهروب من وضع البلاد المؤلم.

السبعينيات.. ما بعد النكسة والانتصار

ومع انتصار أكتوبر 1973، شهد العقد السادس للسينما صعودًا فى الإنتاج ليصل إلى 460 فيلمًا خلال العشر سنوات وحتى عام 1983 تعرض فى 87 دار عرض أى بمعدل 46 فيلمًا خلال العام الواحد.


تنوعت الأفلام خلال هذه الفترة ما بين أعمال تبرز تأثير نكسة يونيو على المجتمع المصرى، إضافة إلى المقدمات التى أدت لهذه الهزيمة، مثل «إحنا بتوع الأتوبيس» و«الكرنك» و«زائر الفجر»، وبعضها منع من العرض قبل أن يسمح بتداولها فى وقت لاحق مع تغيير الظرف السياسى فى البلاد، إضافة إلى ذلك تم تقديم أفلام توثيق نصر أكتوبر مثل «الرصاصة لا تزال فى جيبى».



وإجمالاً، شهد العقد السابع للسينما ازدهارا فى إنتاج الأفلام لتصبح الأكبر عددًا منذ بدايتها فى مصر، لتصل إلى 574 عملًا سينمائيًا يعرضون فى 60 دار عرض فقط، ليكون هذا العقد مليئا بأكبر عدد أفلام فى أقل عدد دور عرض، مع الإشارة إلى أن حجم الإنتاج بلغ فى السبعينيات والثمانينيات فى العام نحو 120 فيلما.
 

زمن المقاولات الجميل وتجارب جادة 

مع نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات فى الفترة من 1983 حتى 1993، بدأت ظاهرة «أفلام المقاولات» فى الانتشار، وهى أعمال ضعيفة لا قصة فيها ولا حبكة تعتمد على الجانب الكوميدى من أجل اجتذاب أكبر شريحة من الجماهير وتحقيق الإيرادات، إلا أنه وسط هذا المهرجان كانت هناك تجارب جادة لجيل جديد من المخرجين كـ«خيرى بشارة، وعلى بدرخان، وداوود عبدالسيد، وبشير الديك، ويسرى نصرالله، وعاطف الطيب، ومحمد خان».

ومن عناوين الأفلام البارزة المنتمية لتلك الحقبة «الحريف» و«الأفوكاتو» و«خرج ولم يعد» و«ملف فى الآداب» و«البرىء» و«زوجة رجل مهم» و«أحلام هند وكاميليا»، و«يوم مر ويوم حلو».

شهد العقد الثامن من الفترة 1993 إلى 2003، انخفاضًا فى أعداد الأعمال السينمائية، ليتم إنتاج 360 فيلمًا فقط خلال الـ10 سنوات فى 80 دار عرض، بأقل 200 فيلمًا عن العقد السابق.

«إسماعيلية رايح جاي» وروائع أخرى

رغم قلة الإنتاج فى سنوات التسعينيات نسبيًا مقارنة بما سبق، فإنها شهدت تجارب فنية جادة فى ظل استمرار الجيل الجديد من المخرجين، الذين ظهروا فى الثمانينيات، ومعهم شريف عرفة الذى بزغ نجمه فى التسعينيات، ومن عناوين الأفلام البارزة خلال هذه الفترة على سبيل المثال لا الحصر «أرض الخوف» و«عرق البلح»  و«الإرهاب والكباب».



ومع وجود تلك التجارب المختلفة، كانت هناك مساحة للأفلام الكوميدية من بطولة النجوم الشباب، منها فيلم «إسماعيلية رايح جاى» الذى حقق نجاحًا جماهيريا كبيرًا، وقيل وقتها إنه غير البوصلة نحو ما يعرف بـ«السينما النظيفة»، وهذا ما سيحدث جدلا كبيرًا لسنوات أخرى ما بين مؤيد لهذا الاتجاه ومعارض يعتبره بمثابة قيد على الإبداع.  



ومع العقد التاسع خلال الفترة من 2003 إلى 2013 زادت الأعمال السينمائية بنسبة بسيطة، فتم إنتاج 342 فيلمًا أى بأكثر من العقد السابق بـ12 فيلمًا، وازدادت دور العرض لتصبح 175 دار عرض.

وخلال الفترة من 2000 إلى 2010 سيظهر جيل جديد من النجوم الشباب مقدمين أعمال مختلفة، وإن غاب عن أغلبها البعد الاجتماعى ومناقشة القضايا الشائكة إلى حد ما باستثناء عدد من التجارب، وكانت أعمال الكوميديا الغالبة وأشهرها «فيلم صعيدى رايح جاى» بطولة محمد هنيدى، وعدد آخر من النجوم الشباب وقتها، الذين سيسطروا على صدارة الشاشات لسنوات أخرى.

ظهور المنصات وتغيير فى المعادلات

وفى الفترة من 2013 إلى عام 2023 أى العقد العاشر فى تاريخ السينما، فقد سجلت إنتاج 380 فيلمًا بزيادة عن العقد السابق له
بـ40 فيلمًا، وازدادت دور العرض إلى 360 دار عرض.

وبعيدًا عن تقييم الأفلام على الصعيد الفنى وتصنيفها، سواء اجتماعية أو كوميدية أو غيرها، فقد كان لظهور المنصات الرقمية وانتشارها بين أبناء الشعب المصرى، خاصة جيل الشباب، تأثير كبير على معدلات العمل السينمائى وطبيعتها، فى ظل سهولة متابعة الأعمال العالمية أكثر من أى وقت، مما جعل صناعة الأفلام المحلية أمرا ليس بالهين، ويحتاج لتجاوز تحديات كبرى لاجتذاب شرائح مختلفة من الجمهور، الذى لن يرضى إلا بجودة محددة.



 


 

 







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة