تحل، اليوم الأربعاء 16 أبريل الذكرى 1384 عامًا على فتح المسلمين لمصر، فى عام 641 ميلادية – 22 هـ، فى حدث تاريخى غيّر مجرى حياة المصريين، وأنهى حقبة الحكم البيزنطى، ليبدأ عهدا جديدا تحت راية الدولة الإسلامية، بقيادة القائد العربى عمرو بن العاص، وبأمر من الخليفة عمر بن الخطاب، ثانى الخلفاء الراشدين.
جاء الفتح بعد استكمال المسلمين السيطرة على الشام وبيت المقدس، حيث اقترح عمرو بن العاص التوجه إلى مصر، التي كانت حينها خاضعة للحكم البيزنطي، ومع سقوط حصن بابليون، أحد أهم القلاع العسكرية في ذلك الوقت، انهار الوجود البيزنطى فى مصر، ليبدأ فصل جديد من تاريخ البلاد، كان عنوانه الدعوة الإسلامية وانتشار الإسلام فى أفريقيا.
لا يُعد فتح مصر مجرد انتصار عسكري، بل هو تحوّل حضاري شامل، أفضى إلى إعادة تشكيل هوية البلاد سياسيًا وثقافيًا ودينيًا، إذ أصبحت مصر لاحقًا مركزًا مهمًا للعلم والدعوة والفكر الإسلامي، وانطلقت منها فتوحات أخرى نحو شمال أفريقيا.
وقد لعب عمرو بن العاص دورًا مفصليًا بعد الفتح، حيث أسس مدينة الفسطاط كأول عاصمة إسلامية فى مصر، وشيّد جامع عمرو بن العاص، أقدم مسجد فى أفريقيا، والذى ما زال قائمًا حتى اليوم، ورصد عدد من كبار المؤرخين هذا الحدث التاريخى فى مؤلفات خالدة أصبحت اليوم مرجعًا لا غنى عنه لدراسة الفتح الإسلامي لمصر، ومن أبرز هذه المؤلفات:
"الخطط المقريزية" للمؤرخ تقى الدين المقريزى، الذى رصد فيه تفاصيل النواحى العمرانية والدينية والاجتماعية فى مصر ما بعد الفتح، حتى بدايات القرن العاشر الهجري، كذلك رصد "النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة" لابن تغري بردي، وهو موسوعة تاريخية ضخمة أحوال مصر منذ الفتح وحتى نهاية الدولة الأشرفية، كما وثق كتاب "فتح مصر والمغرب" لعبد الرحمن بن عبد الحكم، ويُعد من أقدم الكتب التى تناولت الفتح الإسلامى لمصر، لدوافع الحملة وتفاصيلها الدقيقة، إلى جانب خلفية تاريخية منذ عهد النبى إبراهيم ويوسف عليهما السلام، ودوّن كتاب "بدائع الزهور في وقائع الدهور" لابن إياس، التاريخ العام لمصر، واهتم بتفاصيل الحياة اليومية والسياسية، وكرّس جزءًا كبيرًا منه لرصد أثر الحكم الإسلامي.
لم يتوقف تأثير الفتح الإسلامي عند الجانب السياسي، بل تحولت مصر إلى مركز ثقافي وروحي مهم في العالم الإسلامي، ومنها انطلقت حركة علمية واسعة، وبرزت دور الأزهر لاحقًا كمنارة للعلم والدعوة، فضلاً عن مساهمة مصر فى نشر الإسلام فى القارة السمراء، وبعد مرور أكثر من 13 قرنًا، لا يزال هذا الحدث حاضرًا فى ذاكرة الأمة، باعتباره نقطة تحوّل جوهرية فى هوية مصر وتاريخها وموقعها فى العالم الإسلامى.