د. عبد الحليم إبراهيم كرسون

معوقات المداومة على العمل الصالح بعد رمضان

الأحد، 13 أبريل 2025 01:20 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

يُعَدُّ شهرُ رمضانَ موسمًا كريمًا عظيمَ البركة، أقبلَ فيه الإنسانُ على ربِّه بالطّاعةِ والعبادة، صامَ نهارَه، وقامَ ليلَه، وتلا القرآنَ الكريمَ، وتصدَّق، ووصلَ الأرحامَ، وسعى في قضاءِ الحوائجِ، وتطهَّر بالزكاةِ. لم يترك بابًا من أبوابِ الخيرِ إلا وطرقه، ولم يُتِحْ للشيطانِ سبيلاً إلى قلبِه؛ فتركَ اللغوَ، والرّفثَ، والكذبَ، والنّفاقَ، كلُّ ذلك ابتغاءَ وجهِ الله تعالى.

فكم من أيدٍ رُفعت، ودموعٍ ذُرِفت، ودعواتٍ صدَحت، وأجسادٍ تعِبت! فلا يليقُ بعد هذا كلِّه أن تنتكسَ فطرةُ المؤمنِ، أو أن يعودَ إلى ما كان عليه قبلَ رمضان من سُوءِ الخصالِ وذميمِ الأفعال.
إلَّا أنَّ المتأمِّلَ في حالِ بعضِ الناسِ يرى أنَّ هناكَ جملةً من الأسبابِ التي قد تَحولُ دونَ الاستمرارِ في الطّاعةِ، وتدفعُ إلى التراخي والفتورِ، بل وربّما العودةِ إلى المعصية.
نعم، ثمّةَ معوِّقاتٌ عدَّةٌ تعترضُ طريقَ المداوَمةِ على الطّاعةِ، ومن أبرزِها:
اتِّباعُ خطواتِ الشَّيطانِ:
إنَّ الشيطانَ – ذاك المخلوقُ الذي تكبَّرَ على أمرِ اللهِ، فعوقِبَ على كِبرِه، وجُرِّدَ من الجنَّةِ، وأُبدلَ جمالُه قُبحًا – لا يزالُ يَسعى لإبعادِ الإنسانِ عن ربِّه، ويُفسِدُ عليه عبادتَه، وهو الذي أقسم بعزَّةِ الله تعالى أن يُغوي بني آدم، فقال: "وعِزَّتِكَ لا أبرحُ أُغوي عبادَك ما دامَتْ أرواحُهم في أجسادِهم"، فقال اللهُ تعالى:
"وعِزَّتي وجلالي لا أزالُ أَغفرُ لهم ما استغفَروني".
أو يجعله لا يداوم على العبادات التي تجعل الله يحبه ويتجاوز عن سيئاته، فالشيطانُ يعلمُ حديثَ رسولِ الله ﷺ: "الصَّلَواتُ الخَمسُ، والجُمعةُ إلى الجُمعةِ، ورمضانُ إلى رمضانَ، كفَّاراتٌ لما بينَهنَّ، إذا اجتنِبَتِ الكبائرُ"؛ ولذا يسعى بكلِّ وسيلةٍ ليمنعَ المؤمنَ من المداوَمةِ على هذه العباداتِ أو المُواظبةِ عليها؛ ولذلك يجب على الإنسان أن يكون محاربًا همامًا في مواجهة الشيطان.
وقد بيَّنَ النبيُّ ﷺ أنَّ الاستمرارَ على العملِ الصّالحِ وسيلةٌ لدحرِ الشيطان، لا سيّما الصّيام، فقال: "إنَّ الشَّيطانَ يجري من ابنِ آدمَ مَجرى الدمِ، فضيِّقوا مَجاريه بالجوعِ والعطشِ".
فما الذي يمنعُ المؤمنَ من أن يداومَ على الصيامِ في غيرِ رمضانَ؟! فذلك ممّا يُضيِّقُ على الشيطانِ مجاريه، ويُفشِلُ خططه في الإغواء.
كما أنَّ الذكرَ الدائمَ للهِ تعالى سلاحٌ فعّالٌ في وجهِ الشيطان، فقد قال النبي ﷺ: "إنَّ الشَّيطانَ جاثِمٌ على قلبِ ابنِ آدم، فإذا ذَكَرَ اللهَ خنسَ، وإذا غفَلَ وسوسَ"، فلْيُكثِرِ المؤمنُ من الاستعاذةِ باللهِ والذِّكرِ الدائم.
٢- فَسادُ النَّفْسِ أو بِمعْنَى آخَر عَدَمُ تَربِيَةِ النَّفْسِ الإنسانيَّةِ على الطّاعةِ والعملِ الصّالِحِ.
إنَّ التَّربِيَةَ هِيَ مَجْمُوعَةٌ مِنَ المَعارِفِ والخِبراتِ المُكتَسَبَةِ، التي يُنقَلُ محتواها من فَردٍ إلى آخرَ أو مِن جِيلٍ إلى جِيلٍ، وإنَّ التَّربِيَةَ الصَّالِحَةَ من أهمِّ أَهْدافِها، إذ تهدفُ إلى الحفاظِ على بِنَاءِ شَخْصِيَّةٍ سَلِيمَةٍ تُساهِمُ في بِنَاءِ مُجتَمَعَاتٍ صالِحَةٍ نافِعَةٍ.
فما الذي سيَحدثُ لو وُجدَ مُجتَمَعٌ يَخلو مِنَ التَّربِيَةِ على الأخلاقِ والقِيَمِ والمَبادِئ؟ فَالحَقيقَةُ أَنَّ الجرائمَ والفَوضَى والمعاصِي والآثَامَ ستَسودُ بلا ريبٍ، وسيَكونُ عَمَلُها فوضى عارِمَةً؛ لِذَلِكَ، حرَصَ الإِسلامُ على تَربِيَةِ نَفْسِ الإنسَانِ حتى تَسْتَقِيمَ الحَياةُ.
وكما أنَّ التَّربِيَةَ مِن أهمِّ الأمورِ التي أسَّسَها الدِّينُ الإِسلامِيُّ، خاصَّةً تَربِيَةَ النَّفْسِ، فإنَّ النَّفْسَ في الإنسَانِ هِيَ مَظْهَرُهُ وهَوَاهُ ورغَبَاتُهُ وشَهَواتُهُ.
فَالنَّفْسُ تَرَى بِالعَيْنِ، وتَسْمَعُ بِالأُذُنِ، وتَحِسُّ بِالجِلْدِ، وتَتَذَوَّقُ بِاللِسَانِ.
وهذهِ الإدْراكاتُ في مَجمُوعِها تُسَمَّى النَّفْسَ الإنسَانيَّةَ؛ فإذا أَخَذَ اللهُ الرُّوحَ، انقَطَعَتْ هذهِ الإدْراكاتُ، وماتَتِ النَّفْسُ، كما جاءَ في قولهِ تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185].
تَقَلُّبَاتُ النَّفْسِ:
لِلنَّفْسِ أحْوالٌ وتَغَيُّراتٌ وتقَلُّباتٌ، ولذلك حَقَّقَ القُرآنُ ذلكَ في قولهِ تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ" [الرَّعْد: 11].
وقد تَضِيقُ النَّفْسُ وقد تَتَسعُ؛ قال تعالى: "حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحَبَتْ، وَضَاقَتْ عَلَيْهِم أَنْفُسُهُمْ" (التَّوْبَةُ، الآيةُ 118).
وَتَمُرُّ النَّفْسُ الإِنسَانِيَّةُ بِمَراحِلَ تُتَمَيَّزُ فيها بصفاتٍ سَبْعٍ: الأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ، واللَّوَّامَةُ، والرَّاضِيَةُ، والْمَرْضِيَّةُ، والْمُلْهِمَةُ، والمُطْمَئِنَّةُ، والكَامِلَةُ.
ولَنْ يَخلُوَ مُجتَمَعٌ مِن وَاحِدَةٍ مِن هذِهِ النَّفُوسِ، إلَّا أُركِّزُ هنا على أَكثرِ ثلاثةٍ نوعٍ شهرةً بين صفاتِ الناسِ، وهي:
أولًا: النَّفْسُ اللَّوَّامَةُ:
فإنَّ الإنسانَ في بدايةِ أمرِه إذا ارتَكَبَ ذَنْبًا أو خطِيئَةً، يَشعُرُ دَاخِلَهُ بِإِحساسٍ يُنَبِّهُهُ ويلُومُهُ، ويتَمَنَّى لَوْ لَمْ يَفْعَلْها، وَأَمَّا إذا تَكرَّرَ الذُّنُوبُ، فَيَضْعَفُ شُعورُهُ بالخَطِيئَةِ، وينتقلُ إلى مَرحَلَةِ الميلِ إلى المعصِيَةِ واستِحْسانِها، فيتحوَّلُ من لَوَّامَةٍ إلى أَمَّارَةٍ بِالسُّوءِ.
ثانيًا: النَّفْسُ الأَمَّارَةُ:
هي التي تَميلُ إلى السُّوءِ، وحُبِّ العَصيانِ والغَفْلَةِ؛ إذ تبقى هذه النفسُ مُتَكَبِّرةً وتَستَسلمُ للظُّلْمِ، ممَّا يُؤدِّي إلى خَسَارَةٍ أبَدِيَّةٍ، قال تعالى: {إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الشُّورَى: 45].
وقد أَبْرَزَ الشَّارِعُ هذا المعنى بقوله تعالى: {لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا} [الفُرْقَان: 21].
ثالثًا: النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ:
وهي نفسٌ راضِيَةٌ استَسْلَمَتْ لِخَالِقِها بِرَضًى وقَناعَةٍ، فاستحَقَّتِ الذِّكرَ والتَّمْجِيدَ في قوله تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً}.
ولكن السؤالُ الأهمُ بعدَ هذهِ التَّقْدِيمَةِ الطَّوِيلَةِ هو كيفَ تَنْضَبِطُ النَّفْسُ وتَتَم تَزْكِيَتُها؟
المقصودُ بالتَّزْكِيَةِ هنا: طَهَارَةُ النَّفْسِ أو تَطْهِيرُها وَتَنْظيفُها مِنَ المَعَاصِي والآفات.
حَيْثُ إنَّ لِلنَّفْسِ عِدَّةً مِنَ الآفَاتِ، مِنْها الخَطَأُ وَالنِّسْيانُ، وهُما مُسْتَمَدَّانِ مِنْ آيَةٍ يُعَلِّمُنا فِيهَا الخَالِقُ أنْ نَدْعُوهُ وَنَسْأَلُهُ عَدَمَ المُؤَاخَذَةِ فيهِما، فيقولُ تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286].
أولًا: النِّسْيانُ:
إنَّ أَوَّلَ مَعْصِيَةٍ وَقَعَتْ فِي الكَوْنِ مِنْ قِبَلِ الإِنْسَانِ كَانَتْ بِسَبَبِ النِّسْيانِ؛ إذ قالَ تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه: 115].
ثانيًا: الخَطَأُ:
مِنَ الطَّبِيعِيِّ أنْ تَقَعَ النَّفْسُ البَشَرِيَّةُ في الخَطَأِ؛ إذ قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ» (سنن الترمذي: 4/ 659/ 2499).
والخطأ يصدر عن النفس بدلائل من القرآن، منها: قوله تعالى: {أَوَلَـمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ} [آل عمران: 165]، وقوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}[النساء: 79]، وما ورد على لسان الأبوين آدم وحوَّاء -عليهما السلام-: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْـخَاسِرِينَ}[الأعراف: 23].
وسائل ضبط النفس وتربيتها:
ضبط النفس ليس بالأمر الهيِّن؛ إذ الصراع داخليٌّ في الإنسان ومحتدم ولا بُدَّ من ضبط عدَّة أمور:
1- الاعتراف بعيوب النفس والتعرّف عليها: ويتم ذلك باتِّباع توجيهات القرآن التي سمَّاها بالبصائر في قوله تعالى: {قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ} [الأنعام: 104].
فإذا أراد اللهُ بعبده خيرًا بصَّره بعيوب نفسه حتى يعالجها ويقوم نفسه.
2- مجاهدة أمراض النفس وأخطائها وصفاتها الذميمة:
أخطاء النفس كثيرةٌ ومنها:
أ- حب الشهوات: ولا بُدَّ أن تُضبط الشهوة؛ لأنَّ خطورتها تكمن في كونها طريقًا يؤدِّي إلى النار.
وقد جمعها الله تعالى في سورة آل عمران في آيةٍ واحدةٍ، يقول الله تعالى: "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ......" آل عمران الآية ١٤.
ب- الغفلة وهي زوال التذكر والانتباه وفيها قال تعالى "اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون..." سورة الأنبياء الآية١.
إن الله عز وجل دائمًا ليذكِّر الإنسان بيوم لا مردَّ له، فيه مساءلة الرحمن لبني الإنسان بكلّ ما سعى له وإليه من أعمال، قال تعالى: "إنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى" طه: 15.
والإنسان دائمًا يحتاج إلى التذكُّر، وهناك أمراضٌ أخرى للنفس يضيق المقام لذكر تفاصيلها ومنها:
ج- الحسد.
د الشح.
ذ – الطمع.
لِذَا، لَا بُدَّ مِنِ اتِّبَاعِ الضَّابِطِ حَتَّى تُرَبَّى النَّفْسُ وتُضْبَطَ عَلَى أَدَاءِ العَمَلِ الصَّالِحِ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [البقرة: 45]، وَفِي هَذَا تَوْجِيهٌ رَبَّانِيٌّ لِتَسْخِيرِ الصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ كَسُبُلٍ لِضَبْطِ النَّفْسِ وَتَهْذِيبِهَا.
وَمِنْ أَعْظَمِ أَسْلِحَةِ ضَبْطِ النَّفْسِ: الصِّيَامُ؛ فَهُوَ يُقَوِّي الإِرَادَةَ، وَيُهَذِّبُ الرَّغَبَاتِ، وَيُعَوِّدُ الإِنْسَانَ كَيْفَ يَقُولُ "لَا" لِهَوَاهُ، وَفِي ذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].
وَفِي مَقَامِ الصَّلَاةِ، وَهِيَ رُكْنُ الدِّينِ، جَاءَ فِي كِتَابِ اللهِ وَصْفٌ دَقِيقٌ لِحَالِ الإِنْسَانِ، وَكَيْفَ أَنَّ الصَّلَاةَ تَسْتَثْنِيهِ مِنْ ضَعْفِ الطَّبْعِ وَشِدَّةِ الشَّهَوَاتِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: {إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْـخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْـمُصَلِّينَ} [المعارج: 19–22].
فَالصَّلَاةُ تُزَكِّي النَّفْسَ وَتَضْبِطُهَا، وَتُقَوِّي صِلَتَهَا بِاللهِ، وَتُكْسِبُهَا سَكِينَةً وَوَعْيًا يُعِينُهَا عَلَى مُجَاهَدَةِ الذَّاتِ وَقَهْرِ النَّزَوَاتِ.
٢- الاسْتِعَانَةُ بِمُحَاسَبَةِ النَّفْسِ:
مِنْ أَهَمِّ وَسَائِلِ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ وَضَبْطِهَا: أَنْ يُقِفَ الإِنسَانُ مَعَ نَفْسِهِ وَقْفَةَ مُرَاجَعَةٍ وَمُحَاسَبَةٍ صَادِقَة، يُقَيِّمُ فِيهَا أَعْمَالَهُ، وَيَنْظُرُ فِيمَا قَدَّمَ لِيَوْمٍ لَا مَرَدَّ لَهُ، وَفِي ذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر: 18].
وَالْمُحَاسَبَةُ تَكُونُ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ:
قَبْلَ العَمَلِ: بِأَنْ يَسْأَلَ نَفْسَه: هَلْ هَذَا العَمَلُ يُرْضِي اللهَ؟ هَلْ هُوَ صَالِحٌ؟
-   أَثْنَاءَهُ: بِأَنْ يُرَاقِبَ الإِخْلَاصَ وَالإِتْقَانَ.
-   وَبَعْدَهُ: بِمُرَاجَعَةِ مَا أَخْطَأَ فِيهِ وَالِاسْتِغْفَارِ عَنْ تَقْصِيرِهِ.
وَلْنَسْتَحْضِرْ دَائِمًا قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 92]، فَإِدْرَاكُ الْمَسْؤُولِيَّةِ يُعِينُ عَلَى تَصْحِيحِ الْمَسِيرَةِ، وَضَبْطِ النَّفْسِ، وَالرُّجُوعِ إِلَى طَرِيقِ النُّورِ.
وَلِذَلِكَ، فَمِنَ الْوَاجِبِ أَنْ نَكْبَحَ جِمَاحَ الشَّهَوَاتِ وَثَوَرَاتِهَا، وَأَنْ نَتَقَرَّبَ إِلَى اللهِ بِالْعِبَادَاتِ، وَأَنْ نُحَاسِبَ أَنْفُسَنَا عَلَى كُلِّ تَقْصِيرٍ، فَإِنَّ مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا، خَفَّ حِسَابُهُ فِي الآخِرَةِ.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة