أنامل تنطق فنًا وإبداعًا.. مصطفى توفيق يحاكى الحياة بدمى الماريونت.. جسّد مشاعره فى أعمال فنية بالخيط والخشب.. ويؤكد: تراث ارتبط فى مخيلتنا بـ"الليلة الكبيرة".. والعروسة تخرج من تحت يدى بميزان

الأربعاء، 26 مارس 2025 09:00 ص
أنامل تنطق فنًا وإبداعًا.. مصطفى توفيق يحاكى الحياة بدمى الماريونت.. جسّد مشاعره فى أعمال فنية بالخيط والخشب.. ويؤكد: تراث ارتبط فى مخيلتنا بـ"الليلة الكبيرة".. والعروسة تخرج من تحت يدى بميزان مصطفى توفيق صانع عرائس الماريونيت
كتبت مرام محمد و بتول عصام

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

بمجرد أن تطأ قدمك وكالة الغوري القابعة في قلب القاهرة الفاطمية، تقع عيناك على فنان ماهر يشكل بأنامله دمى خشبية تنبض بالحياة، تطالعك بملامح مبتسمة تشعرك بالبهجة والانبهار وأخرى حادة مشاكسة نحتها الزمان، ما أن تكتمل خيوطها، تجدها تارة تتمايل على رقصات شعبية وتارة أخرى تحكي قصصًا وحكايات بمشاعر صانعها الماهر، في مشاهد شكلت وجدان أجيال.

أعمال فنية
أعمال فنية

امتهن مصطفى توفيق، صنع عرائس الماريونيت منذ أكثر من 25 عامًا، فدفعه عمله كمصمم ديكور مسرحي، على التقرب من ذلك الفن الذي يجمع بين النحت والرسم والتلوين ومعرفة خباياه واحترافه، لصياغة دمى مبهرة، تحاكي الواقع بقصص وحكايات ومشاعر إنسانية مختلفة وتنسج من حولها عالمًا من البهجة بمجرد تحريكها، في عملية فنية معقدة، يرسم حدودها وشخصياتها بحب وشغف وذوق فني وخيال جامح.

تجهيز الدمى
تجهيز الدمى

حوَّل مصطفى شغفه إلى مهنة متقنة، متأثرًا بصناع العرائس القدامى، الذين كان يتابع أعمالهم بشغف حتى أتقن الحرفة بنفسه، فلم يكن دخوله عالم صناعة العرائس الماريونيت مخططًا له، بل جاء نتيجة شغف وهواية تحولت إلى احتراف، بدأ بتجربة التصنيع بنفسه، محاولًا مرة تلو الأخرى حتى تمكن من الوصول إلى مرحلة احترافية، كانت الممارسة المستمرة والتعلم من الأجيال السابقة هما المفتاح الأساسي لإتقانه هذا الفن الفريد.

حكايات تسكن خيوط الدمى
حكايات تسكن خيوط الدمى

وبينما كان يحمل بين أنامله دمية، رسم معالمها وتفاصيلها بخيوط خياله ومداركه، قال: "تعلمت المهنة على يد فنانين محترفين قدامى، كنت أجالسهم وأراقبهم في صمت وهم يصنعون الدمى، ومع الوقت تعلمت التصنيع بشكل عملي، المهنة فن قائم بشكل أساسي على إحساس الصانع ومهارته وإبداعه، فكل دمية قطعة فنية بتوقيع صاحبها، تعكس روح الحرفي ومهارته وخياله وذوقه الفني".

دمى الماريونت
دمى الماريونت

تمثل الدمية شخصًا أو حيوانًا أو شيئا من الأشياء له قصة وحكاية، تشارك في صياغتها عدد من الفنانين والمبدعين: "العرائس منها القفاز، والبابيتس، والعصي، كما تتنوع شخصياتها وتختلف، فتارة تكون إنسانًا وتارة أخرى حصانًا وأسدًا أو تنورة، ولكل شخصية منهم ميكانيزم خاص يختلف عن الإنسان، ويوجد أيضًا عرائس تدريب، يستخدمها الهاوي في بداية عمله في المهنة للتعلم والتدريب، ينسجم معها ويراقب تفاصيلها ويحفظ حركاتها ويعتني بها كما لو كانت طفلًا صغيرًا".

رجل عجوز
رجل عجوز

إن هذا الفن يحتاج إلى موهبة احترافية في التعامل معه وأيدي فنانين مميزين تجتمع مواهبهم معًا: "تضم مراحل التصنيع أربع مهن، هي الخرط، والميكانيزم، والأتيليه، والألوان، ونعتمد في التصنيع على خشب الموسكي، والأدوات التي نستخدمها مثلها مثل أدوات النجارة الخفيفة، كالأزميل والمبرد، ودوري الأساسي في مراحل التصنيع هو صناعة مكانيزم العروسة بعد انتهاء عمل الخراط، قائلًا: "العروسة تخرج من تحت أيدي ميزان".

طفلًا صغيرًا
طفلًا صغيرًا

تمر صناعة العروسة الماريونيت بأربع مراحل رئيسية، تتطلب كل منها دقة ومهارة لضمان الحصول على عروسة متقنة ومتينة، يقول مصطفى: "تبدأ عملية التصنيع باختيار أنواع الخشب المناسبة، مثل الخشب الموسكي أو السويدي، الذي يشترى بأحجام مختلفة حسب الجزء المطلوب تصنيعه من العروسة، ويتم استخدام تخانات مختلفة، مثل 8×8 سم و8×15 سم للرأس، و2.5×2.5 سم للأيدي، و3×3 سم للأرجل، و5×5 سم أو 6×6 سم للأقدام.

فن صناعة عرائس الماريونيت
فن صناعة عرائس الماريونيت

بمجرد أن تنتهي مرحلة اختيار الخامات وتحديدها، تبدأ مرحلة جديدة أكثر حرفية، في عملية يدوية متكاملة تجمع بين المهارة الفنية والتقنيات الميكانيكية، تجعل من كل دمية تحفة فنية فريدة من نوعها: "المرحلة الثانية للتصنيع، هي التشكيل والخرط، فيها يتم تشكيل العروسة باستخدام تقنية الخرط، حيث يتم تشكيل كل أجزاء العروسة وفقًا لمقاسات دقيقة مستوحاة من التصميم الأصلي "الديزاين"، يختلف التصميم تبعًا لنوع العروسة، سواء كانت طفلًا، أو رجلًا، أو امرأة، مما يجعل كل عروسة فريدة من نوعها.

مصطفى توفيق أثناء التصنيع
مصطفى توفيق أثناء التصنيع

مع تتابع مراحل تصنيع الدمية، تأتي أكثر المراحل صعوبة، والتي يسعى فيها الصانع للوصول إلى نقطة توازن للعروسة: "المرحلة الثالثة للتصنيع هي تجميع الميكانيزم والحركة، وتعتبر من أهم مراحل التصنيع، حيث يتم تجميع الميكانيزم الداخلي للعروسة، وهو الذي يحدد حركتها وانسيابيتها، ويعتمد ذلك على ميزان دقيق يسمح بتحريك العروسة بسلاسة، ويستخدم فيه نظام الشنبر لتحريك الأرجل والكفين، كما يتم نحت الصدر والرأس بطريقة تتيح مرونة في الحركة، مع تفريغ الرأس من الداخل لتخفيف وزن العروسة، ثم يتم تجميع العروسة بأكملها".

مصطفى مع العرائس الماريونيت
مصطفى مع العرائس الماريونيت

ساعات طويلة من العمل الشاق تبدأ بتشكيل جسم الدمية وتنتهي بالتلوين وتفصيل الملابس: "بعد اكتمال الشكل الأساسي للعروسة، يتم الانتقال إلى مرحلة التلوين، حيث يتم اختيار الألوان المناسبة بناءً على التصميم المطلوب، سواء كانت شخصية ذكورية أو أنثوية أو طفلًا، ثم تأتي المرحلة النهائية، وهي إضافة الملابس والإكسسوارات "الأتيلية"، التي تعطي العروسة شخصيتها النهائية، سواء كانت راقصة، أو فتاة من البيئة الشعبية، أو طفلًا صغيرًا، وفقًا لما يتطلبه الدور المسرحي، فبعد الانتهاء من مراحل التلوين وتصميم الملابس تأتي مرحلة تصنيع ميزان التحكم أو السيطرة باستخدام الخيوط، ويستخدم في تحريك العروسة والتحكم بحركتها".

مصطفى يحول الخشب إلى شخصيات نابضة بالحياة
مصطفى يحول الخشب إلى شخصيات نابضة بالحياة

تعد صناعة عرائس الماريونيت فنًا يحتاج إلى صبر، وإبداع، ودقة، وهو ما أتقنه مصطفى على مدار عقود، فقد استطاع أن يحوِّل كتل الخشب الخام إلى عرائس نابضة بالحياة، تُستخدم في المسرح لتقديم عروض تُمتع الكبار والصغار: "عرائس الماريونت أعمال فنية تفيض بالحياة، تنطق بالمشاعر، وتحكي قصصًا بمجرد تحريكها، لم تكن بالنسبة لي مجرد كتل خشبية منحوتة، بل شخصيات تنقل أحاسيسي إلى الجمهور، وتشكل رابطًا فنيًا بين الماضي والحاضر".

إحساس الفنان يدخل في كل شخصية يقوم بصناعتها، فباستخدام خيوط وأجسام خشبية متصلة ببعضها البعض عن طريق مفاصل، ينقل لنا مشاعره من فرح وحزن وغضب: "فرحتي بتصنيع العرائس تظهر في شكلها وملامحها وتفاصيلها، فأفكاري ومشاعري من حزن وفرح وحب أثناء التصنيع تُصبغ بطبيعة الحال في ملامحها وتكوينها، ويطلبها مني الآن فنانون لاستخدامها في العروض المسرحية والحفلات الخاصة، ويشتريها آخرون كهدايا تذاكرية تسافر خارج مصر".

لا يخلو حديث مصطفى من حكايات الزمن الجميل، وارتباط عرائس الماريونت بأحمال العروض المسرحية، التي لا تزال خالدة فى الذاكرة المصرية: "عرائس الماريونت وتحريكها فن عريق وتراث غني، ارتبط في مخيلتنا بمسرحية الليلة الكبيرة وشخصيات المعلم حنتيرة وصلاح جاهين وأم المطاهرة، مدرسة تصنيع العرائس قديمًا كانت تعتمد على الفن التشكيلي أما تصميمات الآن فتتجه نحو العرائس المجسمة والمرتبطة بشخصيات شهيرة".

مهرج
مهرج

في زمن تتسارع فيه التكنولوجيا وتبتعد فيه الفنون اليدوية عن دائرة الضوء، يظل فن عرائس الماريونيت شاهدًا على إبداع مصري أصيل، وتراث يُعاد إحياؤه مع كل عرض جديد، وبينما تستمر العرائس في الرقص وسرد الحكايات، يبقى مصطفى توفيق وأمثاله من الحرفيين حراسًا لهذا الفن العريق، يسعون إلى الحفاظ عليه ونقله إلى الأجيال القادمة، حتى تظل مسارح العرائس تضيء قلوب الصغار والكبار على حد سواء.

 







مشاركة



الموضوعات المتعلقة




الرجوع الى أعلى الصفحة