وزير الثقافة الفلسطيني: وضعنا استراتيجيات حماية مستقبلية للمواقع التراثية وإعادة ترميم المراكز الثقافية
وزير الثقافة اللبناني: الاحتلال اعتدى على مناطق آثرية لم تكتشف بعد
حي الشجاعية يتحول من مدينة تراثية لأشباح وتدمير 206 موقعا آثريا
آثرون لبنانيون يطلقون حملة لتوثيق أضرار الحرب على التراث
إسرائيل حرقت كتب ومخطوطات نادرة توثق التراث العربي بعد استهداف المكتبة الوطنية الفلسطينية
السلطات الفلسطينية توثق الأضرار في المواقع الآثرية تمهيدا لملاحقة الاحتلال قضائيا
مذكرة لبنانية لليونسكو حماية التراث الإنساني واتخاذ كافة التدابير لمنع استهداف الآثار
ما بين 471 يوما من العدوان الإسرائيلي على غزة، بدأت في 7 أكتوبر 2023، وانتهت في 19 يناير 2025، والعدوان الإسرائيلي على لبنان الذي استمر 76 يوما منذ 8 أكتوبر 2024 حتى 27 نوفمبر، هي فترة شاهدة على تاريخ أمة دمره احتلال لا يحترم هوية وثقافة الشعوب، ويسعى لسرقة تاريخها، استهدف مئات المواقع التراثية الفلسطينية واللبنانية، محى جزء كبير من آثارها الهامة، لتظل هذه الأيام شاهدة على أكبر جريمة بحق تراث وتاريخ الشعبين العربيين.
اقرأ أيضا:
بحسب بيان صادر عن وزارة الثقافة الفلسطينية في 7 أكتوبر الماضي، بمناسبة يوم التراث الفلسطيني، أكد أن هذا التراث يواجه تهديدات جدية بسبب السياسات الاحتلالية التي تسعى إلى محوه أو سرقته، بعدما لم تكتف سلطات الاحتلال بتدمير المواقع الثقافية، بل عمدت إلى سرقة الرموز الفلسطينية، مثل الثوب الفلسطيني، وعصفور الشمس، وزهرة قرن الغزال، وتقديمها كجزء من سردياتها المزيفة، مؤكدة أن المعركة على التراث ليست أقل سخونة من المعارك الأخرى، بل هي جزء أساسي من الصراع على الهوية والوجود.
اقرأ أيضا:
أخر تقرير صادر عن المكتب الإعلامى الفلسطيني في غزة، في 8 يناير الماضي، فإن هناك 206 مواقع أثرية وتراثية دمرها الاحتلال خلال عدوانه، هذا على المستوى الآثري، بينما على المستوى السياحي فوفقا لأخر تقرير صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني ووزارة السياحة بمناسبة يوم السياحة العالمي في 27 سبتمبر الماضي، فدمرت إسرائيل معظم المنشآت السياحية بصورة كلية أو جزئية بينهم ما يقرب من 4,992 منشأة تعمل في نشاط السياحة منها 3,450 منشأة في نشاط المطاعم وتقديم المشروبات والتي تشكل 69.1% من المنشآت السياحية في قطاع غزة، و921 منشآت في الأنشطة الإبداعية والفنون وأنشطة الترفيه الأخرى و182 منشأة في صناعة وبيع منتجات الحرف اليدوية والهدايا التذكارية، و173 منشأة في أنشطة الفنادق والاقامة والمنشآت المشابهة.
أبرز المواقع الآثرية التي تضررت في القطاع
وزير الثقافة الفلسطينى عماد حمدان، يكشف في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أبرز المواقع الآثرية التي تضررت في القطاع بسبب العدوان الإسرائيلي على رأسها الكنيسة الأرثوذكسية في غزة، التي تعرضت لأضرار جسيمة وتعد واحدة من أقدم الكنائس في المنطقة، وتمثل جزءا مهما من التراث المسيحي الفلسطيني، بجانب المسجد العمري الكبير في غزة، الذي يعد واحدا من أقدم المساجد في القطاع ويعود تاريخه إلى العهد المملوكي وتعرض لأضرار جسيمة جراء القصف الذي طال مناطق قريبة منه.

آثار فلسطينية مدمرة خلال العدوان
"حي الشجاعية الذي يحتوي على العديد من المباني التراثية والتاريخية، وهو أحد الأحياء القديمة وتعرض الحي لدمار واسع جراء العمليات العسكرية الإسرائيلية، بجانب متحف دار الباشا، وهو أحد المراكز الثقافية المهمة لاحتوائه على مجموعات أثرية تبرز تاريخ المنطقة"، حيث يكشف وزير الثقافة الفلسطيني عن أبرز الأحياء التاريخية المدمرة في القطاع بفعل الحرب، موضحا أن الاحتلال استهدف العديد من المراكز الثقافية والفنية في غزة، بما في ذلك مسارح ومكتبات وصالات عرض، مما ألحق أضرارا بالغة ستحد من قدرتها على تقديم الفنون والثقافة المحلية، لافتا إلى أن هذه الاستهدافات ليست فقط تدميرا للمباني، بل محاولات لطمس الهوية الثقافية والتاريخية للفلسطينيين، مما يشكل خسارة كبيرة للتراث الإنساني ويتطلب تدخلا عاجلا من المجتمع الدولي لحمايتها ومحاسبة الاحتلال عن هذه الانتهاكات.
الاحتلال يحرق العديد من الكتب والوثائق النادرة
ويؤكد عماد حمدان، أن الاحتلال دمر وأحرق العديد من الكتب والوثائق النادرة في غزة، خاصة خلال الحروب والاعتداءات المتكررة على القطاع، لافتا إلى أن هذه الأعمال لا تعد فقط استهدافا للمواد الثقافية والتعليمية، بل تمثل محاولة لمحو جزء مهم من الذاكرة الجماعية والتاريخ الثقافي للشعب الفلسطيني، خاصة بعدما تعرضت المكتبة الوطنية الفلسطينية لأضرار جسيمة بسبب القصف، مما أدى إلى فقدان العديد من الكتب النادرة والمخطوطات التي توثق التاريخ الفلسطيني والتراث العربي الإسلامي، بجانب المكتبات الخاصة والعائلية التي تحتفظ بكتب ومخطوطات نادرة تعود للعائلات الفلسطينية، والتي تعرضت للتدمير بسبب القصف أو الحرق المتعمد.
ويشير إلى تعرض مركز رشاد الشوا الثقافي الذي كان يضم أرشيفا مهما للوثائق والدراسات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، للدمار خلال القصف، مما أدى إلى فقدان جزء كبير من الوثائق والكتب التاريخية، بالإضافة إلى تعرض مكتبات جامعتي الأزهر والأقصى للقصف، مما أدى إلى تدمير مجموعات كبيرة من الكتب الأكاديمية والوثائق البحثية التي تشمل مواد نادرة ومهمة للباحثين والطلاب، بجانب تدمير مكتبة المركز الثقافي الفرنسي في غزة التي تحتوي على مجموعة من الكتب النادرة والأدبية، وكذلك جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني التي تضم مكتبة تحتوي على أرشيف كبير من الوثائق الطبية والإنسانية، حيث تعرض جزء من هذه الوثائق للتلف نتيجة القصف.
ويؤكد أيضا أن هناك حرق متعمد من قبل الاحتلال للمخطوطات والكتب الدينية في غزة من خلال تدمير المساجد التاريخية والذي أدى إلى تدمير المكتبات الدينية بداخلها، والتي تحتوي على كتب ومخطوطات نادرة في الفقه والعلوم الإسلامية كما تم حرق المصاحف على مرأى ومسمع من الجميع، لافتا إلى أن العديد من المؤسسات الأهلية في القطاع التي توثق تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والحقوق الفلسطينية فقدت أرشيفاتها نتيجة الهجمات، ما أدى إلى ضياع كنوز من المعلومات التاريخية.

أحد الآثار الفلسطينية المدمرة
إجراءات الحكومة الفلسطينية للدفاع عن تراثها المدمر
وبشأن الإجراءات التي ستتخذها الحكومة الفلسطينية للدفاع عن تراثها المدمر، يقول إن وزارة الثقافة ، بالتعاون مع جهات أخرى، تعمل على اتخاذ إجراءات لملاحقة الاحتلال بسبب استهداف المواقع التراثية والثقافية، من خلال توثيق الأضرار، وجمع البيانات، بالتعاون مع المؤسسات المعنية بتوثيق الأضرار التي تلحق بالمواقع الثقافية والتراثية، والعمل على جمع المعلومات والصور والتقارير حول الأضرار لتقديمها كدليل على الانتهاكات، بجانب إصدار تقارير دورية توضح حجم الأضرار وتأثيرها على التراث الثقافي، والتي تُستخدم كوثائق رسمية في محاولات المحاسبة، والتنسيق مع منظمة اليونسكو والمنظمات الدولية الأخرى لحشد الدعم لحماية التراث الفلسطيني ورفع قضايا التدمير إلى المحافل الدولية، وتقديم شكاوى رسمية للمنظمات الدولية والمحاكم الدولية مثل محكمة العدل الدولية أو المحكمة الجنائية الدولية حول الانتهاكات الموجهة ضد التراث الثقافي الفلسطيني.

الآثار الفلسطينية المدمرة
ويتحدث عن خطط ترميم المواقع الآثرية المدمرة، قائلا إن وزارة الثقافة عادة ما تكون لديها خطط لإعادة ترميم المراكز الثقافية والتراثية بعد انتهاء العدوان، تتضمن مجموعة من الإجراءات والخطوات التي تهدف إلى إعادة تأهيل المواقع المتضررة والحفاظ على التراث الثقافي تبدأ بتقييم الأضرار عبر تشكيل فرق متخصصة لتقييم حجم الأضرار التي لحقت بالمراكز الثقافية والتراثية، تشمل الأضرار الهيكلية، والأضرار البيئية، وفقدان القطع الأثرية أو الوثائق، والتوثيق والتقرير، وجمع المعلومات حول الأضرار وإعداد تقارير مفصلة تساعد في تحديد الأولويات والموارد اللازمة لإعادة الترميم، والتعاون مع الجهات الدولية والمحلية، من خلال العمل مع منظمات مثل اليونسكو، الصليب الأحمر، والمنظمات غير الحكومية الدولية للحصول على الدعم المالي والفني لإعادة الترميم، وعمل الشراكات المحلية، والتعاون مع مؤسسات محلية، ومؤسسات تعليمية للحصول على المساعدة في إعادة بناء وترميم المواقع.
وحول طرق تأمين تمويل إعادة ترميم المراكز الثقافية، يوضح عماد حمدان، أن التمويل من خلال البحث عن منح تمويل من الصناديق الثقافية، والمستثمرين المحليين لتوفير الموارد المالية اللازمة للمشاريع، عبر تسجيل مراحل الترميم والتحديثات لضمان الشفافية ولتوفير سجل يمكن استخدامه في المستقبل، والترويج والتوعية، عبر تعزيز الوعي بأهمية التراث الثقافي والجهود المبذولة في إعادة ترميمه من خلال الفعاليات، المعارض، والمحتوى الإعلامي، وتنظيم فعاليات إعادة افتتاح للمراكز الثقافية والتراثية بعد الترميم لجذب الزوار واستعادة الدور الثقافي للمواقع، وإطلاق برامج تعليمية وفعاليات ثقافية لزيادة الوعي بأهمية التراث وتشجيع المشاركة المجتمعية.
ويؤكد أن هناك استراتيجيات حماية مستقبلية للمواقع التراثية، عبر تطوير استراتيجيات لحماية المواقع من الأضرار المستقبلية وضمان استدامة التراث الثقافي، لافتا إلى أن هذه الخطط تعتمد بشكل كبير على الموارد المتاحة والتعاون مع الشركاء الدوليين والمحليين، خاصة أن الوزارة تعمل بشكل مستمر على تحقيق أهدافها في إعادة ترميم المراكز الثقافية والتراثية وحمايتها من أي تهديدات مستقبلية.
وبحسب أخر تقرير صادر عن وزارة السياحة الفلسطينية في سبتمبر الماضي، كشف أن الحرب تسببت في فقدان 15,265 عامل في نشاط السياحة لوظائفهم منهم 10,887 عامل في أنشطة المطاعم وتقديم المشروبات والتي تشكل 71.3% من العاملين في أنشطة السياحة في غزة، ومنهم 2,277 في الأنشطة الإبداعية والفنون وأنشطة الترفيه الأخرى وكذلك 964 عامل في أنشطة الفنادق والإقامة والمنشآت المشابهة.
حجم تضرر القطاع السياحى في غزة بسبب العدوان الإسرائيلي
وفي 27 يناير الماضي، أعلنت وزارة الثقافة الفلسطينية، بعد وقف إطلاق النار بغزة، طواقم الوزارة في المحافظات الجنوبية باشرت أعمال رصد وتوثيق الأضرار التي لحقت بالمواقع الثقافية في قطاع غزة، بعدما أظهرت التقارير الأولية حجم الدمار الهائل الذي طال المكتبات والمواقع التاريخية والفضاءات والمراكز الثقافية، ما يهدد الإرث الثقافي والهوية الفلسطينية.
وأضافت الوزارة في بيانها، أن ما يحدث ليس مجرد تدمير للمباني، بل محاولة لفرض واقع جديد بما يتماشى مع الرواية الإسرائيلية المزيفة، مطالبة الجهات الدولية والعربية على التحرك العاجل لحماية التراث الثقافي الفلسطيني، الذي يتعرض لأشكال الإبادة كافة، في تحدٍ صارخ للقوانين الدولية التي تنص على حماية الموروث الثقافي خلال الحروب.
ورصدت الوزارة تعرض مكتبة الجامع العمري وهي مكتبة الظاهر بيبرس لأضرار جزئية، شملت تشققات وتدمير أرفف وأبواب خارجية، إلا أن الكتب والمخطوطات بدا أنها ما زالت في حالة جيدة، رغم الحاجة إلى التحقق من اكتمال محتويات المكتبة وعدم تعرضها للنهب، بجانب تدمير مكتبتا منصور واليازجي بالكامل، كما تم حرق قسم الأرشيف في بلدية غزة، الذي يحتوي على وثائق تعود لأكثر من 150 عاما، وتدمير قبة المخطوطات القديمة التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية، إضافة إلى تدمير العديد من البيوت التاريخية مثل بيت العلمي القديم وبيت السقا وبيت الغصين، التي كانت تستضيف الفعاليات الثقافية والأدبية والفنية.

الاثار الفلسطينية بعد تدميرها
تضرر 60% من آثار غزة واستشهاد وإصابة 20 من المؤرخين والآثريين
فيما يكشف حسام أبو النصر، ممثل فلسطين فى اتحاد المؤرخين العرب، ومسؤول وزارة الثقافة الفلسطينية فى محافظات الجنوب، عدد المواقع التراثية في غزة والتي تضم 375 موقعا، فيما تضرر حوالي 60 % منها من خلال استهدافه بشكل جزئي أو كلي، مؤكدا أن الاحتلال دمر مواقع متعلقة بالشواهد والمقامات والمساجد والبيوت القديمة بينهم أكثر من 170 منزل في غزة القديمة وغيرها من البيوت.
ويضيف في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"ـ أن عدد الآثريين والمؤرخين الفلسطينيين الذين استشهدوا وأصيبوا 20 بينهم المؤرخون ناصر اليافاوي وجهاد الناصرى وسليم المبيض الذي استشهد بسبب عدم السماح له بالخروج للعلاج، وغيرهم من المؤرخين بجانب استشهاد عدد من الطاقم العامل في التاريخ منهم عائد أبو جياب ورمزى حمودة وإياد عمار.
حجم الدمار بالقطاع الآثري في غزة ولبنان بسبب العدوان الإسرائيلي
وبشأن كيفية التعامل مع الآثار المدمرة، يقول حسام أبو النصر إن هذا يتوقف على اليوم التالى للحرب، حيث تبدأ الطواقم بعمليات حصر وجمع المعلومات والبيانات حول التدمير الجزئي والكلي وحجم الضرر وبناء عليه يتم وضع معلومات دقيقة حول البناء والموقع وحجم تضرره ومدى احتياجه للترميم، خاصة أن أن هناك مواقع قابلة للترميم ومواقع أخرى غير قابلة للترميم ويخضع ذلك لمعايير دولية وسيتم التواصل مع جهات محلية ودولية ليكون هناك تعاون في مرحلة الترميم.
وحول التحديات التي تواجه إعادة ترميم المواقع الآثرية المدمرة، يوضح أن خطط ترميم الآثار المدمرة تتم عبر إعداد اتحاد المؤرخين العرب أوراق عمل عاجلة بشأن آلية الترميم بما يتناسب مع المبنى الأصلى وتوفير المواد اللازمة لذلك على غرار ما حدث خلال الحرب العالمية الأولى والثانية عندما تعرضت المواقع التراثية لتدمير كبير ورغم ذلك أعادت الدول بنائها وترميمها بالشكل الذي كانت عليه حتى إذا فقدنا المبنى بالكامل لا يمكن إعادته لما كان عليه ولكن على الأقل تبقى رمزيته كشاهد على ما حدث وهذا مهم للغاية.
وحول مدى استعداد المجتمع الدولى للتعاون مع الفلسطينيين في ترميم المواقع التراثية المتضررة يضيف حسام أبو النصر :" لا نعرف مدى استعدادات المؤسسات الدولية للتعاون معنا في هذا الموضوع لكن نحتاج لخبرات أجنبية وإمكانيات كثيرة، خاصة أن إمكانيات الإعمار للمواقع التراثية والتاريخية تختلف عن إمكانيات إعمار المباني العادية لأنه يحتاج لتخصص ومواد خاصة ذات جودة عالية وطبيعة أصلية بما يتوافق مع المبنى الأصلى وتكون مواد الترميم طبيعية تستطيع أن تتلائم لما كانت عليه مواد البناء في التاريخ القديم الذي تم تشييد المبنى فيه".
لا يوجد أي ضمانات لحماية المناطق الآثرية في غزة
ويؤكد حسام أبو النصر أنه لا يوجد أي ضمانات لحماية المناطق الآثرية في غزة لأنه لا منظمة اليونسكو ولا أي مؤسسة دولية أخرى استطاعت أن توقف العدوان الإسرائيلي وبالتالي لا يوجد أي ضمانات لحماية المناطق التراثية وستبقى تحت طائلة القصف الإسرائيلي في أي لحظة رغم أن الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقيتي لاهاي وجنيف تحرم العدوان على المناطق الآثرية وذات التراث الإنساني والعالمى والمهدد بالانقراض والخطر.
تدمير مراكز ثقافية بغزة
نشر اتفاقية "صون التراث الثقافى غير المادى لعام 2003" فى الجريدة الرسمية
وفي 20 ديسمبر الماضي، أعلنت وزارة الثقافة الفلسطينية إصدار قرار من قبل الرئيس الفلسطينى محمود عباس أبو مازن، لنشر اتفاقية "صون التراث الثقافى غير المادى لعام 2003"، فى الجريدة الرسمية، وذلك تأكيدا على التزام القيادة الفلسطينية بحماية الموروث الثقافي الوطني في ظل التحديات الكبرى التي يواجهها جراء ممارسات الاحتلال التي تهدف إلى طمس الهوية الثقافية الفلسطينية، ووصفت وسائل إعلام فلسطينية حينها هذا القرار بأنه خطوة حاسمة لحماية الموروث الثقافي الفلسطيني.
وزير الثقافة الفلسطينى يؤكد أن هذا القرار يعد إنجازا قانونيا وتاريخيا لحماية التراث الثقافي الفلسطيني وفقاً للمعايير الدولية خاصة التراث الثقافي الفلسطيني وإصدار هذا القرار يضعنا في موقع أقوى للدفاع عن موروثنا الثقافي ضد محاولات الاحتلال لسرقته وتشويهه.
أدوات يستخدمها للسيطرة على التراث الفلسطيني أبرزها تغيير المسميات التاريخية
فيما يكشف جهاد ياسين، مدير عام المتاحف والتنقيبات وزارة السياحة والآثار الفلسطينية، أهم الأدوات التي يستخدمها الاحتلال الاسرائيلي في سياسة السيطرة على التراث الفلسطيني، موضحا أن أبرز تلك الأدوات هي الرواية التوراتية، حيث لفقت القيادة الدينية الإسرائيلية ربط الوجود اليهودي بالآثار الفلسطينية، وبالتالي تجيير التاريخ الطويل لفلسطين لصالح إسرائيل ورفض فكرة أن التراث اليهودي جزء من التراث الفلسطيني.
ويضيف مدير عام المتاحف والتنقيبات وزارة السياحة والآثار الفلسطينية، في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن من بين تلك الأدوات الإحلال الاستيطاني الإسرائيلي عبر السيطرة على الأرض وبالتالي السيطرة على المواقع الأثرية، بجانب توفير ميزانيات مالية ضخمة للطواقم الإسرائيلية العاملة في الأراضي المحتلة، وربط نتائج العمل بالرواية التوراتية ونشرها عبر العالم.
ويشير "ياسين"، إلى أن الاحتلال يعمل على تغيير المسميات التاريخية والمحلية إلى مسميات توراتية واستيطانية، مثل تغيير اسم الحرم الإبراهيمي في الخليل إلى مكفيلا، وخربة سيلون إلى تل شيلو وغيرها الكثير من المواقع، بجانب طمس وتدمير المعالم العربية والإسلامية، موضحا أن فلسطين غنية بتراثها وأثارها، يوجد آلاف المواقع والمعالم الأثرية، منها حوالي 7000 موقع ومعلم أثرية في حدود فلسطين عام 1967 (الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة)، منها 2000 موقع رئيسي (خربة، تل، وبلدة قديمة) وحوالي 5000 آلاف معلم أثري (مقبرة، مسجد، كنيسة، مقام، دير، كهف وغيرها).
ويؤكد أن الهدف من وراء تدمير وسرقة إسرائيل للآثار الفلسطينية هو تزييف التاريخ عبر تزويرها وإعطاء صبغة يهودية لها، لخدمة الرواية الصهيونية حول احتلال فلسطين، لافتا إلى أن ما حدث الآن في غزة من سياسة تدمير ممنهج ومتعمد لمواقع التراث الثقافي يشكل دليلاً على أن الاحتلال الإسرائيلي يسعى إلى تدمير كل مقومات الحياة والتاريخ عبر هذه السياسة.
مكتبة بيبرس
استهداف مختبرات لترميم المخطوطات الأثرية
بحسب بيان صادر عن وزارة الآثار والسياحة الفلسطينية في 9 أكتوبر الماضي، أكدت أن قوات الاحتلال استهدفت مختبرين لترميم وصيانة المخطوطات الأثرية في غزة، أحدهما يتبع لدائرة المخطوطات بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية فى مبنى أثري بحد ذاته، والثانى لمؤسسة عيون على التراث، بجانب تدمير كنيسة جباليا الأثرية التي تعود إلى العصر البيزنطي وتم تشييدها عام 444 م، في زمن الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني، وكانت تتميز بأرضيات الفسيفساء والزخارف النباتية والحيوانية والأشكال الهندسية الرائعة.
وأشارت الوزارة إلى تدمير الاحتلال لدير سانت هيلاريون "تل أم عامر"، والذى يعتبر من أهم المواقع الأثرية فى غزة ومدرج منذ عام 2012 على لائحة اليونسكو للتراث العالمى، كما تم تدمير محيط الموقع والطريق الواصل إليه.
الاحتلال ينكر أي وجود غير يهودي على الأراضي الفلسطينية
هنا يوضح الدكتور أنور أبو عيشة، وزير الثقافة الفلسطيني الأسبق، أن الاحتلال يزعم من خلال محوه للتراث الفلسطيني أنه يحافظ على التراث، لأن الاحتلال لا يعترف بأنه يهدم التراث ولا يصدرون حجج وتبريرات بشأن هدمهم للأثار الفلسطينية لأنهم ليسوا في حاجة لتلك الحجج في ظل الدعم الغربي لهم، متوقعا عدم نجاح الاحتلال في محو التاريخ الفلسطيني، رغم الحملة الشرسة التي يشنها ضد الآثار، وهدمه للمئات من المواقع التاريخية سواء في غزة أو الضفة الغربية.
ويؤكد وزير الثقافة الفلسطيني الأسبق، في تصريحات خاصة، لـ"اليوم السابع" أن الاحتلال يسعى لإنكار أي وجود غير يهودي على الأراضي الفلسطينية، لذلك يعمل على محو الهوية والتراث بكل قوة، لافتا إلى أن الهدف من تدمير التاريخ الفلسطيني هو محو الهوية وتاريخ هذا الشعب.
تضررت 25 جمعية ومركز ثقافي مسجل لدى وزارة الثقافة في غزة
ووفقا لأخر تقرير صادر عن وزارة الثقافة الفلسطينية نهاية 2024، كشفت حجم خسائر القطاع فى غزة، حيث تضررت 25 جمعية ومركز ثقافي مسجل لدى الوزارة بشكل كلى أو جزئى، بجانب تدمير 80 مركزا ثقافيا غير المسجل بسبب قصف الاحتلال.
تاريخ الاحتلال في هدم الآثار الفلسطينية
هنا تؤكد الدكتورة، سارة محمد الشماس، الباحثة الفلسطينية في التراث والعلوم التربوية، أن استهداف الاحتلال للتراث الفلسطيني ليس مجرد هجوم على آثار مادية أو رموز ثقافية، ولكنه هجوم شامل على الهوية الفلسطينية بأكملها و يتعمد الاحتلال الإسرائيلي ضرب الرموز الثقافية والتاريخية التي تشكل جزءاً من ذاكرة الشعب الفلسطيني بهدف محو هويته وتزوير تاريخه الذي يتمثل ذلك في التهجير القسري، مصادرة الأراضي، تدمير المعالم الأثرية والتاريخية، ومحاولات تهويد الأماكن المقدسة.
وتضيف "الشماس" في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن هذه الهجمات تمثل سياسة ممنهجة لإلغاء وجود الشعب العربي الفلسطيني وجذوره التاريخية، ما يجعل استهداف التراث جزءاً من استراتيجية استعمارية أوسع تهدف إلى تطهير الأرض من الفلسطينيين واستبدال ثقافتهم بهوية أخرى، لافتة إلى أن التراث الفلسطيني سواء كان ثقافيًا أو أثريًا يحمل دلالات حضارية تعود لآلاف السنين ومن خلال استهدافه يحاول الاحتلال الاسرائيلي تفريغ الشعب الفلسطيني من تاريخه.
وتؤكد أن تاريخ استهداف التراث الفلسطيني يعود إلى بداية المشروع الصهيوني في نهاية القرن التاسع عشر، واستمر بوتيرة متزايدة بعد قيام دولة الاحتلال الاسرائيلي عام 1948 عام النكبة حيث تم تدمير العديد من القرى الفلسطينية ومسح آثارها بشكل كامل بما في ذلك تدمير المساجد، الكنائس، والبيوت والمباني التاريخية وفيما بعد زادت هذه الممارسات خلال عام 1967 عام النكسة والانتفاضتين، حيث استهدفت العديد من المعالم التاريخية والدينية، وخاصة في القدس والخليل، كما أن مشاريع الاستيطان تمثل جزءاً من هذه السياسة حيث يتم بناء مستوطنات على أنقاض القرى الفلسطينية المدمرة، ومحاولة إعادة تسمية الأماكن بطريقة تعزز الرواية الصهيونية.
وتوضح "الشماس"، أن منذ بدء العدوان الاسرائيلي على غزة تعرض التراث الثقافي الفلسطيني والآثار التاريخية لدمار واسع، مما أثر على المعمار الإسلامي والمسيحي الذي يعكس التنوع الثقافي للمنطقة، كما دُمرت مواقع أثرية تاريخية مهمة مثل مدينة غزة القديمة، مما ساهم في فقدان آثار حضارات متعاقبة.
وتشير إلى أنه منذ 7 أكتوبر 2023 شهدت غزة دمارًا كبيرًا في المواقع الأثرية نتيجة تصعيد الاحتلال العسكري الاسرائيلي حيث قصفت ودمرت معالم شهيرة مثل المسجد العمري الكبير وكنيسة القديس بورفيريوس، إضافةً إلى ذلك تعرضت المتاحف لقصف طائرات الاحتلال الاسرائيلي وتدميرها منها متحف رفح، ومتحف خان يونس والمراكز الثقافية مما أدى إلى فقدان التحف والمقتنيات التاريخية التي تحتويها، كما أن هناك حوالي 23 معلماً أثرياً وتاريخيا، بالإضافة إلى أكثر من 70 مبنى أثري وتاريخي، تعرضت للدمار كلياً أو جزئياً، مما يشكل خسارة فادحة للشعب الفلسطيني تفوق الأذى المادي وتأثيره على الهوية والانتماء الثقافي للأجيال القادمة.
استخدام المواقع الأثرية الفلسطينية كنقاط تفتيش
وتوضح أن المواقع الأثرية الفلسطينية استخدمت كنقاط تفتيش، مما تسبب في تدمير المباني الأثرية والتاريخية، كما ساهمت سياسة التهجير والإهمال في تدهور المواقع الأثرية، حيث يُجبر الفلسطينيون على مغادرة مناطقهم وأماكن سكنهم، مما يترك الآثار بلا حماية أو صيانة علاوة على ذلك هناك محاولات لتغيير المعالم الأثرية والتاريخية، من خلال فرض تغييرات على الأسماء وإعادة تفسير التاريخ بطريقة تُهمش الهوية الفلسطينية، مما يُسهم في فقدان الذاكرة الجماعية ويزيد من حجم التحديات التي تواجهها.
وبشأن مخالفة تلك الممارسات للقوانين والأعراف الدولية، قالت "الشماس"، إنه بموجب القانون الدولي، وخاصة اتفاقية لاهاي لعام 1954 لحماية الممتلكات الثقافية في حالة نزاع مسلح، واتفاقية جنيف الرابعة، تعتبر هذه الممارسات غير قانونية و تمنع هذه الاتفاقيات تدمير الممتلكات الثقافية ونقلها أو الاستيلاء عليها في حالات الاحتلال، كما أن قرارات الأمم المتحدة أكدت مراراً وتكراراً على عدم قانونية تصرفات الاحتلال الاسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك تهويد القدس والتعدي على المواقع الأثرية و بالتالي تعتبر الممارسات الإسرائيلية ضد التراث والتاريخ الفلسطيني انتهاكاً صريحاً للقانون الدولي، وتستوجب المساءلة.
وتؤكد الشماس، أن فلسطين تسعى جاهدة لمحاسبة الاحتلال الاسرائيلي على جرائمه ضد التراث الثقافي من خلال مجموعة من الخطوات الدبلوماسية والقانونية ومن أبرز هذه الخطوات الانضمام إلى المنظمات الدولية مثل منظمة اليونسكو مما يتيح لها تقديم شكاوى رسمية ضد الانتهاكات الإسرائيلية بالإضافة إلى ذلك تُقدم فلسطين قضايا إلى المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية بشأن الجرائم المرتكبة ضد التراث الثقافي الفلسطيني وتعتبر عملية التوثيق والبحث العلمي من الأمور الأساسية التي تركز عليها الدولة الفلسطينية والجامعات والمؤسسات الثقافية، حيث تساهم في جمع الأدلة الضرورية لتقديمها في المحافل القانونية.
تدمير إسرائيل للتراث اللبناني خلال عدوانه الأخير
إذا انتقلنا إلى لبنان، والذي تعرض أيضا لعدوان مماثل ولكن عدد أيامه أقل بكثير من غزة، إلا أن آثاره وتراثه كانت ضمن مرمى صواريخ الاحتلال، وهو ما تكشفه رسالة وزير الثقافة اللبناني الدكتور محمد مرتضى، إلى المديرة العامة لمنظمة اليونيسكو أودري أزولاي، في نوفمبر الماضي، يؤكد فيها أنه منذ سنة والاحتلال يمعن في الاعتداءات على الموروث الثقافي اللبناني المادي وغير المادي، وازداد في الآونة الاخيرة شراسة، من دون احترام لأي من المواثيق الدولية أو المعايير الإنسانية، حيث تمادى في تدمير العديد من القرى التاريخية وطبيعتها الثقافية بما في ذلك المحيط الطبيعي الزراعي كحقول الزيتون والعنب والتين والخروب وسهول القمح، وهي زراعات متجذرة منذ آلاف السنين، وتشكل مشهدية للإنسان الراسخ في هذه الأرض ولذاكرة للمكان وأهله، كما يلجأ إلى أساليب التدمير لمحو ثقافة الشعب وتاريخه
ويوضح وزير الثقافة اللبناني، بعض المواقع التراثية التي دمرها الاحتلال بينها السوق التاريخية لمدينة النبطية وكل من حي السرايا وحيّ الميدان فيها، والمعالم الدينية القديمة منها جامع طيردبا ومسجد كفرتبنيت وكنيسة دردجيا وجامع بليدا.
أبرز مظاهر تدمير الآثار في غزة ولبنان
أبرز المعالم التراثية في لبنان
وفي إطلالة سريعة على مدينة صور اللبنانية، وهى أحد أشهر وأهم المدن التاريخية في العالم، لما تحويه من عدد مواقع أثرية كثيرة وتاريخية، نجد أنفسنا أمام مدينة يعود تاريخها للعصر الذهبي في القرن العاشر قبل الميلاد - بينما بعض المؤرخين يؤكدون أن تاريخها يعود لأكثر من 5 آلاف عام - عندما كانت تحت حكم الملك حيرام الأول، الذي وسعها مما يجعلها رابع أكبر مدينة لبنانية، كما أن اسم تلك المدينة التاريخية اشتق من الجذر الفينيقي "صر"، الذي يعني "الصخرة"، وفي إشارة إلى الصخرة التي بنيت عليها المدينة، وكانت هذه المدينة قبل الميلاد واحدة من أهم حضارات العالم في العهد الفينيقي.
وفي العام 1979 أدرجت منظمة اليونسكو، مدينة "صور" على لائحة مواقع التراث العالمي، نظرًا لما تحتويه من آثار تاريخية، خاصة أن جزء من الموقع الذي كانت تقوم عليه المدينة مبني على جزيرة قبل أن يقوم الإسكندر المقدوني بردم البحر ووصلها بالبر المقابل، كما أن المدينة البحرية تعود بمجملها إلى العصور الرومانية والبيزنطية، بجانب بقايا أرصفة المرفأ الفينيقي الجنوبي، وكذلك بقايا كاتدرائية صور الصليبية التي استخدمت في عمارتها أعمدة من الجرانيت الأحمر وأحجار تم استخراجها من المنشآت الرومانية.
وأحد أبرز معالم مدينة صور التاريخية، موقع البص، الذي يتألف من شارع رئيسي أقيم في العصر الروماني، وجرى ترميمه في العصر البيزنطي، في وسط البرزخ الذي أنشأه الاسكندر الكبير، وإحاطته بأروقة، وقوس نصر عظيم، بالإضافة إلى مدافن واسعة تتداخل فيها العمائر الجنائزية والتوابيت الرخامية والكلسية والبازالتية ذات الأشكال والزخارف والمنحوتات المختلفة استخدمت من القرن الثاني إلى القرن السادس الميلادي.
ليس هذا وفقط، بل هناك الأسواق القديمة، ومرفأ الصيد القديم الذي حل مكان المرفأ الفينيقي الشمالي، بجانب برج أثري في محيط ساحة جنبلاط بالمدينة يدعى "برج الجزائريين"، والذي بُني في الفترة الممتدة بين القرنين 12 و 13 الميلادي، بجانب طبقات اثرية تعود إلى عصور أكثر قدمًا ومنها قناة للمياه.
عدوان الاحتلال الأخير كان له اثار مدمرة على التراث اللبناني، خاصة في مدينة صور التي حولتها إسرائيل إلى مدينة أشباح بكل معنى الكلمة، حيث انتشار أنقاض المنازل، ونزوح آلاف السكان من المدينة التي كانت أحد أهم مدن جنوب لبنان، من بينها استهداف قلعة شمع والتي بُنيت في عام 1116، وتقع على سلسلة من الجبال التي تنتهي برأس البيّاضة في أقصى الجنوب، تستمد اسمها من مقام النبي شمعون.
تدمير آثار لبنان
رسائل لبنان لليونسكو لمحاسبة الاحتلال على استهداف المواقع الآثرية
وفي 4 نوفمبر، وقبل انتهاء العدوان الإسرائيلي على لبنان، وجه وزير الثقافة رسالة إلى المديرة العامة لمنظمة اليونيسكو، يشيد فيها بدعوة المنظمة الأممية، إسرائيل إلى الالتزام في عدم المس بالمعالم الأثرية في لبنان، باعتبارها إرثًا للإنسانية جمعاء، ومطالبا إياها بالاستمرار في بذل مساع حثيثة لدى الدول الفاعلة كي تتخذ جميع التدابير لمنع استهداف التراث، واحترام الحد الأدنى من أحكام القانون الدولي المتعلق بحماية الثروة الثقافية الإنسانية، خاصة لما يعرف عن الاحتلال من استهتار بكل القيم والقوانين الدولية.
وأكد خلال رسالته أن لبنان من المؤسّسين لهذه المنظّمة العاملين على الدوام إلى احترام مواثيقها، لافتا إلى أنّ اللبنانيين والفلسطينيين واليمنيين، لا يتعرضون للمواقع الأثرية في فلسطين المحتلة بأي اعتداء، بل حريصون عليها حرصَهم على منازلهم وأرواحهم، لإيمانهم بأنّها ملكهم، وسوف تعود حيازتُها إليهم عندما يزول هذ الاحتلال وترحلُ أسرابه السوداء عن بلادهم الحبيبة، وهو يومٌ يرجون أن يكون قريبًا".
إلا أنه بعدها بيومين، وبالتحديد، في 6 نوفمبر الماضي، أرسل محمد مرتضى، رسالة جديدة إلى المديرة العامة لمنظمة اليونيسكو ، يكشف فيها عن حجم الدمار الذي لحق بآثار لبنان، ومعربا عن حزنه وغضبه تجاه تعرض التراث الثقافي العريق لاعتداء ضخم من قبل طائرات إسرائيل، خاصة مع استهداف مبنى "المنشية" التاريخي في بعلبك، الذي يعود إلى الحقبة العثمانية ويحمل في طياته قرونا من التاريخ والثقافة، وشاهدا حيا على تراث بيروت الثقافي المشترك، خاصة أنه مسجلا ضمن التراث العالمي اليونسكو، مما يجعل خسارته لا تعوض، للتراث الإنساني ككل.
محاولات الاعتداء على مناطق آثرية لم تكتشف بعد في لبنان
تواصلنا مع وزير الثقافة اللبناني، الذي يؤكد أن القصف الإسرائيلي الأخير طال بشكل كثيف العديد من المدن التاريخية في الجنوب خاصة في البقاع، حيث تم استهداف مدينة صور بشكل عنيف، بجانب الكورنيش البحري والمدينة التاريخية الممتدة بين موقعي البص والمدينة المصنفين على لائحة التراث العالمي عدة مرات وطالت الاعتداءات الأخيرة مناطق قريبة جداً من الموقع الأثري.
ويضيف الدكتور محمد مرتضى، في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن هذه الاعتداءات الإسرائيلية قد يكون لها أثر كبير على المعالم الأثرية وعلى أساساتها، لافتا إلى أن عمليات القصف من شأنها تدمير الإرث الثقافي، وبالتالي جزء من التاريخ والهوية الخاصة لبنان، خاصة أن تدمير مدينة صور كان بشكل متاخم للموقع الأثري بالإضافة إلى القصف على المنطقة الموجودة بين موقعي البص وصور وهي منطقة تحتوي على معالم أثرية غير مكتشفة بعد، وتدميرها هو محو لجزء كبير من تاريخنا قبل أن تسنح لنا الفرصة باكتشافه.
" العدو الإسرائيلي وصل إلى موقع قلعة شمع واحتلها وكان برفقته أحد علماء الأثار الذي كان يحاول تغيير الحقائق التاريخية خاصة بعد الاعتداءات التي طالت القلعة وأدت إلى تدمير أجزاء منها، والمسح العلمي الذي سيتم بعد الحرب سيبين حجم الأضرار بشكل دقيق أكثر"، هنا يكشف وزير الثقافة اللبناني محاولات الاحتلال سرقة آثار لبنانية وتغيير معالمها، موضحا أن الاعتداء على المواقع الثقافية مخالف للاتفاقيات الدولية، وخاصة قرار لجنة اتفاقية لاهاي 1954 وبروتوكولاتها في منظمة اليونسكو والقاضي بوضع 34 موقع آثري في لبنان تحت الحماية المعززة.
تدمير الاحتلال للآثار اللبنانية
توقيع لبنان على اتفاقية لاهاي وبروتوكولاتها الصادرة عام 1954 و1999
الجدير بالذكر أن لبنان وقع على اتفاقية لاهاي وبروتوكولاتها الصادرة عام 1954 و1999 لحماية المواقع الثقافية أثناء النزاعات المسلحة، كما أنه أحد الدول المؤسسة لمنظمة الأونسكو، وهو ما دفع وزير الثقافة لإرسال كتابا إلى منظمة الأونيسكو، لمطالبة باتخاذ خطوات عاجلة دوليا لحماية 95 موقعا ثقافيا من ضمنها المواقع اللبنانية المدرجة على لائحة التراث العالمي، بالإضافة إلى طلب حماية معززة وفقاً للبروتوكول 2 لسنة 1999 لحوالي 34 موقعًا ثقافيًّا تعرض للقصف، مطالبا بإجراء ما يلزم لجهة التقدم بالشكاوى أمام المراجع المختصّة.
ويؤكد "مرتضى"، أن لبنان لجأت إلى المجتمع الدولي بهدف حماية مواقع ثقافية وفقا لاتفاقية لاهاي 1954 وبروتوكولاتها، خاصة أن بيروت من الأعضاء المؤسسين لمنظمة اليونسكو، وانضم إلى أغلب الاتفاقيات الدولية التي تحمي الممتلكات الثقافية، زيؤمن بالوسائل القانونية ولهذا لجأ إلى هذا الأسلوب لحماية إرثه الثقافي من التدمير ومن آلة الحرب الهمجية.
مدن عمرها 5 آلاف سنة تضررت بفعل عدوان الاحتلال
فيما تكشف عليا فارس، عالمة آثار ومؤرخة عمارة اللبنانية، أن هناك 10 خبراء في الأثار والبيئة أعدوا منذ ثلاث أشهر تقريرا عن كل الدمار لإرث الثقافة والتراث في لبنان الملموس وغير الملموس خلال الحرب، موضحة أن الاحتلال قضى على بعض المهن التراثية، مثل تربية الماشية الإرث في جنوب لبنان خاصة أن الحياة اليومية الخاصة بهذه الفئة مبنية على الترحال وينتقلون من منطقة لأخرى وبسبب الحرب توقف عملهم وكثير من رعاه الماشية خسروا حيواناتهم وهذا تراث غير ملموس في لبنان في القرى القديمة وفي مدن جنوب لبنان.
تؤكد عليا فارس، في تصريحات لـ"اليوم السابع"، أن محاصيل الزيتون تضررت بسبب الحرائق وفسفور القنابل التي ألقاها الاحتلال، بجانب البيوت التاريخية التي تضررت ودمر القصف أحياء بأكملها في البقاع وجنوب لبنان التي يتواجد فيها مواقع آثرية لا أحد يسأل عنها، وهناك ضياع كثيرة تضم مقابر رومانية وبيوت تراثية عمرها 300 سنة و250 سنة ومناطق تعود لفترة ما قبل المسيح 2000 إلى 5 آلاف سنة وهي قرى تاريخية تأثرت من العدوان، متابعة :"هويتنا في لبنان هي هوية تاريخية وكل المواقع التراثية تأثرت في الجنوب".
في 17 أكتوبر الماضي، أكدت وزارة الثقافة اللبنانية في بيان لها، أن الاحتلال تمادى في تدمير العديد من القرى التاريخية وطبيعتها الثقافية بما في ذلك المحيط الطبيعي الزراعي كحقول الزيتون والعنب والتين والخروب وسهول القمح، وهي زراعات متجذرة منذ آلاف السنين، وتشكل مشهدية للإنسان الراسخ في هذه الأرض ولذاكرة للمكان وأهله.
وأضافت الوزارة، أن القصف الإسرائيلي طال العديد من المدن والأبنية التاريخية، ومنها السوق التاريخية لمدينة النبطية وكل من حي السراي وحيّ الميدان فيها، وكذلك المعالم الدينية القديمة ومنها جامع طيردبا ومسجد كفرتبنيت وكنيسة دردغيا وصولًا إلى جامع بليدا، وهي كلها معالم مدرجة على لائحة الأبنية التراثية.
قوات الاحتلال تدخل قلعة آثرية رغم قرار اليونسكو بتحصينها ضد الأغراض العسكرية
وشهدت قلعة دوبيه في مدينة شقرا اللبنانية وجود عسكري مسلح لقوات الاحتلال في 26 يناير الماضي، حيث دخلت إسرائيل هذه القلعة رغم إعلان منظمة اليونسكو في ديسمبر الماضي، أنها وعدد 34 موقع أخريين في لبنان يقعون تحت الحماية المحصنة ضد الهجوم والاستخدام لأغراض عسكرية، وكان الهجوم الإسرائيلي الأخير في نهاية يناير الماضي مدمرا لأجزاء تراثية عديدة على رأسها دمار أجزاء من أسوار قلعة تبنين، وقصف قلعة بوفورت للقصف، وقلعة شمع.
آثرون يطلقون حملة لتوثيق أضرار الحرب على التراث اللبناني
وتعليقا على هذا البيان، تؤكد جوان فرشخ بجالي، مديرة جمعية بلادي اللبنانية المتخصصة في حماية والتعريف بالتراث اللبناني، أن الحرب الإسرائيلية المدمرة على لبنان تمثل كارثة على التراث الثقافي والتاريخي للبلاد بعدما استهدفت قرى بأكملها في الجنوب والبقاع عمدًا، مما أدى إلى محو قرون من التاريخ، واقتلاع المجتمعات.
"اتخذنا إجراءات لفضح جرائم الاحتلال ضد الآثار اللبنانية من خلال البدء في التوثيق للكشف عن مدى الدمار الذي لحق بتراثنا والمتمثل في تدمير كامل ومباشر وآثار عدم الاستقرار البنيوي الناجم عن الاهتزازات وتلوث الهواء والتدهور البيئي"، هنا تكشف جوان فرشخ بجالي، في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع" جهود حصر الأضرار على التراث اللبناني بسبب العدوان الأخير، مؤكدة إطلاق حملة توثيق التدمير الثقافي خاصة في البقاع.
وتشير إلى أن أبرز المواقع التراثية المدمرة في لبنان جراء الحرب هو موقع شمع الآثري وموقع صور البحري وموقع البصر، والمدينة القديمة صور والأسواق، وبرج الشمالي، وكنيسة القديس جورج، ومقام النبي بنيامين، ومسد البي شعيب ببليدة، ومسجد شقرا، وقلعة تبنين / طزون، ومسجد كفر تبنيت القديم ، وسوق النبطية القديم وبيت شاهين، وبيت ظاهر، وبيت حسين محسن، ومسجد الجامع العتيق، ومسجد البياض، ومقبرة الباشورة، والموقع الآثري في بعلبك، والمنشية، وبوابة بعلبك، وقبة دوريس، وبيت عبد الحليم حجار.