دندراوى الهوارى

«صوماليلاند».. الخرائط لا تُرسم بالدم ولا تعاد صياغتها بالبلطجة السياسية

الأحد، 28 ديسمبر 2025 12:00 م


العبث فى الإقليم بلغ مداه، ولم تعد هناك قوانين دولية، ولا أعراف وتقاليد دبلوماسية حاكمة، وإنما الشرعية الوحيدة حاليا هى «لغة القوة» وشراهة كبيرة فى اغتصاب مقدرات الغير، وفرض أمر واقع جديد ومغاير، وكأن الدول الصغيرة المسالمة صارت مغانم للدول الكبرى القادرة على التحدث بلغة السلاح، فى إعادة قوية لإنسان الغاب!

الحقيقة أن هناك كيانا واحدا له أذرع متشعبة فى تحريك الأحداث، هو وراء كل هذا العبث، ومحاولة إعادة رسم وصياغة الخرائط بالدم، ورغم أن هذا الكيان ولد من رحم «السراب» إلا أنه صارا مؤلما وموجعا للإقليم كله، نذر نفسه للتخريب والتدمير وإثارة الفوضى، وكأنه لعنة شريرة تطارد أمن واستقرار المنطقة، بحثا عن تنفيذ مشروعات وهمية، مؤطرة بالدين، ومفعمة بالتزوير والخداع.

الكيان الإسرائيلى ومنذ ظهوره فى بداية القرن الماضى، كعصابات فى الأراضى العربية المحتلة تحاول أن تجد لها موطئ قدم فى أراضى الغير، تمهيدا لتنفيذ مشروع وهمى، فقد صار مصدرا قويا لإثارة الفتن وإندلاع الحروب وجلب الخراب والدمار، معتبرا أن الجميع من حوله أعداء، منتهزا الفرصة تلو الأخرى لتوظيفها واستثمارها لتحقيق أهدافه، وصولا للفرصة الذهبية المتمثلة فى طوفان الأقصى 7 أكتوبر 2023.

الكيان الإسرائيلى لم يكتف بارتكابه حرب إبادة فى غزة، أو بالمقتلة الدوارة فى سوريا ولبنان وإيران واليمن، فقرر أن يمد أذرعه إلى القرن الأفريقى بشكل علنى، بعد عقود من العبث الخفى، معلنا خلال الساعات القليلة الماضية اعترافه بإقليم «صوماليلاند» فى سلوك سياسى لا يمكن فصله تحت أى ظرف من الظروف عن مشروع إشعال الحرائق وإعادة رسم الخرائط خارج إرادة الشعوب.

الاعتراف الإسرائيلى بإقليم أرض الصومال «صوماليلاند» يأتى فى إطار تنسيق كامل مع إثيوبيا، فالمعادلة واضحة والمصالحة متشعبة، ضغط من الجنوب وتهديدات للممرات البحرية وتطويق استراتيجى لمصر عبر بوابة القرن الأفريقى من أجل اختراق البحر الأحمر، وما يستتبعه من تأثير على الأمن القومى المصرى، ومن قبله الأمن القومى العربى.

الاعتراف المزعوم بإقليم مقتطع من أراضى دولة ذات سيادة، ليس تفصيلا دبلوماسيا، وإنما سابقة خطيرة تفتح باب الفوضى فى القارة الأفريقية بأكملها وتنسف قواعد القانون الدولى وتعيد العالم إلى منطق القوة لا الشرعية، وهو منطق يصب فى مسار العبث والقلاقل والخراب والدمار.

ووسط هذا العبث، كان الموقف المصرى صلبا واضحا، من خلال تحرك سياسى سريع يعكس يقظة الدولة المصرية وإدراكها لخطورة اللحظة، بالتنسيق مع الدول الشقيقة والصديقة الفاعلة، فقد تلقى بدر عبدالعاطى، وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج، اتصالات مكثفة من وزراء خارجية الصومال وتركيا وجيبوتى، للتنسيق الدبلوماسى وإدانة هذا الاعتراف ورفضه والتأكيد على وحدة وسيادة وسلامة الأراضى الصومالية، ودعم لا يتزحزح لمؤسسات الدولة الصومالية الشرعية، ورفض قاطع لأى محاولات لفرض كيانات موازية أو اتخاذ إجراءات أحادية من شأنها تهديد أمن واستقرار المنطقة.

رسالة مصر واضحة، من يعبث بوحدة الدول يهدد السلم الدولى، ومن يفتح باب التقسيم يشعل حريقا لن ينجو منه أحد، واحترام سيادة الدول ليس خيارا سياسيا وإنما ركيزة أساسية للنظام والقانون الدولى.

بصراحة ووضوح، فإن ما يحدث فى القرن الأفريقى بشكل عام، ومحاولة تقسيم الصومال، على وجه الخصوص، ليس بعيدا عن القاهرة وليس شأنا صوماليا فحسب، وإنما معركة وعى وسيادة، وأن مصر حاضرة فى القلب، تتحرك وتواجه وتعلن أن الخرائط لا ترسم بالدم، ولا تعاد صياغتها بالبلطجة السياسية، وإيمانها المطلق بمبادئ العدل والأمن والسلام، والحفاظ على وحدة الدول، ودعم مؤسساتها الوطنية.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة