أكد الدكتور محمد المهدي، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر الشريف، أن انخفاض الأجور يُعد من العوامل الأساسية المسببة للاحتراق الوظيفي، موضحًا أن الموظف حين يبذل جهدًا كبيرًا ويتحمل ضغوطًا شديدة في العمل، وفي الوقت نفسه لا تكفيه الأجور التي يحصل عليها لتغطية متطلبات حياته، تتكون لديه مشاعر سلبية متراكمة تجعله يكره الوظيفة نفسها، خاصة إذا كان العمل شاقًا ولا يسمح له بالبحث عن عمل إضافي لتحسين دخله.
انعدام الأمان الوظيفي
وأوضح الدكتور محمد المهدي، خلال حلقة برنامج "راحة نفسية"، المذاع على قناة الناس، اليوم الأربعاء، أن من العوامل الخطيرة كذلك انعدام الأمان الوظيفي، حيث يعيش بعض الموظفين في حالة قلق دائم من فقدان وظائفهم في أي لحظة، مشيرًا إلى أن هذه الظاهرة لم تعد مقتصرة على بيئات العمل المحلية أو العربية فقط، بل أصبحت منتشرة على مستوى العالم، حتى داخل كبرى الشركات العالمية في الولايات المتحدة وأوروبا.
وأشار أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر الشريف إلى وجود حالات موثقة في شركات عالمية كبرى مثل أمازون وآبل، حيث تعرض بعض الموظفين لانهيارات نفسية حادة وصلت إلى الانتحار نتيجة ضغوط العمل الشديدة أو الشعور بالتهديد والاستغناء الوظيفي، لافتًا إلى أن وفرة العمالة وتزايد أعداد المؤهلين جعلت بعض أصحاب الأعمال يتعاملون مع الموظفين باعتبارهم قابلين للاستبدال بسهولة، دون الالتفات إلى حالتهم النفسية أو الضغوط التي يتعرضون لها، وهو ما يفاقم أزمة الاحتراق الوظيفي بشكل خطير.
فئات مهنية وشخصيات أكثر عرضة للاحتراق الوظيفي
أكد الدكتور محمد المهدي، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر الشريف، أن هناك فئات مهنية تُعد من أكثر الفئات عرضة للاحتراق الوظيفي، في مقدمتها الأطباء والممرضون والعاملون في أقسام الطوارئ بمختلف أنواعها، إلى جانب العاملين في المجال الإعلامي، وكذلك المعلمون، نظرًا لما يتعرضون له من ضغوط نفسية وعصبية مستمرة، وتعامل يومي مع أزمات ومواقف متلاحقة تتطلب تركيزًا عاليًا وجهدًا مضاعفًا.
وأوضح الدكتور محمد المهدي، أن بعض السمات الشخصية تلعب دورًا كبيرًا في زيادة احتمالية الاحتراق الوظيفي، وعلى رأسها الشخصية الكمالية أو ما يُعرف بالـ«برفكشنزم»، حيث يرهق صاحبها نفسه أكثر من المطلوب، حتى وإن كانت المهام الموكلة إليه معقولة، لأنه يسعى دائمًا لتنفيذها وفق معايير مثالية خاصة به، ما يستهلك منه وقتًا وجهدًا كبيرين، كما أشار إلى أن الشخصيات المثالية المستقيمة التي لا تجيد المجاملات أو اللف والدوران أو الصراعات داخل بيئة العمل، وغالبًا ما تتصور الحياة المهنية في صورة مثالية، تكون أكثر صدمة عند الاحتكاك بالواقع، وهو ما يجعلها أكثر عرضة للاحتراق النفسي والوظيفي.
الأشخاص الانطوائيين والتجنبيين
وبيّن أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر الشريف أن الأشخاص الانطوائيين أو التجنبيين، الذين اعتادوا الحياة في إطار مغلق من الدراسة والالتزام والنجاح الأكاديمي، يصطدمون بشدة عند دخولهم سوق العمل، حيث يكتشفون طبيعة البشر وصراعات المصالح داخل بيئة العمل، وهو ما يسبب لهم إنهاكًا نفسيًا كبيرًا، مؤكدًا أن أي شخص يعمل في وظيفة لا يحبها ويؤديها فقط من أجل لقمة العيش يكون عرضة بشكل كبير للاحتراق الوظيفي.
وأشار الدكتور محمد المهدي إلى أن الدراسات التي أُجريت في الولايات المتحدة كشفت أن نحو 50% من الموظفين يعانون من الاحتراق الوظيفي، وهي نسبة مرتفعة، حتى داخل شركات كبرى يحلم الكثيرون بالعمل فيها، موضحًا أن السبب يعود إلى طبيعة بيئات العمل في الشركات الناجحة، التي تتسم بالقسوة والسرعة الشديدة، حيث تُدار الأمور بالدقيقة والثانية لتحقيق الأهداف والتفوق على المنافسين، وهو ما لا يتوافق مع الطبيعة الإنسانية، فضلًا عن شعور الموظف بالغبن حين يرى أن الشركة تحقق أرباحًا هائلة بينما لا ينعكس ذلك عليه بشكل عادل، ما يؤدي في النهاية إلى الاحتراق الوظيفي.