هل السيكوباتي يولد هكذا أم تصنعه البيئة؟.. أستاذ طب نفسي يشرح الأسباب

الأربعاء، 17 ديسمبر 2025 09:37 م
هل السيكوباتي يولد هكذا أم تصنعه البيئة؟.. أستاذ طب نفسي يشرح الأسباب الدكتور محمد المهدي أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر الشريف

إبراهيم حسان

أكد الدكتور محمد المهدي، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر الشريف، أن تكوُّن الشخصية السيكوباتية لا يرجع إلى سبب واحد فقط، موضحًا أن الدراسات العلمية أثبتت وجود عامل وراثي لدى بعض الحالات، يتمثل في جينات معينة أو اضطرابات في التركيب البيولوجي والكروموزومات، قد تهيئ الشخص لاكتساب سمات سيكوباتية، إلا أن هذا العامل الوراثي وحده لا يكفي، بل تعززه وتفعّله عوامل بيئية ونفسية معقدة.

 

وأوضح أستاذ الطب النفسي، خلال حلقة برنامج "راحة نفسية"، المذاع على قناة الناس، اليوم الأربعاء، أن البيئة التي ينشأ فيها الطفل تلعب دورًا حاسمًا، خاصة طبيعة العلاقة بين الوالدين، وعلاقة الوالدين بالطفل، وحجم الصدمات التي يتعرض لها في مراحل مبكرة من حياته، مشيرًا إلى أن الطفل الذي يعيش حياة مضطربة، ويتنقل بين بيوت الأقارب، أو يتعرض للفقد والإهمال وعدم الاستقرار، قد تتشكل لديه رؤية قاسية عن العالم، تقوم على أن الحياة صراع، وأن الناس لا يؤتمنون، وأن عليه أن يستغل الآخرين أو يأخذ حقه بيده حتى لا يكون مظلومًا.

 

أخطر مرحلة

وأشار الدكتور محمد المهدي، إلى أن أخطر مرحلة في تشكيل هذه الشخصية هي السنة الأولى من العمر، حيث كشفت الدراسات أن حرمان الطفل من الحب والحنان والرعاية والدفء في هذه المرحلة المبكرة يولد لديه فقدانًا عميقًا للثقة، ليس فقط في الأم، بل في العالم كله، لأن الأم في وعيه المبكر تمثل العالم بأسره، مؤكدًا أن هذا الشعور لا يكون واعيًا أو لغويًا، بل يُخزن في الجسد والكيمياء الحيوية والنفسية للطفل، فينشأ وهو يحمل إحساسًا عميقًا بالرفض والنبذ، ما يدفعه لاحقًا للانتقام من العالم.

 

وأضاف أن تتبع السير الذاتية لكثير من الشخصيات السيكوباتية العنيفة في التاريخ كشف عن طفولات مليئة بالصدمات والقسوة والإهمال، لافتًا إلى أن المجتمع نفسه قد يعزز هذه السمات، خاصة إذا نشأ الفرد في بيئة عشوائية يسودها العنف والمخدرات والبلطجة، حيث يشعر أن البقاء يتطلب القوة والسيطرة وإرهاب الآخرين، فيكتسب هذه الصفات باعتبارها وسائل حماية.

 

وأوضح أستاذ الطب النفسي أن الدخول المبكر في دائرة الجريمة والعقاب يؤدي إلى حلقة مغلقة من العنف والعنف المضاد، حيث يختلط الشخص السيكوباتي بمجرمين أكثر خبرة داخل السجون، فيتعلم أساليب جديدة، ما يرسخ هذه السمات لسنوات طويلة. وعن صعوبة التعرف على الشخص السيكوباتي، أكد أن الأمر قد يكون سهلًا في حالة السيكوباتي العنيف الواضح، الذي تتكرر جرائمه وأحكامه، لكنه يصبح أكثر صعوبة مع السيكوباتي “الناعم” المهذب أو المبدع أو النصاب المتخفي، الذي يظهر في مواقف معينة بصورة شهامة وجدعنة، بينما تنكشف حقيقته فقط مع تتبع سلوكه عبر الزمن وتسلسل الأحداث.

 

أول وأخطر علامة

وشدد الدكتور محمد المهدي على أن أول وأخطر علامة يمكن التقاطها هي الكذب، وما يتفرع عنه من تلوُّن وخداع ومراوغة ولف ودوران، مؤكدًا أن ظهور هذه الصفات يستوجب الحذر الشديد وعدم التعامل بحسن نية مفرطة، لأن التساهل معها قد يوقع الإنسان في أذى نفسي أو مادي بالغ.

 

وقدم مجموعة من الإرشادات للتعامل مع الشخص السيكوباتي، أهمها الحفاظ على الثبات الانفعالي وعدم إظهار الخوف، لأن السيكوباتي يستغل خوف الآخرين لابتزازهم، وعدم منحه الأسرار أو كشف مكنونات النفس أمامه، وتجنب التعامل معه في الأمور المالية قدر الإمكان، مع تقليل الاحتكاك به إلى أدنى حد دون الدخول في صراعات أو مجاراته في الكذب والمراوغة، مؤكدًا أن السيكوباتيين موجودون في كل المجتمعات وبنسبة تقارب 1%، وقد يكونون زملاء عمل أو شركاء حياة أو رؤساء في العمل، ما يجعل الوعي والحذر ضرورة لا غنى عنها.

وأكد الدكتور محمد المهدي، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر الشريف، أن مفهوم السيكوباتية كثيرًا ما يُساء فهمه في المجتمع، موضحًا أن السيكوباتي الإكلينيكي الكامل، بالمعنى العلمي الدقيق، لا تتجاوز نسبته 1% فقط من الناس، وهي نسبة قليلة وصعبة التحقق، بينما توجد سمات سيكوباتية جزئية منتشرة لدى عدد أكبر من الأشخاص، مثل المراوغة والالتفاف والمناورة والسلوكيات الملتوية، وهي سمات لا تعني بالضرورة أن صاحبها سيكوباتي كامل كما هو موصوف في الكتب العلمية.

وأوضح أستاذ الطب النفسي، أن وجود هذه السمات الجزئية يفسر انتشار بعض أنماط السلوك الخادع أو المراوغ في المجتمع، مؤكدًا أن الوعي بها ضروري، خاصة في العلاقات الحساسة مثل الزواج والخِطبة والمعاملات اليومية، حتى لا يقع الإنسان في فخ شخصية قد تُسبب أذى نفسيًا أو اجتماعيًا، مع التأكيد على أن التشخيص لا يكون إلا من خلال المتخصصين.

وأشار الدكتور محمد المهدي إلى أن التعامل مع الشخص السيكوباتي لا يكون بالعزل أو الإقصاء أو التنكيل، متسائلًا عن جدوى التفكير في قتله أو نفيه أو عزله عن المجتمع، ومؤكدًا أن هذه الرؤية قديمة ولم تعد مقبولة علميًا أو إنسانيًا، لافتًا إلى أن الدراسات والخبرات الحديثة أثبتت أن اضطرابات الشخصية، ومنها السيكوباتية، يمكن التعامل معها وتحسينها بقدر معتبر إذا توفرت المعاملة الإنسانية والدعم الصحيح.

 

موقف إنساني صادق

وأضاف أن كثيرًا من التحولات الإيجابية تبدأ من موقف إنساني صادق، حيث قد يقابل الشخص السيكوباتي أخصائيًا اجتماعيًا، أو مسؤولًا، أو شخصًا حكيمًا يشعر به ويتفهم معاناته، ويساعده فعليًا على إيجاد باب رزق حلال أو فرصة حياة مستقرة، وهو ما يؤدي في حالات عديدة إلى تخليه عن العنف والبلطجة والاعتداء، والتحول إلى العمل الشريف والاستقرار الاجتماعي.

وأوضح أستاذ الطب النفسي أن هذا الدعم الإنساني يمكن أن يُدعَّم بعلاج متخصص، حيث ثبت أن بعض الأدوية بجرعات بسيطة، مثل مضادات الذهان، تقلل من الاندفاعية والعدوانية، وأن مثبتات المزاج تساعد في تهدئة التقلبات الانفعالية الحادة، كما أن بعض مضادات الاكتئاب قد تكون مفيدة، خاصة أن كثيرًا من هذه الشخصيات تعاني من توتر داخلي دائم وحاجة مستمرة لتحسين المزاج، مؤكدًا أن علاج الإدمان – إن وُجد – عنصر أساسي في تقليل السمات السيكوباتية.

وشدد الدكتور محمد المهدي على أن الشخص السيكوباتي، رغم كونه مؤذيًا في بعض سلوكياته، يظل إنسانًا في النهاية، وهو في كثير من الأحيان جاني ومجني عليه في آن واحد، إذ غالبًا ما يكون قد مر بطفولة قاسية، وتجارب صادمة، ونشأ في بيئات عنيفة ومضطربة وفوضوية، وهو ما يسهم في تشكيل هذه السمات الشخصية، داعيًا إلى عدم الاكتفاء بالحلول العقابية أو النبذ الاجتماعي.

وأكد أهمية الجمع بين الحزم والرحمة، وعدم إعانة الشيطان على الإنسان، مستشهدًا بما ورد في السيرة النبوية حين نُهي عن لعن رجل كان يُؤتى به شاربًا للخمر، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تلعنوه، فإنه يحب الله ورسوله»، موضحًا أن النظر إلى الجوانب المضيئة في الإنسان قد يكون مدخلًا حقيقيًا للإصلاح، حتى مع أكثر الشخصيات صعوبة وتعقيدًا.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة