«اليوم السابع» يكشف شبكات المراهنات الإلكترونية الخفية وراء الألعاب وكيف تستنزف ملايين الجنيهات يوميا من جيوب المصريين.. 3 طبقات خفية لتحريك المال خارج مصر والتطبيقات مصممة لتُخسرك دون أن تشعر.. فيديو

الأربعاء، 24 ديسمبر 2025 05:25 م
«اليوم السابع» يكشف شبكات المراهنات الإلكترونية الخفية وراء الألعاب وكيف تستنزف ملايين الجنيهات يوميا من جيوب المصريين.. 3 طبقات خفية لتحريك المال خارج مصر والتطبيقات مصممة لتُخسرك دون أن تشعر.. فيديو العاب القمار الالكترونية

أعد الملف: محمد فزاع – أحمد جمال الدين

 

خبير تشريعات إلكترونية: ألعاب القمار غير مجرمة بنص صريح ونحتاج لتدخل تشريعي عاجل

جمال فرويز: ألعاب القمار الإلكتروني تصل باللاعب إلى مرحلة إدمانية صعبة تتشابه مع «الهيروين»

دول الخليج من أكثر الأسواق الرقمية نموًا في المنطقة.. والإمارات تضع ضوابط انضباطية للغاية

السوق العالمي للمقامرة عبر الإنترنت يصل 172.8 مليار دولار بحلول 2033

تقديرات أولية: 500 ألف شخص يشاركون في ألعاب مراهنة بحجم تداول بحوالي 900 مليون جنيه

عدد المحافظ الإلكترونية الذكية في مصر 55.5 مليون محفظة نشطة ومعاملات 1.4 مليار معاملة بقيمة 1.8 تريليون جنيه

عدد المطورين المصريين حوالي 500 وغياب الإطار التنظيمي يعزز فرص انتشار منصات المراهنات غير المنظم


لم يكن الموظف «مصطفى. س»، يعتقد أنه يفعل أكثر من تمضية دقائق مملة على هاتفه المحمول.. لعبة دومينو بسيطة، ألوان مبهجة، ونقاط تُمنح مجانًا.. لا رهان، لا مخاطرة، ولا شيء يوحي بأن ما يبدأ كتسلية عابرة يمكن أن ينتهي بخسارة آلاف الجنيهات.

بعد أيام قليلة، تحوّلت النقاط إلى وعود بالربح، والربح إلى طلب شحن، والشحن إلى محفظة إلكترونية، ثم إلى وسيط مجهول يتواصل عبر «تليجرام».. لم يفهم «مصطفى» متى خرجت اللعبة من إطار الترفيه، ولا كيف أصبح جزءًا من منظومة مراهنة متخفّية، كل ما أدركه لاحقًا أنه لم يكن يلعب… بل يُراهن.

قصة مصطفى ليست حالة فردية، بل نموذج يتكرر يوميًا مع آلاف المستخدمين في مصر، داخل شبكة رقمية غير معلنة، تتسلل إلى الهواتف عبر ألعاب تبدو بريئة، لتستنزف ملايين الجنيهات خارج البلاد.

في هذا التحقيق الذي أجريناه على مدار أشهر مع تحليل بيانات مفصل، يكشف «اليوم السابع» كيف تحولت ألعاب الموبايل إلى بوابات مقامرة مقنّعة، بثلاث طبقات خفية لتحريك المال من محافظ إلكترونية مصرية إلى منصات مراهنة دولية، عبر وسطاء محليين، وإدارة أجنبية تتحدث بلهجة مصرية وعربية، وتستغل ثغرات التشريع الرقمي وطفرة الشمول المالي دون أن يشعر الضحايا.

 

أرقام تكشف خطر المراهنات

 
حجم سوق المراهنات
حجم سوق المراهنات

 

في عالم تسوده الهواتف الذكية، بات كثير من الشباب المصريين لا يفرّقون بين «اللعب» والمراهنة، يميلون إلى تحميل ألعاب تبدو بريئة على سطحها، مثل «دومينو، بينجو، فقاعات، دجاج يعبر الطريق»، لكن خلف واجهات الألوان الجذّابة والإعلانات المبهجة، تنبثق شبكة مراهنات سرية، تبنى من خلال لاعبين مثل «مصطفى، كريم، وسهى» اقتصادًا رقميًا موازٍ، تسيطر عليه محافظ إلكترونية، ووكلاء داخل مصر، لتصب في منصّات دولية مجهولة.

هذه الشبكة لا تُعلن اسمها صراحة، لكنها تُمكن مُصدّري تطبيقات الألعاب من تحويل ملايين الجنيهات يوميًا من جيوب المستخدمين المصريين إلى حسابات خارجية، فيما يسمى «اقتصاد القمار المقنّع».


 


 

لفهم عمق هذه الشبكة الرقمية في مصر، لا بد أولاً من إدراك أن ما يحدث محليًا ينسجم مع اتجاه عالمي متسارع، فالسوق العالمي للقمار عبر الإنترنت يُقدَّر بنحو 78.66 مليار دولار في 2024، ومن المتوقع أن يتضاعف ليصل 153.57 مليار دولار بحلول 2030، بحسب تحليل بيانات أجريناه من تقرير لشركة «Grand View Research» للأبحاث الأمريكية.

وفق تقرير آخر من مجموعة  IMARC للأبحاث الهندية، قُدّر حجم السوق بـ 93 مليار دولار 2024، ومن المتوقع أن يصل إلى 172.8 مليار دولار بحلول 2033، فيما تشير تقديرات من Spherical Insights للأبحاث الأمريكية، إلى أن السوق الرقمي قد يرتفع من 84.79 مليار دولار في 2023 إلى 164.53 مليار دولار بحلول 2033، وهذه الأرقام ليست بعيدة، ففي أوروبا وحدها، بلغت الإيرادات الرقمية من الألعاب والمراهنات عبر الإنترنت 47.9 مليار يورو في 2024.

 

وهذه الأرقام تضع ما نراه في مصر في سياق جزء من ظاهرة عالمية ضخمة، وما بدأ كلعبة بسيطة على جهاز محمول قد يكون جزءًا من اقتصاد مقامرة رقمي متطور، مدعوم بعمليات تسويق قوية، بنية دفع عالمية، وضغط تنظيمي ضعيف في بعض الأسواق.

 

كيف تَستغل الألعاب للاعبين؟

 
عدد اللاعبين فى مصر
عدد اللاعبين فى مصر

من خلال مقابلات مع لاعبين ووسطاء وخبراء، توصلنا إلى أن هناك طرقًا متكرّرة لتحويل الألعاب الترفيهية إلى مراهنات وأدوات اقتصادية، ففي بدايات العديد من هذه الألعاب، يمنح المستخدمون رصيدًا تجريبيًا كبيرًا «نقاط مكافأة» لتبدو وكأنها حقيقية، لكن هذا الرصيد غالبًا ما يُستخدم كبوابة أولى لتوليد رغبة اللاعب في الشحن.

وعندما يدّعي المستخدم أنه يريد سحب ما كسبه، يواجه شرطًا غير متوقع، كتفعيل رابط المحفظة، أو ربط الاسم الكامل، أو إيداع مبلغ صغير أولاً، وهذا الشرط لا يظهر دائمًا في البداية، لكنه يظهر في الوقت المناسب للاستحواذ على المال.

الكثير من اللاعبين يتعاملون مع وسطاء محليين من خلال واتساب أو تليجرام أو وسائط أخرى لتسهيل عملية الشحن إلى اللعبة، خاصة عندما لا يدعم التطبيق وسائل دفع مباشرة ملائمة في مصر، وهؤلاء الوسطاء ينقلون الأموال من المحافظ الإلكترونية المصرية إلى المنصّات الدولية، وهنا ينقطع الخيط بين المحافظ والمنصات الدولية.

من خلال تجربة بعض الألعاب وجدنا أنها تقدم بطولات أو منافسات «كاش» تتطلب اشتراكًا ماديًا من اللاعب، ليُحوّل اللعبة بالفعل من ترفيه إلى مراهنة، وأحيانا يظهر للاعبين رسائل دعائية داخل اللعبة، أو عبر «فيسبوك - تيك توك»، تدعوهم للانضمام إلى مجموعات مثل «توقع واربح»، حيث يُعرض عليهم شراء أكواد أو الانضمام لجروبات وسطاء.

شهادات الضحايا

 

لم تكن الشهادات التي جمعناها في التحقيق مجرد تجارب لعب عابرة، بل نماذج متكررة تكشف كيف تتحول ألعاب الهاتف إلى منظومة مراهنات متخفية، تستدرج المستخدم خطوة بخطوة، من مكسب صغير إلى خسائر متلاحقة.

تتشابه تفاصيل القصص رغم اختلاف الألعاب: إغراء أولي بالربح، ثم طلبات إيداع متكررة، ثم محاولة يائسة للانسحاب، لتنتهي الحالة بلاعب خاسر، مضغوطا نفسيًا، دون أن يدرك متى خرج من إطار الترفيه إلى دائرة المقامرة.

مصطفى (28 سنة، موظف)، طلب عدم إظهار هويته خوفًا من الوصم المجتمعي، بدأ لعب «دومينو كافية» كوسيلة للتسلية، ومع أول ربح في هيئة كروت شحن شعر بالانتصار، حتى طُلب منه لربح أكثر تنزيل تطبيق آخر لإمكانية السحب والشحن من محافظ إلكترونية وليحصل على هدايا ذهبية أخرى، ثم الدخول على جروبات فيس بوك وتليجرام ليحصل على أكواد تبديل الجوائز.

ولاستقطاب أشخاص بشكل أكثر، طلب منه إضافة أصدقاء مقابل هدايا أخرى، ثم يأتي فخ اللعبة بالدخول إلى مراهنات للمباريات عبر شحن المحفظة من الوكلاء المحليين، وهنا تأتي الخسارة فيطلب منه التواصل مع وكيل عبر تليجرام للمساعدة فيقنعه بالرهان بشكل أكبر والدخول في غرف خاصة بمقابل مادي مع وعود بمضاعفة الأرباح، لكنه فشل في سحب أغلب ما كسبه، وانتهى بخسارة كبيرة.

الأمر لم يختلف كثيرا عن كريم (29 سنة، عامل مخزن)، ضحية أخرى جرى استقطابه عبر إعلان على تيك توك للعبة "طريق الدجاج" كان عنوانه “ادفع 50 جنيه وخد أرباح قد تصل 18000 ألف جنيه”، يقول: "أول سلفة في اللعبة كانت رصيدًا تجريبيًا كبيرًا، جربت وفوزت أول مرة، ولكن عند محاولتي السحب طلبوا مني إيداع مبلغ صغير أولًا، فدفعت 300 جنيه، وخسرتهم من أول جولة".

يوضح في وصفه لطريقة اللعب: "التطبيق اتغير، الدجاجة تقف فجأة، واللعبة بقت تتحكم فيها الخوارزمية، بعد شوية ظهر لي رقم واتساب بيقولي: انضم لجروب كبار اللاعبين، نعلّمك الفوركس بتاع الدجاج، ومكاسبك تكبر"، موضحا أنه شحن أموالا تقدر بـ2000 جنيه خلال 3 أيام ولكنها ضاعت جميعا في 3 محاولات للعب.

سهى (35 سنة، موظفة في قطاع خاص)، كانت تحلم بعمل يحسن من دخلها، فوجدت إعلانا على فيس بوك، للعبة "بوبل شوتر" المتداولة كثيرًا، لكنها كانت عبارة عن "فخ كبير" خاصة وأن الدفع بعملة الدولار عبر تطبيق التحويلات "باي بال".

توضح أنها نزلت التطبيق كوسيلة ترفيه بسيطة، وسجلت عبر البريد الإلكتروني ورقم الهاتف، لتبدأ رحلة الإغراء بمكافأة فورية قيمتها 1020 جنيها، وبدأت الدخول في جولات تفوز وتخسر حتى لم يتبق لها أي أموال مجانية، وهنا بدأت تظهر لها بطولات "نقدية" داخل اللعبة تطلب اشتراكًا ماليًا، والدخول عبر مجموعات فيس بوك، ودعوة الأصدقاء للحصول على عملات يمكن استبدالها بـ60 سنت للمرة.

تقول: "فكّرت إنها اشتراك عادي في لعبة، لكن لما قربت أسحب، طلبوا ربط المحفظة وشحن مبلغ إضافي، واتصل بي وكيل مجهول عبر هاتف، يعرض أكواد للفوز مقابل مبلغ، ويعد بمساعدتي على السحب، وهنا شعرت بأن اللعبة تحولّت إلى مقامرة خفية، وأن هناك شبكة من الوسطاء تُدير عملية الشحن من كل لاعب، وخوفت أدفع فلوس وأخسرها لأن النهاية واحدة”.

 

تحركات أمنية وقضائية

ادوات الرقابه فى مصر
ادوات الرقابه فى مصر

خلال السنوات الأخيرة، صعّدت السلطات المصرية من تحركاتها لمواجهة شبكات المراهنات الإلكترونية التي تنشط عبر تطبيقات وألعاب رقمية، مستهدفة فئة الشباب بشكل خاص.

في أكتوبر 2024، كشفت هيئة الرقابة الإدارية بالتنسيق مع قطاع الأمن الوطني عن تشكيل عصابي منظم يعمل كوسيط محلي لمواقع مراهنات تُدار من خارج البلاد، حيث اعتمدت الشبكة على محافظ إلكترونية، وشرائح هواتف، وحسابات مالية وهمية لتلقي الأموال وتحويلها خارج مصر، وأكدت التحريات أن التعاملات المالية كانت بمبالغ كبيرة ومتكررة.

وأصدرت النيابة العامة المصرية أكتوبر 2024 قرارًا بفتح تحقيق موسّع في قضايا نهب أموال المواطنين عبر تطبيقات مراهنات رقمية، مع حبس المتهمين، وتكليف الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات بفحص التطبيقات والمواقع المستخدمة، وحصر الخطوط والمحافظ الإلكترونية المرتبطة بها، تمهيدًا لإيقافها واتخاذ الإجراءات القانونية بحقها.

وخلال يناير 2025، ضبطت الأجهزة الأمنية في محافظة أسيوط شخصين تورطا في إدارة نشاط مراهنات إلكترونية، وبحوزتهما مبالغ مالية، محافظ إلكترونية، وبطاقات بنكية وشرائح هاتف، حيث كانا يعملان كوكلاء محليين لتطبيقات مراهنة مقابل عمولات مالية.

بالتوازي مع ذلك، لجأت الدولة إلى أدوات الحجب والتنظيم التقني، حيث تم خلال سبتمبر 2024 التأكيد رسميًا على حجب عدد من تطبيقات ومواقع المراهنات، كما شملت أدوات الرقابة تعطيل محافظ رقمية، وقف خطوط، وتتبع التحويلات المالية المشبوهة، في إطار تعاون بين وزارة الداخلية، النيابة العامة، والجهاز القومي لتنظيم الاتصالات.

 

من يدير منصّات الإغراء؟

كيف تتحرك الاموال
كيف تتحرك الاموال

 

عند أول نظرة، تبدو الصفحات التي تروّج للألعاب مجرد حملات تسويقية “عادية” لألعاب خفيفة تستهدف المستخدمين العرب، فهي بأسماء عربية، ولهجة مصرية أو خليجية واضحة، مع تعليقات تبدو واقعية، ومقاطع قصيرة توحي بأن خلفها فريقًا يعمل من قلب المنطقة.

رحلة التدقيق في تحقيقنا بدأت من قسم شفافية الصفحات على منصة «فيسبوك» لنكتشف مشهدًا معاكسًا بالكامل، ومثيرًا للقلق، فحين تم تحليل عشرات الصفحات والإعلانات المدفوعة المرتبطة بهذه الألعاب، ظهر توزيع جغرافي واحد تقريبًا لمشرفي الصفحات "روسيا، أوكرانيا، فيتنام، تايوان، والولايات المتحدة"، ولا تكشف تلك الصفحات عن أي إدارة في دولة عربية واحدة، فقط محتوى عربي موجّه بعناية، لكن الأيدي التي تديره لا تمتّ للمنطقة بصلة.

هذا الأمر ليس مصادفة، بحسب متخصص التسويق بمواقع التواصل، المهندس محمد سامي، فهذه الدول أصبحت خلال السنوات الأخيرة مراكز رئيسية لتطوير الألعاب منخفضة الضبط، وتشتهر شركات داخلها بإنتاج مئات "التطبيقات المستنسخة" التي تستهدف أسواق العالم الثالث وخصوصًا الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

ووفق بيانات شركات تحليل التطبيقات، ينتمي المستخدمون العرب إلى واحدة من أسرع الشرائح نموًا في تحميل ألعاب الهاتف، تحديدًا الألعاب الخفيفة "فائقة البساطة" وهي نفس الفئة التي تعتمد عليها تطبيقات الربح الوهمي والمراهنات.

يضيف المهندس محمد سامي: "المستخدم العربي يحبّ فكرة الربح السريع، ويمنح وقتًا طويلًا للألعاب البسيطة، وهذا يجعل المنطقة هدفًا مثاليًا لمطوري ألعاب المراهنات التنكرية، ولذلك تستهدف هذه الشبكات المستخدم العربي عبر ثلاث نقاط قوة: لغة محلية مصنوعة بالذكاء الاصطناعي، ومحتوى يذكّر بالبيئة اليومية للمستخدم، ومعلنين مجهولي الهوية يسهل تغيّرهم كل 3 أو4 أشهر".

وبالبحث عن هذه الشبكات وجدنا أنها تعمل في حلقة مغلقة، صفحة تُغلق، وأخرى تُفتح باسم مشابه، وكلها مرتبطة بمجموعة إعلانية واحدة لا يمكن تتبعها بسهولة، وإذا حاولت البحث عن مقطع الفيديو المنتشر لن تجده على المنصات.

 

رحلة بحث أوروبية

من يدير العاب القمار
من يدير العاب القمار

عند فحص خلفيات الدول المسؤولة عن تشغيل الصفحات تظهر أسباب أكثر عمقًا، فروسيا وأوكرانيا من مراكز تطوّر الربح السريع المموّه، وتملك هاتان الدولتان أكبر عدد من مطوري «الألعاب المستنسخة» وشركات تضليل الإعلانات.

وفي تقارير نشرتها شركات أمن معلومات روسية 2023، تبين وجود شبكات كاملة تعمل على إنتاج ألعاب تبدو بسيطة، لكنها مخصّصة لجمع البيانات أو دفع المستخدمين إلى عمليات شراء صغيرة متتابعة ثم توجيههم إلى منصات مراهنة.

أما فيتنام تُعد ثاني أكبر منتج عالمي لفئة «الألعاب فائقة البساطة»، وتشتهر شركات كثيرة فيها بأنها تصنع مئات التطبيقات شهريًا، وتبيعها لشبكات تسويق تعمل عبر صفحات غير رسمية تستهدف العالم العربي، أما تايوان فتوجد بها شركات تُستخدم كواجهة قانونية لتطبيقات لا ترغب الشركات الأصلية - غالبًا في شرق أوروبا - في ربط أسمائها بها مباشرة.

أما الصفحات التي تُدار من الولايات المتحدة فهي تدير الحملات الإعلانية عبر شركات وسيطة تضمن قبول فيسبوك للإعلانات، حتى لو كان محتواها مضللًا كون الدولة يوجد بها منصة التواصل الأشهر.

وخلال تتبعنا للمحتوى ظهر أن مقاطع الفيديو العربية ليست صادرة من فريق عربي، بل من أدوات آلية، تتم عبر تعريب تلقائي بالذكاء الاصطناعي، فالكثير من النصوص المنشورة في الإعلانات تُكتب بأدوات تحويل نصية، تكشفها الأخطاء النحوية الغريبة أو التعبيرات غير المألوفة مثل "اسحب يمين تلاقي كنز"، في حين مقاطع فيديو بلهجة مصرية أو خليجية يتم إنتاجها باستخدام أصوات مولّدة بالذكاء الاصطناعي، مع برامج تغيير الصوت وممثلين بأجور منخفضة يتم استئجارهم عبر منصات آسيوية.

ومن خلال فحص مجموعة من الصفحات، تكرر ظهور نفس الحسابات تعلق بلهجات عربية مختلفة، ومن حسابات مزيفة، لكن تواريخ إنشائها مرتبطة بدول شرق آسيا.

يوضح خبير التسويق الرقمي: "هذه الشبكات تشتري تعليقات جاهزة، مكوّنة من أسماء عربية وصور شخصية منسوخة، والهدف خلق الثقة وإيهام المستخدم أن اللعبة مشهورة في بلده".

 

لماذا يتخفّى المعلنون؟

ويرجع السبب الرئيسي لاختفاء الهوية هو أن أغلب هذه الألعاب تخالف قواعد الإعلانات، سواء لقربها من المراهنات أو لكونها تقدم وعودًا كاذبة بالربح، فنجد أن "فيسبوك" منذ 2018، يمنع رسميًا الألعاب التي تقدم نقودًا مباشرة، والتطبيقات التي تُشبه القمار، والإعلانات ذات الوعود المالية السريعة.

حجم سوق الألعاب الإلكترونية في مصر
حجم سوق الألعاب الإلكترونية في مصر

ولذلك، تتعمد الشركات على تشغيل الصفحات من دول بعيدة وخاصة جنوب شرق آسيا لإخفاء الهوية، وتغييرها بشكل دوري، لمنع تتبعها أو إغلاقها، بينما ضحاياها الحقيقيون هم المستخدمون العرب مستغلين الفراغ القانوني.

 

الخوارزميات.. أكبر من لعبة ترفيهية

WhatsApp Image 2025-12-24 at 4.12.26 PM
 
وفي سياق تفكيك البنية العميقة لصناعة الألعاب، ما كان علينا سوى البحث عبر جوجل بكتابة "ألعاب مراهنات" وأغلقنا الصفحة دون النقر على أي رابط، لتنهال علينا في جميع مواقع التواصل الاجتماعي العشرات منها، وهو ما يوضحه مطوّر الألعاب السوري مياد أحمد، الذي يؤكد أن تصميم الألعاب الحديثة أصبح عملية هندسية ونفسية دقيقة تعتمد على فهم السلوك البشري.

يقول: "ُبنى مستويات الصعوبة تدريجيًا لتحفيز اللاعب دون دفعه للإحباط، ومع تصاعد التفاعل، يتحول البعد التجاري إلى جزء أساسي من التجربة عبر ما يُعرف بـ«تسييل التحديات»، أي دفع اللاعب لشراء أدوات أو فتح مستويات إضافية.

وتعمل الخوارزميات كـ«اللاعب الخفي»، حيث تراقب أسلوب المستخدم وتعدل الصعوبة والمكافآت بما يناسبه، لتبدو اللعبة وكأنها تفهم اللاعب، بينما الهدف الحقيقي هو زيادة زمن بقائه داخلها، وهو جوهر اقتصاد الانتباه، واقتصاديًا، أي نوع لعبة يمكن تحويله إلى منتج ربحي عبر الإعلانات أو المشتريات الداخلية أو الاشتراكات، بحسب المطور.

ويضيف: "تستفيد الألعاب أيضًا من تكاملها مع منصات التواصل الاجتماعي، التي توفر مساحات إعلانية وبيئات تحليل سلوكي تمكن المطورين من استهداف شرائح دقيقة وتحسين عناصر اللعبة وفق بيانات المستخدمين".

 
المهندس إسلام غنيم
المهندس إسلام غنيم
 
يؤكد المهندس إسلام غنيم، خبير أمن الألعاب والمراهنات، في تصريحات خاصة، أن الألعاب الإلكترونية تعتمد بشكل متزايد على الذكاء الاصطناعي لجمع بيانات المستخدمين وإنشاء ملفات تشمل سماتهم النفسية وتفضيلاتهم، ما يسمح باستهدافهم بإعلانات وألعاب متوافقة مع اهتماماتهم لضمان استمرار اللعب.

ويشير غنيم إلى أن عناصر الجذب مرتبطة بالإغراءات المالية، حيث يشمل الاستهداف اللاعب وأسرته، بدءًا بمبالغ صغيرة تتصاعد تدريجيًا، ما يضاعف الأموال التي يضخها اللاعب، وغالبًا ما تتم هذه العمليات خارج منصات التحميل الرسمية مثل “جوجل بلاي”، مع تحذيرات مزيفة عن فيروسات لضمان تحميل اللعبة من مصادر غير رسمية.

وتستهدف هذه الألعاب الشباب بشكل خاص بسبب فضولهم وسهولة الوصول للألعاب وتنوع التحديات، إلى جانب العامل المالي كحافز قوي، وتعتمد ألعاب المراهنات على مبدأ “الاتكالية”، حيث تقدم مكاسب أولية لجذب اللاعبين لكنها قائمة على خسائر الآخرين، قبل أن تتحول الأدوار تلقائيًا ليخسر الفائز لصالح لاعب آخر، بحسب "غنيم".

 

مراهنة «عابرة للحدود»

مراهنات عابرة للحدود
مراهنات عابرة للحدود
 
لم يكن التوسع في الشمول المالي داخل مصر سوى انعكاس طبيعي لوتيرة التحول الرقمي المتسارعة، وما صاحبه من توسّع في إتاحة أدوات الدفع الإلكتروني أمام قطاعات واسعة من المواطنين.

ووفق أحدث بيانات البنك المركزي المصري، ارتفعت معدلات الشمول المالي إلى 76.3% بنهاية يونيو 2025، بما يعادل نحو 53.8 مليون مواطن يمتلكون حسابات نشطة تشمل محافظ الهاتف المحمول، والبطاقات المدفوعة، والحسابات البنكية.

هذا التوسع، الذي يُعد خطوة إيجابية في مسار التنمية المالية، خلق في الوقت ذاته بنية دفع رقمية واسعة وسريعة، استغلّتها بعض المنصات غير المشروعة في تمرير معاملات مالية صغيرة ومتكررة، يصعب رصدها بشكل فوري، فسهولة التحويل وانخفاض تكلفته مكّنا هذه الجهات من توظيف المحافظ الإلكترونية كوسيلة تشغيل داخل أنشطة مراهنات غير معلنة.


 

 

3 طبقات لتحريك الأموال

ووفق تقرير حديث صادر عن شركة Grand View Research الأمريكية، قُدّر حجم سوق المراهنات الإلكترونية عالميًا بنحو  78.66 مليار دولار خلال 2024، مع توقعات بوصوله إلى 153.57 مليار دولار بحلول 2030، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 11.9%. هذه الأرقام تفسر لماذا تبحث منصات دولية مرخّصة في دول غير عربية عن أسواق جديدة ذات كثافة سكانية عالية، وبنية دفع رقمية مرنة، ورقابة قانونية معقدة.

وعندما تتجه هذه المنصات إلى سوق مثل مصر، تبدأ المرحلة الأولى عبر المحافظ الإلكترونية باعتبارها القناة الأسهل والأسرع للوصول إلى المستخدم، قبل أن تتشكل شبكة من الوكلاء المحليين الذين يعملون كحلقة وصل مباشرة بين اللاعب والمنصة الأجنبية.

في الطبقة الثانية، يظهر دور الوكلاء المحليين بوضوح، وهؤلاء يتلقّون المدفوعات مباشرة من محافظ مصرية، ثم يعيدون شحن حسابات اللاعبين داخل المنصات، أو يمررون الأموال عبر بوابات دفع خارجية، وأحيانًا عبر عملات رقمية مثل USDT أو Bitcoin.

أما الطبقة الثالثة، فهي المسوّقون الرقميون ومروّجو المحتوى، الذين يديرون صفحات إعلانية وحسابات على فيسبوك وتيك توك وتيليجرام، غالبًا من خارج مصر، لكن بمحتوى مكتوب ومصوّر باللهجة المصرية أو الخليجية. هنا تُباع فكرة «اللعب من أجل التسلية» ممزوجة بوعد الربح السريع، في محاولة لإعادة تعريف المراهنة باعتبارها نشاطًا ترفيهيًا لا يحمل مخاطر حقيقية.
 

حجم السوق المصري

حجم سوق المراهنات
حجم سوق المراهنات

رغم غياب أي بيانات رسمية معلنة عن حجم المراهنات الإلكترونية داخل مصر، فإن بناء تقدير أولي يصبح ممكنًا عبر مؤشرات متقاطعة، فإذا افترضنا – بشكل محافظ – أن 1% فقط من مستخدمي المحافظ النشطة أي نحو 500  ألف شخص) يشاركون في ألعاب مراهنة متكررة، وبمتوسط إنفاق شهري150  جنيهًا للفرد، فإن حجم التداول السنوي يقترب من 900 مليون جنيه مصري.


هذا الرقم قد يرتفع بسهولة إلى ما يتجاوز مليار جنيه سنويًا في حال زيادة نسبة المشاركة أو متوسط الإنفاق، وهو سيناريو غير مستبعد في ظل النمو العالمي المتسارع لهذا القطاع، وسهولة التحويل الرقمي، وانتشار ثقافة “الرهان السريع” عبر الألعاب.

 

زيادة متصاعدة للمحافظ الرقمية

نمو المحافظ الالكترونية
نمو المحافظ الالكترونية

تشير أحدث بيانات رسمية عن البنية المالية الرقمية في مصر إلى طفرة في حجم وعدد معاملات الدفع الإلكتروني التي يمكن أن تشكل قاعدة أساسية لفهم حركة الأموال في الاقتصاد الرقمي، بما في ذلك التحويلات المالية الناشئة عن صنوف المراهنة الرقمية.

وفقًا لتصريحات البنك المركزي المصري، وصل عدد المحافظ الإلكترونية الذكية إلى نحو 55.5 مليون محفظة نشطة حتى يونيو 2025، مع تنفيذ ما يقرب من 1.4 مليار معاملة بقيمة إجمالية تجاوزت 1.8 تريليون جنيه خلال نفس الفترة.

وتكشف بيانات أخرى عن انتشار واضح لاستخدام المحافظ في التعاملات المالية اليومية، فبحسب تقارير الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، شهدت المحافظ الإلكترونية التابعة لشركات الاتصالات زيادة بنحو 29% في العدد لتصل إلى 46.3 مليون محفظة في الربع الثاني من 2025، كما ارتفعت قيمة المعاملات المالية باستخدام المحافظ بنسبة 72% لتصل إلى 943.4 مليار جنيه مقارنة بالربع المقابل من العام السابق، بينما ارتفع عدد عمليات الدفع إلى 717.7 مليون معاملة بزيادة تفوق 80% سنويًا.

وتبيّن هذه الأرقام أن التحوّل إلى الدفع غير النقدي بات واقعا يتشكل سريعًا على الأرض، ففي عام 2024 وحده، نفّذ مستخدمو الخدمات المصرفية عبر الإنترنت والموبايل 114 مليون معاملة قيمتها 11.7 تريليون جنيه، بينما وصل عدد المشتركين في هذه الخدمات إلى حوالي 18 مليون مستخدم، ما يعكس توسع نطاق الاعتماد على القنوات الرقمية لإدارة الأموال عالميًا وداخليًا.

ولم يقتصر النمو على المحافظ فحسب، بل امتد إلى شبكات الدفع الفوري مثل تطبيق InstaPay الذي تجاوز عدد مستخدميه 16 مليون مستخدم حتى منتصف 2025، ونجح في تنفيذ أكثر من 1.1 مليار معاملة بقيمة 2.4 تريليون جنيه، ما يعزز من تحول المجتمع المالي المصري إلى اقتصاد رقمي متصل.
وتكشف مقارنة أجريناها بين نمو المحافظ الرقمية ونمو معاملات التحويل المالي عن مفارقة لافتة في السوق المصري، فبينما ارتفع عدد المحافظ الإلكترونية بنسب تجاوزت 30%، قفزت قيمة وعدد العمليات المنفذة عبر هذه المحافظ بما يزيد على 60%، وفق بيانات البنك المركزي المصري.

ورغم أن هذا التسارع الحاد في الشمول المالي يعد مؤشرا جيدا للاقتصاد المصري، لكنه قد يفتح في الوقت ذاته نافذة مثالية لأنشطة مالية رمادية، على رأسها تحويلات المراهنات الإلكترونية غير المرخّصة، التي تعتمد بطبيعتها على مبالغ صغيرة ومتكررة يصعب رصدها رقابيًا.

في المقابل، يُظهر سوق المراهنات الإلكترونية عالميًا معدل نمو أبطأ نسبيًا لا يتجاوز 12% سنويًا، وفق تقديرات شركات أبحاث دولية، ما يعني أن الخطر لا يكمن في حجم السوق بقدر ما يكمن في جاهزية شبكات الدفع المحلية لاستيعاب هذا النشاط.

 
نمو البنية الماليه الرقمية فى مصر
نمو البنية الماليه الرقمية فى مصر

المراهنات الإلكترونية غير مجرمة

 
الدكتور محمد حجازي
الدكتور محمد حجازي
 
يقول الدكتور محمد حجازي، خبير التشريعات الإلكترونية وعضو الهيئة الاستشارية العليا للأمن السيبران، إن المشكلة لا تكمن في صناعة الألعاب بحد ذاتها، وإنما في استغلال بعض الجهات لفكرة «الثراء السريع» عبر ألعاب تمنح وعودًا بتحقيق أرباح مالية دون مجهود حقيقي، ما يفتح الباب أمام أنماط خفية من القمار الرقمي.

وتساءل حجازي: «هل القمار مُجرَّم في مصر؟ الإجابة نعم، لكن السؤال الأهم: هل القمار الإلكتروني مُجرَّم؟»، موضحًا أن الإجابة القانونية حتى الآن هي «لا».

وكشف أن القانون المصري لا يتضمن نصًا صريحًا يجرّم القمار الإلكتروني، استنادًا إلى مبدأ المشروعية الجنائية المنصوص عليه دستوريًا، والذي يقضي بأنه «لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص»، مشيرًا إلى أن النصوص الحالية تتناول القمار في صورته التقليدية المرتبطة بالأماكن المادية على أرض الواقع، دون التطرق إلى القمار عبر الوسائط الرقمية أو التطبيقات الإلكترونية.

وأكد خبير التشريعات الإلكترونية أن هذا الفراغ التشريعي يستدعي تدخلاً عاجلاً لإصدار نصوص قانونية واضحة تجرّم القمار الإلكتروني عبر الألعاب الرقمية، مضيفا أن حركة الأموال داخل هذه الألعاب تتم عبر محافظ إلكترونية، أو حسابات بنكية، أو بطاقات ائتمان، وهي جميعها تخضع لمنظومة دفع رقمية يمكن مراقبتها، لافتًا إلى أن عمليات التحويل المالي تعتمد على أكواد يمكن للبنك المركزي والبنوك العاملة في مصر تتبعها أو إيقافها للحد من تدفق الأموال إلى هذه المنصات.

وأشار إلى أن القائمين على هذه التطبيقات غالبًا ما يعملون تحت غطاء أنشطة شرعية لإخفاء جرائمهم، مستخدمين محافظ إلكترونية غير مسجلة بأسمائهم الحقيقية، أو بطاقات لأشخاص متوفين، أو مستغلين محافظ إلكترونية لأشخاص بسطاء مقابل مبالغ زهيدة، إضافة إلى جمع خطوط هواتف محمولة مفعّل عليها محافظ مالية واستخدامها في تداول الأموال على مواقع المراهنات الإلكترونية، في مخالفة صريحة للقانون.

 

إعلانات اللعبة.. منظومة متكاملة

المهندس أحمد صقر مدير اتحاد مطوري الألعاب في مصر
المهندس أحمد صقر مدير اتحاد مطوري الألعاب في مصر

تمر صناعة الألعاب الإلكترونية بسلسلة مراحل مهمة، بحسب المهندس أحمد صقر، مدير اتحاد مطوري الألعاب في مصر، موضحًا أن المطورين يبدؤون بتحديد نوع اللعبة والجمهور المستهدف وهدف اللعب، لكن الأهم صناعة التحديات لأنها تقوم على تصاعد تدريجي في الصعوبة، ونظام مكافآت، وأهداف قصيرة وطويلة المدى، مع عنصر مفاجأة ومخاطرة محسوبة، بما يضمن بقاء اللاعب لفترات أطول داخل اللعبة.

ويشير إلى أن اقتصاد الألعاب يقوم على نماذج متعددة، أبرزها الشراء داخل التطبيق، واشتراكات «بطاقة المعركة»، و«صناديق الحظ»، التي تتعامل معها بعض الدول باعتبارها شكلًا من المقامرة، ومع تطور هذه النماذج، اقتربت بعض الألعاب من المراهنات حين يدفع اللاعب أموالًا حقيقية مقابل احتمال ربح مالي، ما يضعها في نطاق القمار قانونيًا.

ويؤكد صقر أن ليس كل لعبة تصلح لهذا النموذج، إذ يجب أن تكون تنافسية، وأن لا تكون نتائج الفوز والخسارة متحكمًا فيها بالكامل من المطور، مع وجود عنصر مخاطرة مقابل احتمال ربح، بينما تظل ألعاب التعليم والألغاز وألعاب الأطفال بعيدة عن هذا الإطار.

وأضاف أن الإعلانات أصبحت المصدر الرئيسي لدخل ألعاب الموبايل، سواء عبر الإعلانات بمكافأة أو الإعلانات الفاصلة أو إعلانات البانر، مع دور محوري لمنصات التواصل الاجتماعي في تسويق الألعاب مقابل عائد إعلاني يحصل عليه المطورون.

 

كيف يتم الإيقاع باللاعب؟

توضح داليا خضر، الرئيسة التنفيذية والشريكة ومديرة مشروع Sunny Moon المتخصص في صناعة ألعاب الموبايل بلبنان، أن تصميم الألعاب بات أداة استدراج مدروسة تهدف إلى إبقاء اللاعب داخل التجربة لأطول وقت ممكن.

وتشير إلى أن كل عنصر بصري باللعبة، من الشخصيات والألوان إلى الإضاءة وحركة الرسوم، يُبنى ضمن منظومة متكاملة تنسجم مع القصة وتوجه مشاعر اللاعب دون وعي منه، مؤكدة أن أي خلل بصري قد يدفع المستخدم إلى مغادرة اللعبة فورًا.

 

إدمان مماثل للهيروين

أستاذ الطب النفسي الدكتور جمال فرويز
أستاذ الطب النفسي الدكتور جمال فرويز
 
ومن جانبه، يوضح أستاذ الطب النفسي الدكتور جمال فرويز، إن هذه الألعاب تعتمد على جذب اللاعبين عبر الإغراء المادي المباشر، حيث تؤدي المكاسب الأولية إلى إفراز هرمون «الدوبامين» في المخ، ما يمنح اللاعب شعورًا زائفًا بالسعادة والنشوة.

ويوضح في تصريحات خاصة، أن هذه الحالة تدفع اللاعب إلى البحث المتكرر عن اللعبة لمحاولة استعادة نفس الشعور، حتى مع استمرار الخسائر، وهو ما يوصله لمرحلة إدمانية شديدة الخطورة، تتشابه في تأثيرها النفسي مع إدمان المخدرات القوية مثل الهيروين.

ويؤكد أن التعامل مع هذه الحالات يتطلب تدخلًا علاجيًا عاجلًا، يبدأ بقطع وسائل التواصل بين اللاعب وهذه الألعاب، للحد من تفاقم الإدمان واستعادة السيطرة السلوكية.

ولفت إلى أن تصميم ألعاب المراهنات يستند إلى أسس نفسية مدروسة لتعميق ارتباط اللاعب باللعبة، مشيرا إلى أن الألوان، والإضاءة، والمؤثرات الصوتية والبصرية تُستخدم لإثارة مشاعر محددة، مثل التوتر أو الطمأنينة أو الإلحاح، بما يعزز الرغبة في الاستمرار، وإبقاء اللاعب داخل دائرة التفاعل والإنفاق
تقنين الدول العربية لألعاب المراهنات

رغم أن دول الخليج تُعد من أكثر الأسواق الرقمية نموًا في المنطقة، فإن تعاملها مع تطبيقات الألعاب ذات الطابع الربحي يختلف في التفاصيل القانونية بين بلد وآخر.

 
مقارنه مصر و السوق العربية
مقارنه مصر و السوق العربية
 

الإمارات قوانين صارمة و قواعد محددة

في الإمارات، الإطار القانوني أكثر وضوحًا مقارنة ببقية الدول، فقانون العقوبات الاتحادي «المواد 414 – 17» يجرّم المراهنة غير المرخّصة، لكنه في المقابل يسمح للأنشطة المرتبطة بالألعاب الإلكترونية بأن تعمل تحت رقابة هيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية«TDRA» ودوائر التنمية الاقتصادية.
الإمارات أكثر صرامة ووضوحا

نمو السوق الاماراتى
نمو السوق الاماراتى

 

ولا تعطي الإمارات “ترخيص مراهنات” لكنها تسمح بتشغيل ألعاب تعتمد على المكافآت والجوائز إن لم تكن قائمة على الرهان المباشر على المال، ولذلك تلجأ الشركات إلى نماذج «لعب لتربح نقاط» التي تُستبدل بجوائز، وليس أموالًا نقدية، لتظل داخل الإطار القانوني.

في الوقت نفسه، تطبّق الإمارات واحدة من أقوى أنظمة الحجب في المنطقة، إذ تعمل هيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية، على منع منصات الرهان الدولية بشكل مستمر، لكن منصات أجنبية تعاود الظهور عبر روابط بديلة أو«VPN» ما يجعل الاستهداف مستمرًا رغم الحظر.

وفي السعودية، نجد نظام العقوبات الجنائي يجرّم المراهنات بكافة صوره، سواء كان إلكترونيًا أو مباشرًا، كما تصنّف هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية «CITC» جميع منصات المراهنات كـ«محتوى محجوب»، وتنفّذ عمليات حجب يومية للروابط والتطبيقات.

رغم ذلك، فإن السوق السعودي يظلّ هدفًا للمنصات الأجنبية بسبب القوة الشرائية المرتفعة للمستخدمين، كما أن الكثير من التطبيقات الأجنبية التي تستهدف الجمهور السعودي تعمل عبر نموذج «ألعاب مهارية تدفع أموالًا»، وهو نموذج رمادي قانونيًا، لأن القانون السعودي لا يفرّق بوضوح بين «اللعبة القائمة على الحظ» و«اللعبة القائمة على المهارة».

وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن السعودية من أكثر أسواق الخليج التي يتم استهدافها من خارج الحدود عبر روابط وهمية لإغراء المستخدمين بالربح السريع، رغم أن الدولة لا تصدر أي تراخيص لأي شكل من أشكال المراهنات الرقمية.

أما الكويت تتبنى إطارًا قانونيًا مشابهًا للسعودية، إذ يجرّم قانون الجزاء الكويتي «كل صور القمار والميسر»، بما فيها الوسائط الإلكترونية، لكن ما يميز التجربة الكويتية هو التشدد المالي.

فنجد أن بنك الكويت المركزي أصدر أكثر من تعميم يحظر استخدام البطاقات البنكية في أي مواقع مراهنة، حتى لو كانت المواقع خارج البلاد، وتفرض البنوك الكويتية أنظمة مراقبة فورية لأي عمليات تحويل «مريبة» إلى منصات دفع مرتبطة بالمراهنات أو الألعاب الربحية.

ورغم ذلك، تظل الكويت من الأسواق المستهدفة، لأن تطبيقات أجنبية تعتمد على محافظ دفع دولية أو بطاقات افتراضية تلتف على الضوابط المحلية، وبذلك، تصبح عمليات الرهان ممكنة رغم الحظر القانوني.

 

سوق متنامي يحتاج لتنظيم تشريعي صارم

مصر و السوق العربية
مصر و السوق العربية

مساعد الأمين العام لمجلس الوزراء المصري لنظم المعلومات والتحول الرقمي سابقا، المهندس زياد عبدالتواب، يؤكد أن عدد المطورين العاملين في مجال تطوير الألعاب في مصر نحو 500 مطور، وهو رقم لا يتناسب مع حجم السوق الرقمي المتنامي، ما يحد من قدرة السوق المحلي على إنتاج بدائل آمنة ومنظمة، ويترك مساحة أكبر لمنصات خارجية غير خاضعة للرقابة.

المهندس زياد عبدالتواب مساعد الأمين العام لمجلس الوزراء المصري لنظم المعلومات والتحول الرقمي سابقا
المهندس زياد عبدالتواب مساعد الأمين العام لمجلس الوزراء المصري لنظم المعلومات والتحول الرقمي سابقا

وأضاف أن غياب الإطار التشريعي والتنظيمي الواضح يمثل أحد أبرز التحديات أمام صناعة الألعاب الإلكترونية في مصر، مشددًا على أهمية وضع تشريعات تحمي حقوق جميع الأطراف وتضمن استدامة الصناعة.

وأوضح أن شركات تطوير الألعاب في مصر تعاني من ضعف الدعم المالي، ما ينعكس على قدرتها على إنتاج ألعاب تنافس على المستوى العالمي، ويحد من فرص الوقوع في فخ ألعاب المراهنات.

برنامج مراهنات فى مصر
برنامج مراهنات فى مصر

 




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة