من مقدونيا إلى سويسرا.. صدمة أسعار الطعام تشق أوروبا نصفين.. دول تدفع 20% من دخلها للغذاء وأخرى تشترى بسلة أغلى من المتوسط بـ60%.. الأجور والضرائب المعادلة الخفية.. وهذه خريطة الغلاء والجوع الصامت فى القارة

الخميس، 18 ديسمبر 2025 06:00 ص
من مقدونيا إلى سويسرا.. صدمة أسعار الطعام تشق أوروبا نصفين.. دول تدفع 20% من دخلها للغذاء وأخرى تشترى بسلة أغلى من المتوسط بـ60%.. الأجور والضرائب المعادلة الخفية.. وهذه خريطة الغلاء والجوع الصامت فى القارة صدمة أسعار الطعام تشق أوروبا نصفين - أرشيفية

فاطمة شوقى

فى وقت تتزايد فيه الضغوط المعيشية على الأسر الأوروبية، تكشف أرقام حديثة عن تفاوت صادم فى أسعار الغذاء داخل القارة، لا يعكس فقط اختلاف مستويات المعيشة، بل يفضح فجوة عميقة بين دول تدفع ثمن الطعام من أمنها الاجتماعى، وأخرى تشترى الغذاء بأسعار باهظة لكنها تملك دخلاً يسمح بالتحمل.

 

وأصبح الغذاء، الذى يُفترض أن يكون حاجة أساسية مشتركة، اليوم مؤشرًا صارخًا على عدم المساواة داخل أوروبا، ووفق بيانات الاتحاد الأوروبى، يمثل الإنفاق على الطعام فى المتوسط 11.9% من ميزانيات الأسر، لكنه يقفز إلى نحو 20% فى دول مثل رومانيا، ما يعنى أن أى ارتفاع فى الأسعار يضرب مباشرة الفئات الأكثر هشاشة.

 

خريطة أسعار غير متكافئة

ويعتمد هذا التحقيق على مؤشر مستوى أسعار الغذاء الصادر عن يوروستات، والذى يقارن تكلفة سلة غذاء موحدة في الدول الأوروبية. فإذا اعتُبر متوسط سعر السلة في الاتحاد الأوروبي 100 يورو، فإن النتائج تكشف فوارق حادة.
في أقصى طرف القائمة، تأتي مقدونيا الشمالية كأرخص دولة غذائيًا بين 36 دولة أوروبية، حيث لا تتجاوز تكلفة السلة هناك 73 يورو، أي أقل بـ27% من المتوسط الأوروبي. وتلحق بها دول جنوب شرق أوروبا وغرب البلقان، مثل تركيا (75.7 يورو)، والبوسنة والهرسك (82.5 يورو)، والجبل الأسود (82.6 يورو)، وبلغاريا (87.1 يورو).

 

أما الطرف الآخر من المعادلة، فيحمل أرقامًا أكثر صدمة. إذ تتربع سويسرا على عرش الغلاء الغذائي في أوروبا، حيث تصل تكلفة السلة نفسها إلى 161.1 يورو، أي أعلى بـ61% من متوسط الاتحاد الأوروبي. وبعدها تأتي آيسلندا (146.3 يورو) والنرويج (130.6 يورو)، لتؤكد أن دول رابطة التجارة الحرة الأوروبية من بين الأغلى في القارة.

 

داخل الاتحاد الأوروبي: فجوة واضحة

حتى داخل الاتحاد الأوروبي نفسه، لا يقل التفاوت حدة. تسجل رومانيا أدنى أسعار غذاء داخل الاتحاد عند 74.6 يورو، أي أقل بـ25.4% من المتوسط، بينما تعد لوكسمبورج الأغلى بسعر 125.7 يورو، متجاوزة المتوسط بـ25.7%.
كما ترتفع أسعار الغذاء بأكثر من 10% عن المتوسط الأوروبي في دول مثل الدنمارك، وإيرلندا، وفرنسا، والنمسا، ومالطا، في حين تبقى إسبانيا أقل من المتوسط بنحو 5.4%، ما يجعلها أكثر توازنًا نسبيًا بين الدخل والأسعار.

 

لماذا يدفع البعض أكثر؟

توضح الخبيرة الاقتصادية إيلاريا بينيديتي، الأستاذة المشاركة بجامعة توسيا، أن هذه الفوارق لا ترتبط بالأسعار فقط، بل بعوامل هيكلية معقدة، تشمل تكاليف الإنتاج، وسلاسل التوريد، وأسعار الطاقة، وتأثير الأزمات العالمية مثل جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا.


وتشير إلى أن الاقتصادات الصغيرة والمنفتحة، خاصة في شرق وجنوب شرق أوروبا، كانت أكثر عرضة للصدمات، ما رفع كلفة الغذاء مقارنة بقدرة المواطنين على التحمل.

 

الأجور والضرائب.. المعادلة الخفية
 

من جانبه، يؤكد آلان ماثيوز، أستاذ كلية ترينيتي في دبلن، أن مستويات الأجور تلعب الدور الحاسم. فالدول ذات الدخول المرتفعة، مثل الدنمارك وسويسرا، تسجل أسعار غذاء أعلى لأن تكاليف العمالة تنعكس مباشرة على الزراعة والتصنيع والتجزئة.


كما تساهم  الضرائب، وخاصة ضريبة القيمة المضافة، في توسيع الفجوة. ففي حين تطبق دول مثل إيرلندا معدلات منخفضة أو صفرية على الغذاء، تفرض دول أخرى نسبًا قياسية، ما يزيد العبء على المستهلك النهائي.

 

الغلاء والأمن الغذائي

يرى الخبير جيريمياس ماتيه بالوج، الأستاذ المشارك بجامعة كورفينوس في بودابست، أن الخطر الحقيقي يكمن في ربط الأسعار بالدخل،  فحتى إن كانت الأسعار الاسمية أقل في دول شرق أوروبا، فإن انخفاض الدخول يجعل الغذاء أكثر عبئًا، ويهدد الأمن الغذائي للأسر محدودة الدخل.


ويحذر من أن مؤشر يوروستات لا يعكس القوة الشرائية الفعلية، ما يخفي حقيقة أن الغلاء في الدول الفقيرة قد يكون أشد وطأة من الأسعار المرتفعة في الدول الغنية.

 

أوروبا بين الغلاء والعدالة الاجتماعية

تكشف هذه الأرقام أن أزمة أسعار الغذاء في أوروبا ليست مجرد مسألة أرقام، بل قضية عدالة اجتماعية واقتصادية. ففي حين تستطيع دول ذات دخول مرتفعة التعايش مع الغلاء، تواجه دول أخرى خطر اتساع الفجوة بين الدخل وتكلفة المعيشة، ما ينذر بتوترات اجتماعية صامتة داخل القارة.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة