شهدت البرازيل موجة واسعة من الاحتجاجات غير المسبوقة، شارك فيها عشرات الآلاف من المواطنين في مدن رئيسية، احتجاجًا على مشروع قانون قد يُخفف العقوبة المفروضة على الرئيس السابق جايير بولسونارو إلى أكثر بقليل من عامين سجنًا.
ووفقا لتقرير نشرته صحيفة انفوباى الأرجنتينية فقد تأتي هذه الاحتجاجات في سياق سياسي متوتر، حيث يواجه بولسونارو، الذي حكم البلاد بين عامي 2019 و2022، أحكامًا قضائية بسبب تآمره للبقاء في السلطة بأسلوب استبدادي، بغض النظر عن نتائج انتخابات 2022 التي خسرها أمام منافسه اليساري والرئيس الحالي لولا دا سيلفا.
لا عفو .. مظاهرات ضخمة ضد تخفيف العقوبة ضد بولسونارو
المظاهرات، التي نظمتها منظمات يسارية، امتدت إلى عشرات المدن، منها برازيليا وريو دي جانيرو وساو باولو، وسجلت حضورًا جماهيريًا لافتًا في شوارع البلاد. ففي ريو دي جانيرو، شارك نحو 19 ألف متظاهر في مسيرة ضخمة على شاطئ كوباكابانا، رافعين لافتات تحمل شعارات مثل «لا عفو» و«الكونجرس عدو الشعب»، في مؤشر على رفض قطاعات واسعة من المجتمع لأي محاولة لتخفيف العقوبة. وحظيت الفعالية بدعم فني من أبرز رموز الموسيقى البرازيلية، بما في ذلك كايتانو فيلوسو وجيلبرتو جيل وشيكو بواركي، الذين ظهروا على مسرح صغير لتشجيع الحراك المدني.
وفي ساو باولو، تركزت الاحتجاجات في شارع باوليستا الشهير، حيث تجمع ما يقارب 14 ألف شخص، وفق تقديرات مرصد تابع لجامعة ساو باولو، بينما احتشد المتظاهرون في برازيليا بالقرب من المتحف الوطني، قبل أن يتجهوا في مسيرة باتجاه مبنى الكونجرس، في رسالة واضحة إلى السلطات السياسية مفادها أن الرأي العام لن يقبل بتهوين العقوبة على رئيس أدين بتجاوز القانون.
رفض محاولات داخل البرلمان تخفيف العقوبة
يأتي هذا الحراك الشعبي بعد محاولات عدة لمعسكر بولسونارو داخل مجلس النواب، الذي بحث على مدار أشهر سيناريوهات مختلفة لتخفيف العقوبة، من بينها عفو شامل، إلا أن هذه المقترحات تراجعت بشكل واضح بعد المظاهرات الضخمة التي شهدتها البلاد في سبتمبر الماضي، والتي أظهرت قوة الرأي العام ورفضه لأي تهاون مع المساءلة القضائية.
ويثير الجدل حول تخفيف العقوبة قضايا أوسع تتعلق بالديمقراطية والعدالة وسيادة القانون في البرازيل. فبينما يعتبر أنصار بولسونارو أن التخفيف قد يعكس التسامح السياسي، يرى خصومه أن أي تنازل من شأنه تقويض الثقة في المؤسسات القضائية وإرسال رسالة خاطئة حول عدم مساءلة المسؤولين السياسيين.
تأتي هذه الأحداث في وقت تشهد فيه البرازيل انقسامات سياسية حادة، مع استقطاب المجتمع بين اليسار الداعم للرئيس الحالي لولا دا سيلفا، واليمين الذي يتبنى سياسات بولسونارو. وتُبرز الاحتجاجات الأخيرة قدرة الحراك المدني على التأثير في قرارات السلطة التشريعية، وإجبار النواب على إعادة النظر في مشاريع قوانين قد تكون مثيرة للجدل أو مخلة بمبدأ العدالة.
دعم الشخصيات الثقافية والفنية الاحتجاجات
كما أن دور الشخصيات الثقافية والفنية في دعم الاحتجاجات يشير إلى تزايد قوة المجتمع المدني في البرازيل، حيث تتحول الموسيقى والفن إلى أداة للتعبير السياسي والتأثير في الرأي العام، ما يعكس قدرة الثقافة على تشكيل النقاش السياسي والمساهمة في الحراك الديمقراطي.
الموازنة بين الضغط الشعبى والمصالح السياسية
في ظل هذا الواقع، يبقى السؤال المحوري: هل ستتمكن السلطات من الموازنة بين الضغط الشعبي والمصالح السياسية للأحزاب، أم أن البلاد ستشهد مزيدًا من التصعيد والمواجهات بين الرأي العام والسلطات؟ الاحتجاجات الحالية تشكل مؤشرًا واضحًا على رفض قطاعات واسعة من البرازيليين لأي محاولة لتخفيف العقوبة، وتشير إلى أن الحراك الشعبي يمكن أن يكون قوة ضاغطة لا يُستهان بها في المشهد السياسي المستقبلي.
ويرى الخبراء أن موجة الاحتجاجات الأخيرة أن البرازيل تمر بمرحلة دقيقة، حيث تتقاطع العدالة، السياسة، والمجتمع المدني في صراع مفتوح حول مستقبل البلاد وسيادة القانون، وهو ما يجعل قضية تخفيف عقوبة بولسونارو قضية محورية لن تتوقف عند حدود البرلمان، بل تمتد لتشكل اختبارًا حقيقيًا للنظام الديمقراطي بأكمله.