ضمت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" 11 عنصرًا جديدًا على قائمة التراث الثقافى غير المادى الذى يحتاج إلى صون عاجل، وذلك ضمن قرارات اجتماع اللجنة الحكومية الدولية المنعقد فى الهند، فى خطوة تُسلّط الضوء على ممارسات إنسانية دقيقة تتقاطع فيها الحرفة بالفن، والذاكرة بالعيش اليومي، لكنها تواجه تحديات الاستمرار والانتقال بين الأجيال.
وتضم القائمة الجديدة عناصر من آسيا وأوروبا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية والكاريبي، تتراوح بين صناعة آلات موسيقية تراثية وتقنيات بناء محلية وحرف طباعية ونسيجية ورقصات روحية وممارسات غذائية؛ فى تأكيد جديد على أن التراث غير المادى ليس “ماضيًا معروضًا” بقدر ما هو ممارسة حيّة تتطلب حماية سياقها الاجتماعي، ودعم حَمَلَتها، وتوثيق معارفها قبل أن تتبدد.
1- فن صناعة وعزف آلة كوبِز — أوزبكستان
يمثل هذا العنصر تقاليد متكاملة تبدأ من حرفة تصنيع آلة "كوبِز" التقليدية وتنتهى عند أساليب العزف والأداء فى المناسبات المجتمعية، وهو تراث يقوم على معرفة مادته وصوته وطريقة ترويضه داخل اليد، بحيث تصبح الآلة امتدادًا لخبرة جماعية لا تختزل فى قطعة خشب أو وتر.
وتبرز أهمية الإدراج فى أن "الكوبز" ليست مجرد موسيقى، بل نظام نقل معرفة يعتمد على علاقة "الأستاذ والتلميذ" والتعلم بالمجالسة والتكرار، بما يجعل استمراره مرهونًا بتوفير بيئات تدريب ودعم للحرفيين والعازفين.

الكوبز
2 - فن صناعة اللاهوتا والعزف والغناء بها — ألبانيا
تأتى "اللاهوتا" بوصفها آلة وترية تراثية، ويغطى العنصر ثلاثية واضحة: الصناعة – العزف – الغناء، بما يعكس تداخل الحرفة بالأداء داخل سياق اجتماعى مرتبط بالتجمعات والاحتفالات.
وتكمن فرادة "اللاهوتا" فى أن بقاءها لا يتوقف على وجود عازف فحسب، بل على استمرار سلسلة كاملة من المهارات: اختيار المادة، تشكيل الآلة، ضبط الصوت، ثم حفظ الذخيرة الغنائية المرتبطة بها.
فن صناعة اللاهوتا والعزف والغناء بها
3 - بوريندو/بهوريندو .. آلة شعبية مهددة — باكستان
يسجل العنصر تقليد آلة موسيقية شعبية قديمة ترتبط بمجتمع محلي، مع معارف تصنيعها وطرق أدائها. وفى مثل هذه العناصر تتبدّى حساسية "الصون العاجل" حين يصبح التراث معلقًا بممارسين قلائل، وتضعف قدرته على الانتقال طبيعيًا للأجيال الجديدة.
ويؤكد الإدراج أن حماية التراث لا تعنى "تجميده"، بل الحفاظ على المعرفة التى تقف وراء الصوت: من المادة إلى الحرفة إلى المناسبة التى تمنحه معنى داخل المجتمع.
بوريندو بهوريندو .. آلة شعبية مهددة
4- عمليات بناء "بيت الكينشا" وتقليد العمل الجماعى — بنما
يمتد العنصر إلى معارف البناء التقليدى لبيت "الكينشا" باستخدام مواد محلية، بوصفه نموذجًا لـ عمارة تتصالح مع البيئة وتقرأ المكان عبر الطين والألياف الطبيعية والهيكل الخشبي، لا عبر الخرسانة وحدها.
وتشير فلسفة الصون هنا إلى أن "البيت" ليس منتجًا نهائيًا فقط، بل عملية جماعية تتضمن تعاون المجتمع، وتبادل الخبرة، وحفظ تقنيات خلط المواد والتدعيم والتجفيف.
عمليات بناء بيت الكينشا وتقليد العمل الجماعى
5 - حرفة مطبوعات "دونغ هو" الخشبية الشعبية — فيتنام
يسجل العنصر حرفة الطباعة بالقوالب الخشبية الشعبية "دونغ هو"، بما تتضمنه من إعداد القوالب، وتجهيز الألوان، والالتزام بخطوات دقيقة تنتج صورًا تراثية تعكس الحياة اليومية والرموز المحلية.
وتتجلى أهمية الإدراج فى أن هذه المطبوعات ليست "فنًا للزينة" فقط، بل ذاكرة بصرية تتطلب صون الورش، ودعم الحرفيين، وتعليم الأجيال الجديدة كيف يتحول الخشب والحبر والورق إلى سرد اجتماعي.
حرفة مطبوعات دونغ هو
6- قارب موليسيرو.. فن النجارة البحرية - البرتغال
يأتى إدراج "الموليسيرو" بوصفه تراثًا حرفيًا مرتبطًا بصناعة القوارب التقليدية وتقنيات النجارة البحرية، وهو نموذج لتراث يتكئ على حسابات دقيقة وتجربة طويلة، لكنه قد يتراجع أمام أنماط الإنتاج الحديثة.
ويحمل العنصر قيمة مزدوجة: حفظ مهارة البناء والصيانة، وحماية السياق المعيشى الذى منح القارب وظيفته ووجوده؛ فالتراث هنا "حرفة + علاقة بالماء والمكان".
قارب موليسيرو.. فن النجارة البحرية
7- رقصة موازينديكا الروحية - كينيا
ترصد اليونسكو رقصة روحية ذات وظيفة اجتماعية/روحانية، تُؤدى فى مناسبات وتحوّلات كبرى داخل المجتمع، وتجمع بين الإيقاع والحركة والطقس بوصفها لغة للتماسك والشفاء والحماية.
ويستند الصون العاجل إلى حساسية هذا النوع من التراث: فهو لا يعيش فى قاعة تدريب فقط، بل فى معناه داخل المجتمع؛ وإذا انكسر السياق تراجعت الرقصة حتى لو بقيت خطواتها.
رقصة موازينديكا الروحية - كينيا
8- فن Ñai'ũpo لصناعة الفخار الأسلافى — باراغواي
يسجل العنصر حرفة فخارية ذات جذور أسلافية، تقوم على مهارات يدوية وتقاليد تصنيع متوارثة، بما يجعلها مرآة لهوية محلية ترى فى الإناء أكثر من وظيفة: إنه أثرٌ من حياة.
وتُظهر مثل هذه العناصر كيف تتراجع الحرفة حين تقل فرص التدريب وتضعف الأسواق وتنافسها المنتجات الصناعية؛ لذا يصبح إدراجها دعوة لدعم الحرفيين وتوثيق التقنيات وإعادة دمجها فى الحياة المعاصرة.
9- تقليد نيجليوبكا للنسيج والتطريز — بيلاروس
العنصر تقليد نسيج وتطريز محلى يختزن مهارات وتقنيات وأنماط زخرفية، ويُجسّد كيف يمكن لخيطٍ واحد أن يحمل تاريخًا من الرموز والهوية والتميّز الحرفي.
ويتصل الصون العاجل بضرورة الحفاظ على المعرفة الحيّة: التقنيات، الأدوات، طرق التعليم، ومعايير الجودة، بما يضمن ألا تتحول الحرفة إلى "ذكرى فى كتاب" بدل أن تبقى ممارسة يومية قابلة للاستمرار.
تقليد نيجليوبكا للنسيج والتطريز — بيلاروس
10 - أسين تيبووك ملح بحرى حرفى — الفلبين
تدرج اليونسكو ممارسة صنع "أسين تيبووك" بوصفها تقليدًا غذائيًا حرفيًا يرتبط بمعرفة مجتمعية وصبر طويل وخطوات متسلسلة، وهو مثال على أن التراث غير المادى قد يكون "وصفة" لكنها فى جوهرها نظام حياة.
وتكمن خصوصية العنصر فى أن بقاءه يعتمد على استمرار مهارات دقيقة وموارد محلية وسياق اجتماعى يتناقل الخبرة، ما يجعل إدراجه فرصة لحماية المعرفة وتحويلها إلى قيمة ثقافية واقتصادية مستدامة.
الصورة المقترحة: صورة لعملية الاستخلاص/المنتج النهائى من صفحة اليونسكو.
أسين تيبووك ملح بحرى حرفى — الفلبين
11 - لاندشيبس .. تقاليد اجتماعية وثقافية - باربادوس
يمثل هذا العنصر تقاليد مجتمعية تحمل بنية رمزية وتنظيمًا داخليًا، وتظهر كنوع من التمثيل الاجتماعى الذى يعيد إنتاج الانتماء والذاكرة عبر تجمعات وعروض ونظام رتب وأدوار.
ويبرز الإدراج قيمة هذه الممارسة بوصفها مساحة لإعادة ترميم الروابط داخل المجتمع، وضمان انتقال المعارف المرتبطة بها للأجيال، بعيدًا عن أن تصبح مجرد "عرض فولكلوري" منفصل عن الناس.
لاندشيبس .. تقاليد اجتماعية وثقافية - باربادوس