قال الكاتب الصحفى طارق الطاهر، المشرف على متحف نجيب محفوظ بتكية أبو الدهب، إن وثائق ومسيرة الأديب العالمى تكشف جانبًا مهمًا فى حياته المهنية، حيث عمل موظفًا فى مؤسسات الدولة المصرية لمدة تجاوزت 37 عامًا، وهى تجربة فريدة أثّرت بشكل مباشر فى إبداعاته الأدبية وشخصيات رواياته.
وأوضح الطاهر، فى تصريحات خاصة لـ«اليوم السابع»، أن نجيب محفوظ بدأ حياته الوظيفية كاتبا فى إدارة الجامعة فى الفترة من 1934 إلى 1939، قبل أن ينتقل من الجامعة المصرية التى كانت تتبع فى ذلك الوقت وزارة المعارف إلى وزارة الأوقاف، حيث استمر هناك لمدة 17 عامًا كان خلالها على احتكاك مباشر بفئات متنوعة من المجتمع المصرى، وهو ما انعكس بشكل واضح فى عدد من أعماله الروائية التى تضم نماذج بشرية حقيقية التقاها أثناء حياته الوظيفية.
وأضاف الطاهر، أن انتقال محفوظ إلى وزارة الإرشاد القومى «وزارة الثقافة فيما بعد» عام 1957 كان نقطة تحول مهمة فى مسيرته، حيث تولى عدة مناصب قيادية بارزة، من بينها مدير إدارة الرقابة على المصنفات الفنية بقرار من الدكتور ثروت عكاشة، ثم رئيس مجلس إدارة مؤسسة السينما بقرار جمهورى صدر من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وهو القرار الوحيد من نوعه الذى صدر بالاسم المفرد، حيث إنه من المعروف أن القرارات الإدارية مهما كان نوعها تصدر بالاسم الثلاثى، ما يعكس المكانة الاستثنائية لنجيب محفوظ لدى الدولة المصرية.
وتابع الطاهر، أن محفوظ أصبح لاحقًا مستشارًا لشؤون السينما من نهاية عام 1967 حتى عام 1971، وهو العام الذى وصل فيه للسن القانونية للمعاش، لينهى بذلك مسيرته الوظيفية بعد أكثر من ثلاثة عقود من العمل داخل مؤسسات الدولة.
وأكد الطاهر، أن الوظيفة مثلت بالنسبة لنجيب محفوظ ضمانًا ماليًا واستقرارًا أسريًا، لكنها لم تكن عائقًا أمام إبداعه، بل ساعدته على اكتساب النظام والدقة، فقد كان يخصص وقته بعد انتهاء ساعات العمل للقراءة والكتابة وفق برنامج يومى صارم، وهو ما انعكس على إنتاجه الروائى الكبير.
وأشار إلى أن الوظيفة لعبت دورًا محوريًا فى تشكيل عالم محفوظ الروائى، إذ تناول فى أعماله نماذج إنسانية التقى بها فى البيئة الحكومية، وظهر ذلك بوضوح فى رواية «المرايا» التى تضم شخصيات واقعية من السياق الوظيفى الذى عاشه.
وتابع طارق الطاهر، أن وثائق محفوظ تؤكد أنه كان موظفًا مثاليًا، خاليًا من الجزاءات أو الإجراءات التأديبية، رغم تعرضه لانتقادات حادة وصلت إلى تحقيقات غير مباشرة بسبب بعض رواياته التى أثارت الجدل، مثل «أولاد حارتنا»، الأمر الذى دفع الدكتور ثروت عكاشة إلى نقل «محفوظ» من الرقابة إلى قطاع السينما لتجنب تضارب المنصب مع حساسية العمل الإبداعى.
واختتم طارق الطاهر، تصريحه، بالتأكيد على أن الوظيفة لم تكن مجرد عمل روتينى بالنسبة للأديب العالمى، بل كانت جزءًا أصيلًا من تجربته الإنسانية والإبداعية، وأن دراسة أعماله لا تكتمل دون فهم سياقه الوظيفى الذى شكل رؤيته وترك بصمة واضحة فى مسيرته الأدبية.