على مدار عامين وأكثر، شهدت مصر أكبر حوار وطنى شاركت فيه قوى متنوعة من كل التخصصات والجهات، أحزاب وتيارات وخبراء، سياسيون واقتصاديون، حقوقيون خبراء تعليم وصحة وبنوك، وأكاديميون فى كل التخصصات، الحوار الوطنى تم بدعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى أبريل 2022، أكمل ثلاث سنوات فى أبريل الماضى، واستمرت المناقشات بعد تشكيل أمانة ومحاور وجلسات انتهت إلى توصيات وخلاصات.
وعلى مدار شهور، انتهى الحوار خلال جلسات إلى وضع تصورات وأفكار نتاج مشاركات متنوعة لأطراف سياسية أو خبراء، عكست تنوعا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ومنذ بداية الحوار استجاب الرئيس عبدالفتاح السيسى لتوصيات فى ما يتعلق بالإشراف القضائى وقانون المعلومات ومفوضية مواجهة التمييز والمجلس الأعلى للتعليم وقوانين الوصاية، وغيرها، ووجّه الحكومة بالسعى لتنفيذ هذه التوصيات وترجمتها، وظل الرئيس هو أكثر طرف استجاب للحوار وتفاعل مع مخرجاته، فى كل ما يدخل فى سلطاته، وأحال الباقى إلى المجالس والجهات المختصة للتعامل معه، ووجه الحكومة للتعامل مع التوصيات، وبناء عليه أعلنت الحكومة تشكيل لجنة تنسيقية تضم ممثلين عن مجلس الوزراء، ومسؤولى الحوار الوطنى، بهدف متابعة تنفيذ التوصيات، وبعد لقاء والثانى دخلت اللجنة التنسيقية إلى ثلاجة الحكومة ونامت فى الأدراج، فيما بدا أنها عادة حكومية لامتصاص وتسكين أى نوع من التوصيات، ويفترض أن الحكومة كلما وجدت أسئلة مطروحة فى قضايا التعليم أو الصحة أو الإعلام أن تنظر فى هذه التوصيات بدلا من تشكيل لجنة جديدة تتبعها لجنة تنبثق منها لجنة وتتقابل معها لجنة لتدخل فى عالم اللجان الغامض لتنام مع بقية اللجان التى ثبت أنها لا تغنى ولا تسمن من لجنة.
وسبق وقلنا إن تكرار الاجتماعات والبيانات والمنبثقة، تفقد البعض حماسهم، فى وقت يمثل هذا الأمر حاجة ملحة لاستغلال جسور الثقة التى أتاحها الحوار، وما أسفر عنه من توصيات تصلح قاعدة للبناء عليها، خاصة أن إطلاق الحوار الوطنى كان خطوة مهمة وجدت متابعة ودعما من الرئيس، وعكست إدراكا لحاجة المجتمع أن يبنى مزيدا من الجسور بما يمكّن من إدارة التنوع فى المجتمع، واستعادة وحدة تحالف 30 يونيو، وتوسيع المجال العام فى السياسة والإعلام بما يتناسب مع حجم وأداء الدولة بعد إغلاق صفحة الإرهاب، وظهور أنواع من التحديات فى .الاقتصاد والتحولات الإقليمية والدولية تتطلب اصطفافا للجميع.
ورغم أن الحكومة فى صورتها الجديدة التى أنتجت يوليو 2024، أضافت وزارة للتواصل السياسى والشؤون النيابية، على رأسها المستشار محمود فوزى الذى تولى أمانة الحوار الوطنى، لكن الحكومة لا ترى أى أهمية للتواصل السياسى، والذى يمثل أحد أهم عناصر الاتصال مع المجتمع والمواطنين، وأدخلت التوصيات فى ظلام الدرج، وتكتفى الحكومة، بالطرق التقليدية والبوستات والصور، ومع كل توجيه أو تحدٍّ يتم عمل لجنة، تنبثق منها لجنة أو لجان، بينما لو نظر فى توصيات الحوار الوطنى، لوجد ما يحتاجه وما يفيده من توصيات تتعلق بالإعلام أو التعليم أو الصحة.
ولا يمكن تجاهل وجود فجوة بين الحكومة والمجتمع، والمواطن، بينما الرئيس هو الذى يحرص - دائما وفى كل مناسبة - على مخاطبة الشعب وتوجيه التحية له، وأيضا يقدم تفسيرات وشروحا ورسائل حول سياسات الدولة وتساؤلات المواطنين، بل ومتابعة ما يطرح فى الإعلام ومواقع التواصل، بينما الحكومة تبقى فى عالم اللجان، وتعجز عن تفسير سياسات أو صفقات أو تقديم نموذج على الخيال والأفكار الابتكارية، وتجاوز حالة الجمود وتغييب الحوار.
وطبيعى أنه إذا كانت هناك توصيات وعناصر مهمة جاهزة نتاج نقاش استمرّ عامين وأكثر، فمن الطبيعى أن تتم الاستفادة منها، بدلا من تشكيل لجنة جديدة تنبثق منها لجنة، تجتمع وتتناقش وتوصى لتذهب التوصيات إلى ادراج الحكومة.
ونعود لنشير إلى أن الحوار الوطنى الذى أكمل عامه الثالث فى أبريل الماضى، كان نتاج جهد ووقت وإنفاق، ونجح فى بناء جسور ثقة، يفترض أن تستغلها الحكومة وتتعلم منها بدلا من البقاء فى حالة الصمت، والجمود، وتتضمن التوصيات الكثير من النقاط تتعلق بالسياسة والسياحة والتعليم والطرق والصناعة والأسعار والرقابة، يمكن أن تكون مجالا للتعامل او الدراسة.
هناك تساؤلات عن أداء الحكومة فى ملفات الإسكان، والصحة والمضاربة والشهر العقارى ومصالحات البناء، والتأمين الصحى، وكيفية انعكاس انخفاض قيمة الدولار أمام الجنيه على الأسعار، وما يمكن أن تقدمه الحكومة فى خدمة الاستثمار غير العقارى، وما أنجزته فى تطوير الإدارة والتواصل، لتنهى جلسات الدردشة التى تتم لترضية الخواطر، إلى عمل حقيقى بخيال وابتكار، وليس بلجان.
