في السنوات الأخيرة، شهدت الأبحاث الطبية تطورًا ملحوظًا في فهم مرض النقرس وآليات السيطرة على نوباته الحادة التي تُسبب ألمًا مبرحًا وتورمًا مفاجئًا في المفاصل، خاصة مفصل إصبع القدم الكبير. وبينما اعتمد الأطباء لعقود على أدوية تقليدية للحد من الالتهابات المصاحبة للنقرس، فإن دراسة حديثة فتحت بابًا جديدًا في العلاج الوقائي يعتمد على نهج مناعي متقدم.
وفقًا لتقرير نشره موقع Medscape Medical News، أظهرت تجربة سريرية واعدة أن استخدام علاج جديد يعتمد على الأجسام المضادة يُعرف باسم يمكن أن يقلل بدرجة كبيرة من عدد نوبات النقرس الحادة، مقارنة بالعلاج المعتاد التقليدى، مع تحقيق نتائج أمان مشجعة.
نهج علمي جديد يعتمد على المناعة
في التجربة التي أُجريت في 41 مركزًا طبيًا في الصين، شارك 162 مريضًا يعانون من التهاب المفاصل النقرسي النشط، وجميعهم بدأوا مؤخرًا علاجًا لتقليل مستويات حمض اليوريك في الدم. وجرى تقسيم المشاركين إلى مجموعات تلقت جرعة واحدة من الدواء تحت الجلد بتركيزين مختلفين (100 ملغ و200 ملغ)، بينما تلقت مجموعة أخرى جرعة يومية من الدواء القديم لمدة 12 أسبوعًا.
يرتكز هذا الدواء الجديد على مبدأ تثبيط إنترلوكين-1 بيتا، وهو أحد البروتينات الالتهابية الرئيسية التي تثير الاستجابة المناعية في نوبات النقرس. فعند السيطرة على هذا المسار، يمكن تقليل حدة الالتهاب ومنع اندلاع النوبات المؤلمة التي يسببها تراكم بلورات حمض اليوريك في المفاصل.
نتائج تفوق التوقعات
أظهرت الدراسة أن المرضى الذين تلقوا جرعة 100 ملغ منه عانوا من معدل نوبات أقل بنسبة 93% مقارنة بمجموعة الأدوية القديمة التقليدية، بينما لم يُسجَّل أي نوبة لدى من تلقوا جرعة 200 ملغ طوال فترة التجربة. كما بيّنت النتائج أن نسبة من واجهوا نوبة واحدة على الأقل من النقرس كانت أقل بنحو 20% بين متلقي العلاج الجديد.
هذه الأرقام، بحسب الباحثين، تمثل تحولًا لافتًا في طريقة الوقاية من النوبات المتكررة للنقرس، خاصة في المراحل التي يبدأ فيها المريض استخدام أدوية خفض حمض اليوريك والتي غالبًا ما تُحفّز نوبات مؤقتة من الالتهاب في البداية.
أمان الدواء وملامح السلامة
على مدار 12 أسبوعًا من المتابعة، لم تسجَّل أي آثار جانبية خطيرة أو حالات توقفت عن العلاج بسبب التفاعل الدوائي. كما أن الأجسام المضادة التي تكونت لدى بعض المرضى ضد الدواء كانت منخفضة التركيز ولم تؤثر في فعاليته. واعتبر الباحثون هذه النتائج مؤشرًا قويًا على سلامة الدواء وملاءمته للاستخدام الوقائي طويل الأمد.
يشير الأطباء إلى أن هذه التجربة، رغم قصر مدتها، تفتح مجالًا لاستراتيجيات علاجية جديدة تعتمد على التحكم في مسارات الالتهاب بدقة، بدلًا من الاعتماد الكامل على الأدوية التقليدية التي قد تُسبب اضطرابات في الجهاز الهضمي أو تتفاعل مع أدوية أخرى.
ما الذي يميز هذا العلاج ؟
لأدوية التقليدية المستخدمة للوقاية من نوبات النقرس،تعمل بطريقة مختلفة؛ إذ يثبط استجابة كريات الدم البيضاء المسببة للالتهاب. أما التطور الجديد فى الدواء الجديد فيعتمد على آلية مناعية محددة تمنع انطلاق العوامل الالتهابية من مصدرها الأساسي، ما يمنح تأثيرًا وقائيًا أطول وأعمق.
ويرى المتخصصون أن هذا التوجه الجديد يمكن أن يغير مستقبل إدارة النقرس، خاصة لدى المرضى الذين لا يتحملون الأدوية القديمة أو لا يستجيبون له بالشكل المطلوب.
ملاحظات البحث وحدوده
يشير القائمون على الدراسة إلى أن التجربة اقتصرت على رجال صينيين تتراوح أعمارهم بين 39 و42 عامًا، ما قد يحد من إمكانية تعميم النتائج عالميًا. كما أن فترة المتابعة لم تتجاوز 12 أسبوعًا، وهي مدة قصيرة لتقييم التأثير الطويل المدى وسلامة الاستخدام المزمن. ومع ذلك، فإن الفعالية المرتفعة والأمان الجيد يبرران الانتقال إلى مراحل بحثية أوسع في المستقبل.
منظور الخبراء
يقول الباحث الرئيسي في الدراسة، الدكتور يي يون يو من مستشفى هواشان التابع لجامعة فودان في شنغهاي، إن نتائج التجربة “تؤكد أن استهداف مسار إنترلوكين-1 بيتا يمثل خطوة علمية حقيقية في الوقاية من النوبات الحادة لمرضى النقرس”. وأضاف أن هذا النهج قد يؤدي إلى “تحول جذري في نموذج التعامل مع المرض، من علاج النوبة بعد حدوثها إلى منعها قبل أن تبدأ”.الدراسة نُشرت على الإنترنت في مجلة ACR Open Rheumatology وتخضع حاليًا لمراجعة إضافية لتوسيع نطاقها إلى فئات سكانية أخرى.