لا تزال الانتخابات تكشف الكثير عن الواقع السياسى، وتعطى علامات ومؤشرات تفرض ضرورة البدء فى عملية إصلاح سياسى لا تقل أهمية عن الإصلاح الاقتصادى، بل تدعمها، ونكرر أن الوضع الحالى بعد تحقيق استقرار سياسى وأمنى إلى حد كبير ومؤشرات تحسن اقتصادى، ينعكس فى ارتفاع الاحتياطى النقدى وثبات سعر الدولار أمام الجنيه، بعد تراجع، وارتفاع تحويلات المصريين والاستثمارات الخارجية، وهى علامات على تحسن اقتصادى، أشارت لها تقارير المؤسسات الدولية، بما يفرض أهمية شعور المواطن بثمار الإصلاح، ووجود مشاركة فى الرأى والتفاعل، وأن تكون الحكومة والجهات البرلمانية قادرة على التفاعل مع مطالب الشعب.
وكشفت الانتخابات والعملية السياسية فى مجلسى الشيوخ ثم النواب، عن ضعف البنى السياسية والتسويقية لأغلب الأحزاب السياسية، والحاجة لإعادة نظر فى الحالة السياسية، حتى تخرج هذه الأحزاب من حصانة السلطة والمؤسسات وتعتمد على نفسها وتقدم خطابا سياسيا، ولا تعتمد فقط على إمكانات مادية أو نفوذ.
وأكبر دليل على هذه الثغرات نتائج الانتخابات البرلمانية، والتى كشفت أنه لولا القائمة الواحدة ما كان يمكن لأغلب الأحزاب أن تصل إلى مجلسى النواب أو الشيوخ، وفى المقاعد الفردية بالرغم من إنفاق البعض للملايين فى الدعاية، فشلوا فى الحصول على الأغلبية من أول درجة، وبعضهم خسر أمام مرشحين فقراء كانوا يتحركون بأنفسهم ويتواصلون مع الجمهور، وفى دوائر كبرى، بما يثبت أن الفوز لا يكون لصالح المال أو الإمكانات بقدر ما يكشف عن وعى الناخبين الذين قاوموا المال والنفوذ واختاروا من يرون أنه الأصلح.
فقد حقق النواب السابقون ضياء الدين داود، وعبدالمنعم إمام، وأحمد فرغلى، وأحمد بلال، والدكتور رضا عبدالسلام، أعلى الأصوات، ودخل لجولة الإعادة النائب محمد عبدالعليم داود، والدكتور رضا عبدالسلام فى الدقهلية وهو محافظ سابق للشرقية وصاحب تجربة لافتة.
وسجل بعض المرشحين مفاجآت فى الانتخابات، دخلوا الإعادة فى دوائر مختلفة بالرغم من أنهم غالبا لم تكن لهم حملات دعائية، فى المرحلة الثانية ومنهم عماد الغلبان فى ميت غمر، باحث قانونى بوزارة المالية، وعماد العدل فى المنصورة مدرس بالتربية والتعليم، والدكتور محمد زهران فى المطرية موظف بالتربية والتعليم، وعبدالفتاح خطاب فى الهرم نقابى بالسياحة، والمشترك بينهم أنهم كانوا يدورون على دوائرهم مشيا على أقدامهم، ويوزعون دعايتهم المحدودة بأنفسهم، ونجحوا فى جذب شباب ومؤيدين، وفى حالة استمرار دعمهم فى الإعادة يمكن أن يفوزوا، وبشكل عام حققوا نتائج لافتة يفترض أن تدرسها الأحزاب والقوائم لأنها مؤشرات على طريقة الاختيار.
هذا عن المرحلة الثانية، بينما كانت نفس الظواهر فى المرحلة الأولى التى شهدت الكثير من النماذج لفشل مرشحين استخدموا المال والبلطجة فى الفوز، بينما فاز مرشحون بسطاء وأقل فى الإمكانات، بجانب إبطال الانتخابات فى 19 دائرة من 70 دائرة بسبب المال والتدخل واستعمال العنف وتلاعب فى التصويت والفرز، وهناك طعون أخرى أمام القضاء يتوقع أن تصدر فيها أحكام تحسم الأمر، لكن بشكل عام فإن هذه الانتخابات من بداية القوائم الواحدة ومرورا بعمليات الاختيار والترشيح تشير إلى خلل، وتفرض تعديلات فى النظام الانتخابى، والقوائم، ولدينا توصيات الحوار الوطنى والتى صدرت بعد مناقشات وجلسات عامين يجب النظر فيها لأنها تمثل نتاج جهد وخبرات لسياسيين وخبراء وبرلمانيين، أغلبها ترى عدم مناسبة الوضع الحالى وضرورة بناء النظام الانتخابى، بشكل يكون أكثر تعبيرا عن التركيبة الاجتماعية والسياسية.
كل هذه العناصر والنتائج تشير إلى أزمات الأحزاب والسياسة، وأن وعى الناخبين والمجتمع، يتفوق كثيرا على تدخلات المال والنفوذ، أو حتى السوابق البرلمانية والسياسية، وأن الاتصال المباشر يتفوق أحيانا على الدعايات الضخمة والمرتفعة التكاليف للمحترفين والكبار ممن يرثون المقاعد أو ينتزعونها بالسوابق.
كل هذه العناصر مهمة لفهم الواقع، وأنه يحتاج لفهم ودراسة بعيدا عن القوالب والتدخلات أو الحضانات، بينما يجب أن تسود المنافسة مع تكافؤ الفرص والحسم فى أسقف الإنفاق والحماية، كل هذا يفرض ضرورة العمل باتجاه بناء وقع ونخب سياسية يمكنها الصمود فى عالم لا يكف عن التحول.
