بيشوى رمزى

الدعوة الرئاسية.. الحياد السياسي والانحياز للشارع

الأربعاء، 19 نوفمبر 2025 01:00 ص


توجيهات السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي بالتحقيق في الشكاوى المتعلقة بالمرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب، تمثل سابقة مهمة في الحياة السياسية المصرية، باعتبارها تمثل اهتماما بالغا باستعادة دور السلطة التشريعية، لتكون ممثل حقيقي لإرادة الشعب، وهو الهدف الحقيقي الذي خلقت من أجله العملية الانتخابية، في إطار من الديمقراطية، حيث أنها دعوة الرئيس تمثل تفعيلا حقيقيا لجوهرها القائم على فكرة "حكم الشعب"، وبالتالي إذا لم تكن النتائج معبرة عن نبض الشارع، تسير الأمور في اتجاه واحد، دون مراجعة، فيما يتعلق بسن قوانين، قد لا تعبر عن التوجه العام للشارع، في ضوء ما تحظى به السلطة التشريعية من استقلالية، وبالتالي فهي لا تخضع لرقابة المؤسسات الأخرى.

ولعل دعوة الرئيس السيسي التي اتسمت بمزيج من الصرامة، في إطار الرغبة في الانتصار للشارع، واحترام الاختصاصات، فيما يتعلق بحديثه عن الهيئة الوطنية للانتخابات، وما تحظى به من استقلالية في اتخاذ ما تراه من إجراءات، لا يمكن فصلها بأي حال من الأحوال عن العديد من المسارات، أبرزها، من وجهة نظري، هو حياد مؤسسة الرئاسة، وهو أمر غير مسبوق، منذ قرار الرئيس الأسبق أنور السادات بإعادة الأحزاب السياسية، في السبعينات من القرن الماضي، بعد حوالي عقدين من تجميدها في أعقاب ثورة يوليو 1952، حيث كان الرئيس منذ ذلك الوقت، باستثناء الرئيس السابق عدلي منصور، رئيسا أو ممثلا لحزب بعينه، وبالتالي انتزعت سمة الحياد، وهو الأمر الذي اختلف بين كل رئيس والآخر، بصورة نسبية، ولكن تبقى المحصلة في نهاية المطاف في كل مرة انتصارا كاسحا لحزب الرئيس، باعتباره يمثل ضمانة لتحقيق الانسجام المنشود بين السلطات، ومن شأنه تحقيق قدر أكبر من الاستقرار السياسي، بحسب ما كان يتم الترويج له في كل فترة، بالإضافة إلى التعلق بالوعود المرتبطة بأهداف شخصية لدى الناخب تارة، وعمليات الحشد تارة أخرى، وهو ما خلق نتائج تسفر عنها الصناديق، ربما تكون حقيقية من حيث الأرقام، ولكنها ليست كذلك من حيث تطلعات المجتمع، أو الطموح نحو تحقيق حياة سياسية معبرة عن هوى الشارع الحقيقي.

مسار آخر، ينبغي الالتفات إليه في هذا الإطار، يتجلى في كون الدعوة الرئاسية تمثل امتدادا صريحا للحوار الوطني، فالفائزين والخاسرين يقفون على أرضية مشتركة، تتجلى في التوافقات المرتبطة بالمصلحة الوطنية، وهو الأمر الذي من شأنه خلق توافق مؤسسي، وهو ما يحول العملية الانتخابية من حالة صراع حزبي، ربما كان يشكل جزءً مهما من تاريخ الدولة المصرية لعقود طويلة من الزمن، إلى منافسة نزيهة، بينما تبقى حسابات الانتصار والهزيمة ليست نهائية، فكل الأطراف عليها العمل الحقيقي على خدمة الوطن والمجتمع بما يكفله الدستور والقانون، إما للاحتفاظ بدورها حال المكسب، أو بحثا عن دور في المستقبل حال الخروج مهزوما، وهو ما يساهم في تشجيع كافة الأحزاب على اختلافاتها على العمل الجدي داخل بوتقة الوطن.

بينما يبقى المسار الثالث متجليا في الاستخدام المجدي لدور الرئيس كـ"حاكم" بين السلطات، والذي يخوله له الدستور والقانون، فهو يستخدم صلاحياته، عبر الدعوة إلى التحقيق، من خلال ضبط الإطار التنظيمي الذي يسمح بعودة العلاقة الطبيعية بين المواطن وصندوق الانتخاب ولكن دون تدخل في اختصاصات الهيئة العليا للانتخابات، وهو الأمر الذي ربما لا يتوفر لرؤساء من أصحاب الانتماءات الحزبية، باعتبارهم أصحاب مصلحة، لافتقادهم صفة الحياد المطلوبة.

الواقع أن المسارات الثلاثة سالفة الذكر، تمثل في جوهرها دعوة تتجاوز الهيئة الوطنية للانتخابات، أو بالأحرى رسالة مهمة للناخب نفسه، من شأنها أن ثمة مرحلة جديدة تشهدها الحياة السياسية المصرية، تتطلب تفعيلا للشراكة بين المؤسسات والمواطن، وهو ما يمثل خطوة جديدة، في رحلة الشراكة التي تخوضها الدولة المصرية، منذ ميلاد الجمهورية الجديدة، عبر مسارات تنموية، تجلت في طفرة المشروعات العملاقة، وجغرافية، عبر اقتحام المناطق المهمشة، ومجتمعية، عبر إعادة الاعتبار للشباب والمرأة وحتى ذوي الهمم، وثقافية، عبر الاهتمام الكبير بإحياء التاريخ المصري، والذي يحظى بإجماع المصريين، وهو ما تجلى في المشروعات العملاقة، وأحدثها المتحف المصري الكبير، والمؤسساتية، عبر الحوار الوطني، وتعزيز عمل المنظمات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني، ليصبح الشراكة بين المؤسسة والمواطن، فيما يتعلق بالارتقاء بالحياة السياسية هي الخطوة المنشودة، والتي تبقى المسار الذي يمثل النتيجة الطبيعية، لمعارك الوعي التي خاضتها الدولة خلال السنوات الماضية، على كافة الأصعدة، بأهمية الدور الذي يلعبه الإنسان المصري في بناء دولته ومجتمعه، وبالتالي فالكرة أصبحت في ملعب المواطن، الذي لم يعد بإمكانه إلا المشاركة الفعالة.

والواقع أن عبقرية الدعوة التي أطلقها الرئيس السيسي تتجلى في كونها تمثل خطوة لبناء الثقة من جديد بين المواطن وصندوق الانتخاب، وهو ما يساهم في تعزيز شرعية القوى الحزبية، من خلال إدراك أرضيتها الشعبية، بينما تمثل في الوقت نفسه تعزيزا للدور الذي تلعبه السلطة التشريعية، باعتبارها شريك للسلطة التنفيذية وليس تابعا لها، من خلال أرضية مشتركة تتجلى في المصلحة الوطنية وأبعاد الأمن القومي المصري، والتي تمثل أولوية لكافة أطراف المعادلة السياسية في مصر.

وهنا يمكننا القول بأن دعوة الرئيس السيسي تعد بمثابة خطوة تعيد للبرلمان وزنه الحقيقي كسلطة شريكة لا تابعة، وتمنح الأحزاب فرصة لمعرفة حجمها الشعبي الحقيقي، وفي الوقت نفسه ترفع منسوب الثقة العامة في العملية الانتخابية باعتبارها قناة مشروعة للتعبير السياسي، من خلال تعزيز شرعية الدولة، عبر التحول من الاعتماد المطلق على قدرتها على البناء والإنجاز وتغيير الواقع المعيشي فقط نحو مرحلة جديدة، لا تتخلى عن مواصلة الإطار التنموي، وإنما تدمجه مع تفاعل الدولة والمجتمع معًا، في الإطار السياسي، وهو ما يمثل نقلة نوعية من شأنها تحويل العمل السياسي إلى فضاء المشاركة المنظمة، التي يتحول فيها المواطن من متلق للقرارات إلى شريك في صياغة التوازنات التي تبنى عليها القوانين والسياسات العامة.

 




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب