تشير أبحاث حديثة إلى أن بداية مرضي الزهايمر وباركنسون ليست منفصلة كما كان يُعتقد سابقًا، فالمتابعة الدقيقة للمرضى خلال السنوات التي تسبق ظهور الأعراض الواضحة تكشف عن علامات مبكرة مشتركة يمكن أن تغيّر طريقة فهم هذين الاضطرابين العصبيين. وفقًا لتقرير نشره موقع Medscape، يلفت علماء الأعصاب إلى أن كليهما يمر بمرحلة صامتة تتجلى فيها تغيرات بيولوجية دقيقة، قد تسمح بالتدخل الوقائي قبل أن تتدهور القدرات الإدراكية أو الحركية.
مرحلة ما قبل المرض
تستند الفكرة الأساسية لهذا الاتجاه العلمي إلى وجود “نافذة مبكرة” يبدأ خلالها تلف الخلايا العصبية قبل أن يلاحظ المريض أي خلل في الذاكرة أو الحركة. خلال هذه المرحلة، تتكدس بروتينات غير طبيعية في الدماغ مثل الأميلويد وتاو في الزهايمر، أو ألفا-ساينيوكلين في باركنسون، لكنها لا تُحدث بعدُ أعراضًا واضحة. هذه المرحلة، التي قد تمتد لسنوات، أصبحت محور الدراسات الحديثة لأنها تمثل أفضل فرصة للتدخل العلاجي.
قراءة جديدة للزهايمر: التشخيص يبدأ قبل نسيان الأسماء
أحد المحاور التي نوقشت في الاجتماعات العلمية الأخيرة كان إعادة تقييم المعايير التشخيصية للزهايمر بحيث تشمل تقييمات أكثر دقة للأفراد الذين يملكون مؤشرات بيولوجية إيجابية رغم قدرتهم على أداء مهامهم اليومية بشكل طبيعي. يشير خبراء عدة إلى أن تراكم الأميلويد وتاو يمكن رصده مبكرًا عبر التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني، وأن اجتماع هذين العلامتين لدى الأشخاص من كبار السن يرفع احتمالية ظهور أعراض المرض خلال سنوات قليلة.
الأمر لا يتوقف عند المؤشرات البيولوجية فحسب، بل يشدد الباحثون على ضرورة أخذ عوامل الخطر القابلة للتعديل في الاعتبار، مثل نمط الحياة، التغذية، النشاط البدني، التعرض للتلوث، وإصابات الرأس. فهذه العناصر قد تسرّع تطور الاضطراب، بينما يمكن لتعديلها أن يؤخر أو يحد من تدهور الوظائف الإدراكية.
باركنسون… المرض الذي يبدأ خارج الدماغ أحيانًا
بينما يُنظر عادة إلى باركنسون كمرض حركي بحت ينشأ من فقدان الخلايا المنتجة للدوبامين، تُظهر الأدلة الحديثة أنه قد يبدأ في أماكن مختلفة من الجسم. فبعض المرضى يعانون أولًا من اضطرابات هضمية أو تغيرات في نمط النوم أو فقدان تدريجي لحاسة الشم قبل ظهور الارتعاش أو بطء الحركة بسنوات طويلة. هذا التنوع في البداية يؤكد أن المرض ليس مسارًا واحدًا، بل عدة مسارات تتلاقى في النهاية في صورة اضطراب حركي.
وتشير دراسات واسعة إلى أن التاريخ العائلي يلعب دورًا كبيرًا في تحديد احتمالية الإصابة، خاصة في باركنسون أكثر من الزهايمر، ما يدفع الأطباء للتركيز على التقييم المبكر لدى الأشخاص الأكثر عرضة.
أدوات جديدة للتنبؤ بالخطر قبل أن يظهر الخلل
أصبح التنبؤ بخطر الإصابة أحد أهم التطورات في هذا المجال، إذ تم تطوير نماذج حسابية تعتمد على بيانات التصوير الدماغي والعوامل الوراثية والعمر لتقدير احتمال تعرض الشخص لضعف إدراكي أو خرف خلال السنوات اللاحقة. هذه النماذج تساعد المرضى والأطباء على اتخاذ قرار بشأن بدء العلاج أو الانتقال إلى إجراءات وقائية تستهدف البروتينات غير الطبيعية قبل أن تترك أثرًا دائمًا.
ورغم حداثة هذه الأدوات، يرى الباحثون أنها قد تشكل أساس برامج جديدة للوقاية من الخرف، تشبه البرامج المعروفة للوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية، حيث يتم دمج تقييم المخاطر مع تدخلات دوائية وغير دوائية تستهدف مسارات المرض في بداياته.
هل اقترب عصر الوقاية المبكرة؟
يرى المتخصصون أن الدمج بين المؤشرات البيولوجية، وتاريخ المريض الصحي، والتقنيات الحديثة في التصوير ووضع النماذج الرياضية، قد يغيّر مستقبل التعامل مع الأمراض العصبية التنكسية. فبدل انتظار الأعراض، أصبح الهدف هو اكتشاف بداية الخلل قبل ظهوره، ثم التدخل للعلاج أو الإبطاء. ومع التوسع في الأبحاث الخاصة بالأجسام المضادة وحيدة النسيلة والعلاجات المناعية، يعتقد العلماء أن السنوات المقبلة ستشهد تحولًا كبيرًا في رعاية كبار السن المعرضين للإصابة بالزهايمر وباركنسون.