رامى محيى الدين

معاناة الدول النامية ترمومتر صراع الكبار

الأربعاء، 12 نوفمبر 2025 09:20 م


في عالم تتصارع فيه القوى الكبرى على النفوذ الاقتصادي والتكنولوجي، لا يقتصر الصراع على الحدود العسكرية، بل يمتد ليصل إلى الأسواق، الموانئ، وحتى المائدة اليومية للمواطنين في الدول النامية، المنافسة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، على سبيل المثال، تُحدث موجات ارتدادية تتخطى حدود القوتين، لتترك آثارًا مباشرة على ملايين البشر الذين لم يشاركوا في هذا الصراع ولم يكن لهم أي دور فيه.


أحد أكثر الأبعاد وضوحًا لهذه المعركة هو الاقتصاد، العقوبات التجارية، الحصارات الاقتصادية، وقيود التصدير تجعل أسعار المواد الغذائية والطاقة في الدول النامية ترتفع بشكل مستمر، عندما تُفرض عقوبات على دولة معينة أو تُغلق الأسواق أمام منتجات الصين، لا يدفع هذا الثمن القادة الكبار، بل المواطن البسيط، الذي يرى مدخراته تتآكل، والسلع الأساسية تتضاعف أسعارها، والفقر يتسع بلا توقف. ارتفاع تكلفة الوقود والكهرباء والمواد الغذائية يصبح الواقع اليومي الذي يعيشه المواطنون، بينما القوى الكبرى تحسب أرباحها ونفوذها على المستوى العالمي.


حتى التمويل الدولي والتحويلات الاقتصادية أصبحا أدوات ضغط غير مرئية على الدول النامية، التي تسعى للحصول على قروض للتنمية أو المساعدات الإنسانية، تجد نفسها مضطرة لتكييف سياساتها الداخلية وفقًا لشروط القوى الكبرى، مما يضعف سيادتها الاقتصادية والسياسية ويجعل شعوبها رهينة لقرارات خارجية لا تخدم مصالحها.


تأثير صراع أمريكا والصين لا يقتصر على الأسواق فحسب، بل يمتد إلى الأمن الغذائي، الطاقة، والتقنيات الحديثة. الدول النامية غالبًا ما تواجه نقصًا في المواد الخام أو ارتفاعًا في تكاليف الاستيراد، ما يؤثر مباشرة على التعليم، الصحة، والبنية التحتية. كل قرار على طاولة واشنطن أو بكين يترجم فورًا إلى تحديات يومية: أزمات في النقل، نقص في الوقود، وارتفاع أسعار السلع الأساسية، بينما القادة الكبار يراقبون المنافسة باعتبارها معركة نفوذ وسيطرة.


في النهاية، ثمن صراع الكبار يُقاس بمعاناة شعوب صغيرة، الدول النامية هي الضحايا الصامتون للتنافس العالمي، تتحمل أعباء ارتفاع الأسعار، فقدان الفرص التنموية، وتقلبات الأسواق، وفي الوقت الذي تتنافس فيه القوى الكبرى على النفوذ والتكنولوجيا، يبقى المواطن البسيط في بلدان فقيرة يدفع الفاتورة، صامتًا أمام مؤشرات الاقتصاد العالمية، أمام قرارات البورصات، وأمام اتفاقيات التجارة الدولية.


هذا الصراع يُظهر بوضوح أن الحروب الحديثة ليست دائمًا بالأسلحة أو المعارك الميدانية، بل في الأسواق، المصارف، والسياسات الاقتصادية التي تحدد فرص العيش الكريم للدول النامية، وبالرغم من صغر حجمها على الخريطة، فإن هذه الدول تمثل الضحية الكبرى، التي يتحمل أطفالها، وطلابها، وعمالها ثمن صراعات الكبار في عالم لم يعد فيه الاقتصاد مجرد أرقام، بل معركة حياة أو موت.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب