عندما تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسى عن «الجمهورية الجديدة» فقد بدا كالعادة مهتما برسم صورة المستقبل لدولة «متقدمة وديمقراطية حديثة»، وهذه الدولة من أهم ملامحها تكافؤ الفرص والعدالة فى القانون والحقوق والواجبات، ومراعاة حقوق ومتطلبات الأغلبية من المصريين، وهم من الطبقة الوسطى وليسوا من الفئات المترفة، والتوازن بين رأس المال والعمل والتعامل مع تحولات وتطورات العصر، وأيضا التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية التى تجتاح العالم.
نقول هذا بمناسبة أننا على أبواب انتخاب مجلس نواب جديد، يتولى خلال بداية العام المقبل مهام التشريع والرقابة، ويمثل السلطة الأهم فى أى بلد حديث بالعالم، فقد تم الانتهاء من مجلس الشيوخ بالانتخابات والتعيين، وانتهى تصويت المصريين بالخارج ويبدأ تصويت الداخل، وخلال أسابيع قليلة يكون لدينا مجلس للنواب، يتساءل المواطنون دائما عما إذا كان هذا البرلمان بغرفتيه يمثل المصريين بكل فئاتهم، وهل يمكن الاعتماد على مجلسى النواب والشيوخ لاستكمال خطوة بما أسماه الرئيس السيسى «دولة ديمقراطية حديثة» أو «الجمهورية الجديدة»، التى تحمل ملامح النظر للمستقبل، وتلبى احتياجات ومطالب شعبها، وتكون للجميع وليست لفئة واحدة تحتكر المال والسلطة والثروة.
وعندما تحدث الرئيس السيسى عن «الجمهورية الجديدة» اتبعها بالدعوة لحوار وطنى شامل، استمر لأكثر من عامين، وتضمن مناقشات ومشاركات من كل الفئات والتيارات والخبراء، وانتهى لتوصيات، قلنا إن الحكومة فى الغالب لم تأخذ بها، ولم تهتم بأكثر من إدخالها فى «دهاليز اللجان»، ولم تخرج منها حتى الآن، وبالطبع، فإن الحكومة تقول طوال الوقت إنها تعمل وإنها تفتتح وتعقد اجتماعات وجلسات وتنتج لجانا، لكن فى الواقع فإنها فى ناحية والمواطنين فى ناحية أخرى، لا يبدو أنهم يشعرون بوجود الحكومة، خاصة فيما يتعلق بحياتهم اليومية والأسعار والرقابة على الأسواق، وملفات مثل الإسكان والصحة، تبدو للقادرين والأثرياء فقط وليس للمواطن، ولعل إعلانات ورسائل التسويق العقارى خير شاهد على أن الإسكان بحاجة لرؤية الرئيس «مسكن لمن يطلبه حسب قدراته» وبين رؤية لا تضع هذا فى الاعتبار، وتتعامل مع نسبة من المواطنين يبنون ويتاجرون ويثرون فى السواحل والكومباوند، بعيدا عن أغلبية يضرب بها المثل. إنهم المصريون.
ولا نبالغ بالقول إن الرئيس عبدالفتاح السيسى هو الطرف الأكثر اهتمامنا بالمواطنين، وعلى الحكومة أن تستمع إلى توجيهاته، وتنفذ ولا تكتفى بسياسة اللجان والمنتديات «الولا حاجة».
وإذا كان هذا هو حال الحكومة، فيفترض أن يكون مجلس النواب طرفا فى بناء «الجمهورية الجديدة» والدولة الديمقراطية الحديثة، ولهذا شروط وقواعد نظن أنه آن الأوان لإرسائها، فالنواب حسب ما هو معروف يجب أن يستمعوا للناس فى دوائرهم، ويحاولوا تنفيذ مطالبهم، ولدينا على مواقع التواصل أصوات ليست مدفوعة ولا لجانا، تناقش وتطرح أسئلة ومطالب للمواطنين، يفترض الاستماع إليها، ونعود لنقول إن الرئيس السيسى هو الذى يمتلك قدرة على قراءة المجتمع، ومطالبه ومخاوفه وقلقه، ويفترض أن يكون مجلس النواب على الموجة نفسها.
وبعيدا عن أى هواجس، هناك مؤشرات كثيرة ومهمة، وأجيال صغيرة واعية أو لديها قلق وتساؤلات، يفترض التعامل معها وعدم الركون إلى يقين تثبت التجارب أنه يقين خادع.
إذا كان حال الحكومة هو الاكتفاء بالاستعراض، يفترض أن يكون مجلس النواب صاحب مسؤولية حقيقية، فى الرقابة والتشريع، وتلبية مطالب حقيقية للمواطنين الذين تحملوا وصبروا، ودائما ما يوجه الرئيس لهم التحية، وينتظرون أن يترجم البرلمان إلى خطوات وتصرفات، المجلس الحالى عليه مهام تتعلق بالتشريع، وأيضا بالأدوات البرلمانية فى الرقابة والتفاعل مع السياسات القائمة، والقدرة على تفهم مطالب الجمهور، خاصة فى الأقاليم، فى الوجهين البحرى والقبلى، فضلا عن أهمية دور النواب بالمجلسين فى تقديم اقتراحات لمعالجة المشكلات والمستجدات، هناك مطالب لكل قرية أو مدينة تتعلق بالخدمات التعليمية والصحية والطرق والنقل وغيرها، تحتاج إلى نواب يتفهمونها.
الانتخابات الأخيرة تكشف عن غياب عدد كبير من الأحزاب عن الساحة، وعدم قدرة هذه الأحزاب على ممارسة دور واضح، أو طرح برنامج يمكن أن يكون مقنعا، وهو أمر تتفق فيه الأحزاب المعروفة والمجهولة وشبه الغائبة، فهى لا تقدم أنشطة سياسية أو مؤتمرات تتحدث فيها للجمهور وتتبادل معه الرأيى، بينما وجود أحزاب قوية يملأ الفراغ السياسيى، الذى يمثل فجوات مقلقة.
نحن أمام مرحلة مهمة، وتحولات فى العالم كله والإقليم، تتطلب وعيا وتفاعلا ومعالجات، وليس لجانا على طريقة الحكومة، أاو منتديات وكلام على طريقة بعض المجالس الجالسة.