تتقاطع مصر والسعودية اليوم على أكثر من مسار سياسي واقتصادي، لكن البُعد الثقافي لعلاقتهما هو الذي يعكس جذوراً تاريخية وحيوية معاصرة، من سوقٍ قديمٍ للمَساءَلة الشعرية إلى منصات حديثة للنشر والإبداع، هذا التقرير يستعرض سلسلة علاقات وتبادلات ثقافية بين البلدين، من الجذور التاريخية إلى المبادرات المعاصرة، مع أمثلة ملموسة وتوصيفٍ للتحديات والآفاق.
بلد حضارة وبلد ملتقى
يمكن اختصار السرد الثقافي للعلاقة في عبارة واحدة: مصر "مدينة التدوين والكتاب" عبر التاريخ العربي الحديث، والسعودية "موئل الملتقى" الذي امتد جذره إلى سوق عكاظ التاريخي حيث كانت المنافسات الشعرية والتجمعات الثقافية نقطة التقاء العرب. سوق عكاظ في عهده القديم لم يكن سوقاً تجارياً فحسب، بل كان ملتقى ثقافياً وهو ما تعيد السعودية إحياؤه اليوم في شكل مهرجانات وبرامج ثقافية حديثة.
أمثلة معاصرة للتعاون والتقاطع
المشاركة السعودية في معرض القاهرة الدولي للكتاب (ضيف الشرف 2015)، فكانت المملكة ضيف شرف في الدورة الـ46 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب عام 2015، وهو مثال مباشر على فتح منصات التبادل الأدبي بين البلدين ودعم النشر والتعريف بالإنتاج السعودي داخل مصر وجمهور الناشرين والقراء.
ونشهد دعم سعودي لتطوير الجامع الأزهر الشريف، ففي إطار العلاقات الأخوية بين البلدين، قدّمت المملكة العربية السعودية منحة مالية سخية للمساهمة في ترميم وتطوير الجامع الأزهر الشريف ومبانيه التاريخية في القاهرة، وهو المشروع الذي حظي باهتمام واسع وتقدير رسمي.
هذا التعاون لم يكن مجرد مشروع ترميم، بل خطوة رمزية تعكس تقدير المملكة للريادة الدينية والعلمية لمصر، وحرصها على حفظ التراث الإسلامي المشترك.
كما نجد دعم البحث والبرامج البحثية والثقافية: في السنوات الأخيرة أطلقت وزارة الثقافة السعودية برامج منح بحثية ومشروعات تهدف إلى تعميق المعرفة الثقافية وحفظ الحرف والتراث، وهي مداخل تفتح مجال تعاون بحثي وتبادل علمي مع مؤسسات مصرية وإقليمية.
كما أن هناك تبادل الفنانين والمؤلفين ومشروعات الترجمة: تبادل الزيارات، الدعوات للمهرجانات، والاستضافة في الأمسيات الشعرية والندوات، هي جانب يومي من العلاقة؛ كما تُسهم عمليات الترجمة والنشر المتبادل في تعريف جمهور كل دولة بثقافة الآخر.
الأثر الثقافي
على مستوى الشعر والأدب: حضور الأدب السعودي في القاهرة والحداثة المصرية في الرياض والملتقيات العربية المشتركة خلقا فضاءاتٍ جديدة للاتصال والتأثير المتبادل، ولا سيما عبر أمسيات الشعر، المجموعات القصصية، وترجمات العمل الأدبي.
على مستوى المسرح والسينما: توجد اتصالات متزايدة بين الفرق المسرحية والسينمائيين، عبر ورش عمل أو عروض ضيفة في مهرجانات، مما يوسع دائرة التجارب الفنية ويتيح تبادل مهارات الإنتاج والإخراج.