بيشوى رمزى

بعد صمت المدافع.. روح أكتوبر فى إدارة معركة فلسطين

الإثنين، 06 أكتوبر 2025 02:13 م


"خدعوك فقالوا" إن معيار الانتصار والهزيمة في الحروب، يرتبط في الأساس بما يتكبده أحد أطراف المعركة من خسائر، مقابل الطرف الآخر، فأعداد القتلى وحجم الخسائر الميدانية، وإن كانت مؤثرة في مسار المعركة، إلا أن ثمة أبعادا أخرى، ينبغي الالتفات إليها، باعتبارها عناصر محورية لتحديد وجهة الحرب، مع الوضع في الاعتبار حقيقة مفادها أن الحروب العسكرية لا تفضي إلى انتصار كامل أو هزيمة مطلقة، والتاريخ يشهد بذلك، وهو ما يمكننا استلهامه في ذكرى انتصار أكتوبر المجيد، وبالتالي تبقى المواجهة الميدانية في إطار الحرب، ما هي جولة واحدة في معركة، تترتب عليها نتائج، وقد تنقلب النتائج بعدها إثر الكيفية التي يمكن بها إدارة مرحلة ما بعد المواجهة، في العديد من الجبهات، التي تدور بين تعزيز الجبهة الداخلية، مرورا بالبعد الدبلوماسي، وحتى إدارة العلاقة مع العدو نفسه.


وفي الواقع، عند الحديث عن انتصار أكتوبر، فالأمر يتجاوز مواجهة الميدان، التي استطاع فيها الجيش المصري تحقيق المعجزة، بعبور القناة ورفع العلم واستعادة الأرض، وكسر أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وإنما يحمل في جوهره إرهاصات سابقة وتوابع لاحقة، فخطوة العبور كانت محسوبة، سبقتها حرب استنزاف شرسة، وإعادة بناء للجيش، في مرحلة ما بعد النكسة، بحيث يكون قادرا على حماية الأرض والبشر من أي رد فعل من الجانب الآخر، ناهيك عن توحيد جبهة الداخل،  فلم تكن الخطوة عشوائية إطلاقا، بينما تلتها مراحل أخرى، هدفت بالأساس إلى استعادة كامل الأرض حتى آخر شبر منها، عبر دبلوماسية متزنة، أسفرت عن سلام، ثم معركة قضائية انتصرت فيها الدولة المصرية باستعادة أرض طابا الغالية، ليصبح الانتصار مرتبطا في الأساس بالقضية المصرية، وهي استعادة الأرض، وليس بحجم الخسائر هنا أو هناك.


إذاً يبقى الانتصار العظيم، وإن اختصرنا الاحتفال به في يوم السادس من أكتوبر، مرحلة زمنية ممتدة، بدأت منذ اليوم التالي للنكسة، ولا أبالغ إذا قلت إنها مستمرة حتى الآن، وهو ما بدا في العديد من المراحل التي جاءت بعد عقود طويلة من نهاية المعركة المباشرة، في إطار إدارة معارك أخرى غير مباشرة، منها على سبيل المثال، الحرب على الإرهاب، وتطهير سيناء الغالية من الميليشيات، بعدما حاولوا الاستئثار بها، مرور بالحالة التنموية الشاملة على أرضها، وإنهاء حالة التهميش التي عانتها تلك البقعة الطاهرة من أرض مصر لسنوات طويلة، مرورا بالدفاع المستميت عن القضية الفلسطينية، وحتى الإدارة الحكيمة للحرب في غزة، وهو ما يعكس حقيقة مفادها أن معايير الانتصار والهزيمة في الحروب مرتبط بالأساس بعقلية الإدارة الحاكمة، سواء عسكريا أو سياسيا أو دبلوماسيا.


والحديث عن المعركة، وهي مفهوم أكثر شمولا واتساعا من الحرب، يبدو واضحا في السنوات الأخيرة، في ظل استهداف واضح لسيناء، بدءً من زرع الميليشيات، وحتى دعوات التهجير المشبوهة، التي ارتبطت باندلاع الحرب على غزة، وهي الأمور التي شهدت تصديا جادا من قبل الدولة المصرية، اعتمد في الأساس على بعد عسكري مباشر عبر ملاحقة معاقل الجماعات المتطرفة، وآخر غير مباشر، من خلال تطوير المؤسسة العسكرية وتزويدها بأحدث الأسلحة، مع تنويع مصادر التسليح، في حين لم تهمل الدولة المصرية أبعادا أخرى، اعتمدت منهج الإصلاح، انطلاقا من الخطاب الديني، وحتى التنمية الشاملة، في حين كانت الدبلوماسية سلاحا مهما في مواجهة دعوات حكومة بنيامين نتنياهو لتهجير الفلسطينيين.


معضلة إدارة المعارك، في مراحل ما بعد الحرب، بدت واضحة في العديد من النماذج الأخرى، التي سقطت فيها العديد من القوى، سواء في الإقليم أو خارجه، منها على سبيل المثال الحرب الأمريكية في العراق، والتي تمكنت فيها قوات التحالف من كسر الجيش العراقي، إلا أنها لم تتمكن من إدارة المعركة الأطول، والتي سبق وأن أعلنت واشنطن أهدافها، وعلى رأسها الديمقراطية، وحتى في سوريا، فالنظام السابق تمكن من تحقيق انتصار مرحلي على الميليشيات، بعد التدخل الروسي في منتصف العقد الماضي، إلا أنه لم يفلح في إدارة مرحلة المعركة، والمتمثل في مرحلة ما بعد الحرب، عبر تعزيز الوحدة بين أبناء المجتمع، والانغماس في العملية التنموية، فكان السقوط هو النتيجة الطبيعية للمعطيات المتاحة، وهو ما يؤكد أن النصر الحقيقي لا يُصنع في ساحات القتال، بل في كيفية إدارة ما بعدها.


والآن، تسدل الحرب في غزة أستارها، أو هكذا نتمنى، بعدما أعلنت واشنطن خطتها، وقبلتها الفصائل، فهل يمكن لأطراف المعادلة السياسية في فلسطين إدراك دروس الماضي، والاستفادة منها، فيصبح الانتصار مرتبطا بالقضية وليس لفصيل، وأن الحرب ليست نهاية المطاف والخسائر لا تعني الهزيمة، وإنما الرهان ينبغي أن يكون في الكيفية التي تدار بها مرحلة ما بعد الحرب، فالواقع يقول أن خسائر غزة كبيرة للغاية، ومن لا يصدق هذا الأمر، فعليه مراجعة أعداد الشهداء والمبتورين والمصابين، وأعداد الجوعى من الأحياء، وعليه كذلك النظر إلى حالة البنية التحتية بعد عامين من القصف المتواصل.


ولكن الواقع يقول أيضا أن القضية حققت انتصارات مقبولة للغاية، يمكن أن تشكل طفرة كبيرة في مسارها حال استثمار الزخم الناجم عنها، منها الاعتراف من قبل قوى دولية ذات مكانة كبيرة بالدولة الفلسطينية، وعلى رأسهم دول أوروبية مؤثرة ومحسوبة على المعسكر الموالي لتل أبيب، ومنها أيضا معاناة نتنياهو وحكومته من عزلة دولية غير مسبوقة، تجلت في مقاطعة خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة، والأهم من هذا وذاك سقوط قناع "الجار المضطهد" الذي طالما حشدت به إسرائيل المجتمع الدولي للاصطفاف خلفها، وتبرير جرائمها تحت ذريعة "الدفاع عن النفس"، وهو ما يمثل ثمرة جهود إقليمية قادتها الدولة المصرية كجزء لا يتجزأ من معركتها الممتدة منذ الانتصار العظيم قبل 52 عاما.


وهنا يمكننا القول بأن الأهم من ميدان الحرب، هو إدارة المعركة، والدولة المصرية تدير معركتها بكفاءة، ولكن تبقى الحاجة ملحة إلى إدراك أطراف القضية أنفسهم، لطبيعة المعركة، وكيفية إدارتها، عبر استلهام روح أكتوبر، والخطوة الأولى تتجلى في توحيد الجبهة الداخلية، حتى تنتصر القضية، التي تبقى أولوية قصوى، وليست المصالح الضيقة لطرف على حساب الآخر، في لحظة تبدو محورية وهامة في تاريخ فلسطين، يمكن استثمارها بكفاءة، حالة وجود الإرادة السياسية في الداخل.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب