السمنة ليست مجرد وزن زائد، بل هي حالة صحية يمكن أن تؤثر على كل جزء من الجسم تقريبًا، بما في ذلك الجلد، وغالبًا ما يلاحظ الأشخاص الذين يعانون من السمنة تغيرات ملحوظة في بشرتهم، بدءًا من البقع الداكنة والزوائد الصغيرة وصولًا إلى الالتهابات وبطء الشفاء، ومع أن هذه العلامات قد تبدو غير ضارة، إلا أنها قد تشير إلى تغيرات أيضية أعمق تحدث داخل الجسم، وفقًا لتقرير موقع "تايمز أوف انديا".
وغالبًا ما تكون مشكلات الجلد من أولى الدلائل على وجود خلل داخلي، لذلك فإن فهم كيفية تأثير السمنة على صحة الجلد والبشرة أمرًا مهمًا، ليس فقط لتحسين المظهر، ولكن أيضًا للتشخيص المبكر والوقاية من الأمراض المرتبطة بها.
السمنة وتلف الجلد: علاقة متجاهلة
يُعد الجلد أكبر عضو في الجسم، وهو بمثابة مرآة للصحة الداخلية، ووفقًا لدراسة نُشرت في مجلة Cureus، يُعاني ما بين 60% و70% من الأشخاص الذين يعانون من السمنة من تغيرات جلدية، وتحدث هذه التغيرات لأن السمنة تؤثر على هرمونات الجسم، والجهاز المناعي، والدورة الدموية، وعندما تتراكم الدهون، فإنها تؤدي إلى التهاب واختلال في التوازن الهرموني، وهذا يُعطل الحاجز الطبيعي للبشرة، ويُبطئ التئام الجروح، ويزيد من خطر العدوى.
ويُصاب العديد من المرضى بحالات مثل الشواك الأسود (بقع داكنة مخملية في طيات الجلد)، والزوائد الجلدية (الأكروكوردون)، وأشارت الدراسة إلى أن هذه الحالات الأكثر شيوعًا لدى مرضى السمنة.
وأُجري البحث في مستشفى كلية طبية في تشيناي، وشمل 100 بالغ يعانون من السمنة المفرطة، بمؤشر كتلة جسم أعلى من 30، وكان معظمهم يعانون من سمنة من الدرجة الأولى (مؤشر كتلة الجسم بين 30 و35)، وأظهرت النتائج أن ما يقرب من ثلثي المشاركين ظهرت عليهم أعراض جلدية واضحة، تصدرها التشققات الجلدية (Acrochordons) وداء الشواك الأسود (Acanthosis nigricans).
الحالات الجلدية الشائعة المرتبطة بالسمنة
ترتبط العديد من أنواع مشكلات الجلد ارتباطًا وثيقًا بالسمنة، وكل منها تحكي قصة مختلفة عما يحدث داخل الجسم.. كما يلى:
الشواك الأسود
تُسبب هذه الحالة جلدًا داكنًا وسميكًا، عادةً في الرقبة أو الإبطين أو الفخذ، وغالبًا ما تكون علامة على مقاومة الأنسولين، وهي حالة قد تؤدي إلى الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، وقد لاحظت الدراسة أن أكثر من 60% من المرضى أظهروا علامات الشواك الأسود، وخاصةً أولئك الذين لديهم مستويات أعلى من مؤشر كتلة الجسم، كما أكدت دراسات أخرى ارتباطه بمرض السكري واضطرابات التمثيل الغذائي.
الزوائد الجلدية
هذه الزوائد الجلدية الصغيرة والناعمة غالبًا ما تُرى في طيات الجلد، مثل الرقبة أو تحت الإبطين، وهي غير ضارة، ولكنها قد تكون علامة واضحة على التغيرات الهرمونية ومقاومة الأنسولين، وفي الدراسة، كانت الزوائد الجلدية الأكثر شيوعًا، حيث أثرت على أكثر من نصف المشاركين.
خطوط تمددية (علامات التمدد)
تظهر علامات التمدد نتيجة تمدد الجلد السريع الناتج عن زيادة الدهون، ووجدت الدراسة أن حوالي 58% من المشاركين الذين يعانون من سمنة خفيفة يعانون من علامات تمدد، وأن الحالة تزداد سوءًا مع زيادة مؤشر كتلة الجسم.
التهابات الجلد
كانت الالتهابات البكتيرية والفطرية شائعة أيضًا بين المشاركين، وذلك لأن السمنة تزيد من التعرق والاحتكاك، وخاصةً في طيات الجلد، مما يخلق بيئة دافئة ورطبة تزدهر فيها الفطريات والبكتيريا، وقد لاحظت الدراسة وجود التهابات فطرية لدى ما يقرب من ربع المرضى.
الصدفية
الصدفية حالة جلدية التهابية مزمنة، ورغم أنها لا تقتصر على السمنة، إلا أن حدوثها أعلى لدى الأشخاص الذين يعانون من السمنة، وقد أفادت الدراسة بوجود الصدفية لدى حوالي ستة بالمائة من المشاركين، كما ذكرت أن الصلة بين السمنة والصدفية تضعف عند التحكم في عوامل أخرى، مثل داء السكري وارتفاع الكوليسترول، مما يوضح كيفية تفاعل العديد من الحالات الصحية.
ماذا تخبرنا الأرقام عن السمنة وصحة الجلد؟
سلّطت نتائج البحث الضوء على الفئات السكانية الأكثر تأثرًا، وكان متوسط أعمار المشاركين 39 عامًا، وشكلت النساء غالبية مجموعة الدراسة، وكان معظم المرضى في الفئة العمرية 30-50 عامًا، وهي الفترة التي تبلغ فيها الحالات المرتبطة بنمط الحياة، مثل السمنة، ذروتها.
وصُنف حوالي 63% من المرضى ضمن الفئة الأولى من السمنة، و34% ضمن الفئة الثانية، و3% فقط ضمن الفئة الثالثة (السمنة المفرطة)، ووجد الباحثون أنه مع ارتفاع مؤشر كتلة الجسم، تزداد أيضًا احتمالية الإصابة بمشكلات جلدية متعددة.
ومن الملاحظات الرئيسية الأخرى العلاقة بين السمنة وأمراض أخرى مثل داء السكري وارتفاع ضغط الدم، حيث كان ما يقرب من نصف المشاركين مصابين بداء السكري، وأكثر من ثلثهم مصابين بارتفاع ضغط الدم، وقد تؤدي هذه الحالات المتزامنة إلى تفاقم حدة مشكلات الجلد، ورغم أن الدراسة اقتصرت على مجموعة صغيرة نسبيا، إلا أنها أظهرت بوضوح أن مشكلات الجلد ليست عشوائية بل مرتبطة بشكل مباشر بوزن الجسم والتمثيل الغذائي.
لماذا يعد الاهتمام بصحة الجلد أمرًا بالغ الأهمية في حالة السمنة؟
مشكلات الجلد لدى الأشخاص الذين يعانون من السمنة ليست مجرد مشكلات تجميلية، بل قد تكون علامات تحذيرية لاضطرابات أيضية كامنة، وبالنسبة للأطباء وأطباء الجلد تحديدًا، فإن التعرف المبكر على هذه العلامات يساعد في تشخيص حالات مثل داء السكري أو الاختلالات الهرمونية قبل تفاقمها، كما يمكن لتغييرات بسيطة في نمط الحياة، مثل اتباع نظام غذائي متوازن، وممارسة نشاط بدني منتظم، والحفاظ على النظافة، أن تُحسن الصحة العامة وحالة البشرة.
كما أن الفحوصات الدورية ضرورية، حيث يجب على المصابين بالسمنة عدم تجاهل تغيرات البشرة، مثل البقع الداكنة، أو الجفاف المفرط، أو الطفح الجلدي المستمر، فقد تكون هذه مؤشرات مبكرة لمشكلات صحية داخلية تتطلب عناية طبية، وحيث يمكن الوقاية من العديد منها أو التحكم فيها بالعناية المناسبة في الوقت المناسب.