دخلت كولومبيا مرحلة جديدة من التوتر التجارى بعد أن أصدرت منظمة التجارة العالمية حكمًا لصالح الاتحاد الأوروبى فى النزاع المتعلق بتطبيق الرسوم على واردات البطاطس المقلية المجمدة، وهو القرار الذى اعتبره مراقبون بمثابة صفعة اقتصادية للقطاع الزراعى المحلى الذى يعانى أصلًا من منافسة حادة مع المنتجات الأوروبية الأرخص سعرا والأكثر دعما.
بدأت القصة قبل نحو ثلاث سنوات، حين فرضت وزارة التجارة والصناعة والسياحة الكولومبية رسومًا تعويضية على واردات البطاطس المقلية القادمة من بلجيكا وهولندا وألمانيا، بعد اتهام شركات أوروبية بممارسة إغراق تجارى أضر بالإنتاج المحلى.
غير أن الاتحاد الأوروبى لجأ إلى منظمة التجارة العالمية، معتبرًا أن كولومبيا انتهكت اتفاقية مكافحة الإغراق من خلال تطبيق منهجيات غير دقيقة لتحديد الأسعار وقيم التصدير، وهو ما أكدته المنظمة فى قرارها الأخير الصادر هذا الأسبوع.
ووفقا لما نشرته صحيفة لا ريبوبليكا الكولومبية، أشار تقرير المنظمة إلى أن الحكومة فى بوجوتا تجاوزت الصلاحيات المقررة فى الاتفاق التجارى، وأخلت بمبدأ تكافؤ الفرص بين المنتجين المحليين والأوروبيين، واعتبرت أن الإجراءات التى اتخذتها السلطات الكولومبية قلصت المكاسب المستحقة للاتحاد الأوروبى بموجب التزامات التجارة الدولية.
من جهتها، أبدت وزارة التجارة الكولومبية تحفظها على القرار، مشيرة إلى أن لجنة التحكيم أعطت موقفًا متوازنًا حيث أقرت بأن كولومبيا التزمت جزئيا ببنود المقارنة بين الأسعار المحلية والدولية، ومع ذلك، أقرت الوزارة بوجود نقاط تحتاج إلى مراجعة فنية” فى كيفية احتساب القيمة الحقيقية للبطاطس المجمدة المستوردة.
ورغم أن القرار لا يعنى بالضرورة رفعًا فوريا للرسوم، إلا أن منظمة التجارة أوصت الحكومة الكولومبية بإعادة تقييم إجراءاتها خلال مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، بما يتوافق مع المعايير الدولية. وهو ما قد يؤدى عمليًا إلى خفض الرسوم الجمركية وبالتالى فتح الباب أمام زيادة كبيرة فى تدفق البطاطس الأوروبية إلى السوق الكولومبية.
خسارة اقتصادية ورمزية
بالنسبة إلى اتحاد منتجى البطاطس فى كولومبيا فيديبابا، فإن الحكم يمثل ضربة مؤلمة لقطاع يعتمد عليه آلاف المزارعين، وقال رئيس الاتحاد، ريتشارد سانشيز، أن القرار لن يؤثر كثيرًا على المستهلكين مباشرة، لكنه يشكل خطرًا طويل الأمد على الصناعة الوطنية، موضحا أن نحو 1% من واردات البطاطس المقلية سيتأثر بالقرار، إلا أن الأثر الرمزى كبير لأنه يشجع المنافسة الخارجية المدعومة.
وأوضح سانشيز أن الاتحاد يدرس اتخاذ إجراءات وقائية جديدة مثل فرض إجراءات حماية مؤقتة أو سُبل دعم محلى لمساعدة المزارعين على الصمود أمام الغزو الأوروبى، وأضاف: نحن لا نعارض التجارة الحرة، لكننا نرفض المنافسة غير المتكافئة، خصوصًا من منتجات مدعومة من حكوماتها.
أوروبا تحتفل.. وكولومبيا تراجع موقفها
وفى المقابل، احتفت بروكسل بالقرار واعتبرته انتصارًا للعدالة التجارية، وقالت المفوضية الأوروبية فى بيان أن القرار يعيد الثقة فى النظام التجارى العالمى القائم على القواعد، مؤكدة أن المستهلك الكولومبى سيكون المستفيد الأكبر من فتح السوق أمام منتجات عالية الجودة وبأسعار تنافسية.
أما الأكاديمى أليخاندرو أوسيتشه، أستاذ الاقتصاد بجامعة روزاريو، فاعتبر أن الحكم قد يجبر كولومبيا على خفض الرسوم وإعادة هيكلة سياستها الزراعية بالكامل، وأضاف أن التأثير الأوسع قد يظهر فى المستقبل القريب، إذ سيصبح من السهل على الشركات الأوروبية دخول أسواق أمريكا اللاتينية بأسعار منخفضة، مما يضغط على المنتجين المحليين.
المرحلة القادمة
تواجه الحكومة الكولومبية الآن معادلة معقدة بين الالتزام بقرارات منظمة التجارة والحفاظ على مصالح المزارعين المحليين، وبينما يطالب بعض النواب بتشديد إجراءات الحماية، يرى خبراء الاقتصاد أن الحل يكمن فى تحسين الإنتاج المحلى وتعزيز التكنولوجيا الزراعية لتقليل الفجوة التنافسية مع أوروبا.
ويؤكد مراقبون أن حرب البطاطس بين كولومبيا والاتحاد الأوروبي ليست مجرد خلاف زراعى، بل رمز جديد لصراع أوسع بين دول الشمال الغنى والجنوب النامى حول عدالة القواعد التجارية فى عالم ما بعد العولمة.